السعيد بنلباه
أعادت الاعتداءات في الوسط المدرسي وخاصة تلك التي همت الاعتداء على رجال التعليم إلى الواجهة، العنف، ليس فقط المدرسي بل العنف الذي أصبح وجبة يومية في المجتمع المغربي، سواء العنف اللفظي أو العنف البدني، في الحافلات، والأماكن العامة ، والشوارع الأزقة والدروب، عنف أعمى، وأخرس، لايسلم منه لا كبير ولا صغير، لا أنثى ولا ذكر، لا غريب ولا قريب، فحتى عنف الأصول يجد له مكانا في فسيفساء العنف في المجتمع المغربي، الكل في التعنيف سواء، وهو العنف الذي لم يعد يؤتى فقط من طرف المنحرفين، الذين يعيشون على هامش المجتمع من حيث ضوابطه، وأسسه القانونية والأخلاقية، بل حتى الذين من المفروض أنهم لايزالون على نحو ما يعيشون تحت سقف هذه الضوابط…
عندما نقارن بين عدد من الدول المسماة متقدمة،والمصبوغة بالتحضر، ودول أخرى، ومنها المغرب، فإننا نجد أن تلك الدول قطعت منذ زمان مع التكافل الاجتماعي الطبيعي، ومعه قطعت مع العيش المتسلسل داخل العش الواحد بين الأجيال، الجد والابن وابن الابن والعم والخال في بعض الأحيان,, وهو الأمر الذي لا نزال إلى حد كبير نعيش عليه خاصة وسط الأسر التقليدية، والحمد لله أنها لاتزال تشكل الغالبية العظمى من مجتمعنا..لكن مع ذلك فإننا نحافظ على الشكل وبالمقابل فقدنا المعنى ” نحن جمع وجماعة ومجتمعون لكن بقلوب شتى”
في الصين الشعبية وهي القوة العظمى حاليا سكانا ومساحة واقتصادا وعسكرا,,,وهي الدولة التي تجرأت منذ زمان على تحديد النسل إلى أدنى مستوياته,, ما كان يوحي في البداية بأن الحياة هناك في طريقها لأن تصبح أقرب إلى الآلية، الفاقدة للمشاعر,, جراء التقنين القاسي,, إلا أن العكس هو الحاصل في الصين كانت ولاتزال كما آمنت بأن الصحيح هو أن تعلم الإنسان كيف يصطاد سمكة واحدة،، بذل مده بسلال من السمك…تؤمن بحدة بأن استقرار المجتمع يتأتى بالأساس باستقرار الأسرة، لأن الأسرة هي النواة الأساسية والأولى والطبيعية التي يتشكل منها المجتمع,, إن فسدت فسد المجتمع,,
في زمن ما من تاريخ المغرب، كثير من قديمه وقليل من حديثه، أيام كان الآباء والأمهات محدودي العلم والمعرفة، كان “المسيد” مصدرا وحيدا للمعرفة، وبعده “المدرسة” وكان الفقيه والمعلم أساس ومحور العلم والتربية بالنسبة للأطفال,, وكثير منا لايزال يذكر العبارة الشهيرة، والتي كانت العقد المتعاهد عليه بين الآباء والمعلمين ألا وهو ” آنت ذبح وأنا نسلح” فكان المعلم يقوم بجميع الادوار، يلقن التلاميذ بعض المعارف والعلوم، وفي نفس الوقت الأخلاق، والسلوك، والتربية الوطنية والإسلامية، في حجرات الدرس وخارجها,, أما اليوم فغالبية الآباء والأمهات نالوا نصيبهم المحترم من المعرفة والعلم والإدراك,, وبالتالي أصبح لزاما إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، بل وإعادة توزيع الأدوار، وإسناد الأمور لأهلها,, وعدم تحميل المدارس والإعدادي والثانويات، ما لا يمكن طبيعيا تحمله، على الأسرة القيام بأدوارها، وعلى الشارع القيام بأدواره، وهنا أقصد بالشارع، المؤسسات المنوط بها السهر على تطبيق القانون، وإلزام الجميع بالامتثال لضوابط المجتمع,,, فبالنسبة للأسرة فعلى كل شاب وشابة فكرا في الزواج وقبل توقيع رباط الزواج بينهما ، أن يدركا ما عليهما من مسؤوليات إن هما كانا يرغبان في الحفاظ على النوع بإنجاب البنين والبنات..عليهما أن يوقعا على دفتر تحملات مفترض، في أدبياته تربية الأبناء على الصفات التالية: النزاهة والشرف، عدم الكذب، الاستقامة، احترام المواعيد، التحلي بروح التضامن، احترام الآخر، احترام من هم أكبر منهم سنا وتجربة، احترام معلميهم وأساتذتهم” استنادا إلى المقولة الشهيرة” من علمني حرفا أصير له عبدا” وتربيتهم على النظافة،نظافة اللباس ونظافة المحيط، مصداقا للقول ” النظافة من الإيمان” وتربيتهم على النظام، والتنظيم، وتربيتهم على الميل للحرية دون المساس والتعدي على حرية الآخرين.
عندما يلتزم كل أب وأم بدفتر التحملات هذا، تكون الأسرة قد أدت ما عليها، وأنتجت للمجتمع فردا مشبعا بحسن الخلق والأخلاق,, والتربية الحسنة لا يمكن إلا أن تنتج مجتمعا وشارعا نابضا بالحياة السليمة السديدة القويمة,,وبهذا أيضا لا يمكن للمدرسة والإعدادية والثانوية والجامعة إلا أن تكون ذات قيمة مضافة داعمة ومكملة من خلال تلقينها باقي العلوم والمعارف