الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة
-2-(يتبع)
عبد الواحد بلقصري/باحث في علم الاجتماع السياسي
وضع المغرب منذ استقلاله سياسة هامة للتخطيط كانت تروم، خلال أكثر من أربعين سنة، الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فأمدته بالمقومات الحقيقية لرسم مستقبله، ويتعين راهنا أن يتم تدعيم كل الأوراش التي تم إطلاقها في مرحلة أولى من أجل مواجهة الحاجيات المستعجلة (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسساتية) بالالتفاف حول مشروع مجتمعي أراده صاحب الجلالة محمد السادس وتتبناه كل القوى الحية للأمة*1*.
كما تعززت سياسة الانفتاح بدخول اتفاقيات التبادل الحر حيز التطبيق مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2004 والمنطقة العربية الكبرى سنة 2005 وتركيا سنة 2006 ودول اتفاقيات اكادير سنة 2007، وقد تعزز الجانب البيئي بالمصادقة على القوانين البيئة الكبرى مثل القانون 11/03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، وقانون الهواء بالإضافة لبرامج دعم العمل البيئي.*2*
وقد شكلت سنة 2011 منعطف حاسما في بلورة مشروع مجتمعي بعد ان ابانت المقاربة القطاعية عن محدوديتها خاصة في مجال ادماج الاشكاليات الافقية التي تميز مبدأ الاستدامة، وقد شكلت التواريخ التالية محطات للتقدم في مسار مؤسسة التنمية المستدامة بالمغرب:
سنة 2011 تمت المصادقة على مسلسل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي يكرس المبادئ الكبرى للتنمية المستدامة. و مارس 2011 ألقى جلالة الملك محمد السادس خطابا دعا فيه الأمة المغربية للعمل من اجل اعداد نص دستوري جديد، وهكذا تمثل صياغة هذا النص الدستوري الجديد وفق منهجية تشاركية واسعة.
18 يونيو 2011 رسخ الدستور الجديد المملكة المغربية التنمية المستدامة ووطد اسس الحكامة.
كذلك في سنة 2011 قدمت اللجنة الاستشارية المعنية تقريرها حول الجهوية الموسعة التي تهدف إلى تحقيق التنمية المندمجة والمستدامة، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذا الفلاحية والبيئية، من اجل تثمين الإمكانات والموارد التي تزخر بها كل جهة تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية ومن هذا المنظور، فان الجهوية الموسعة المنشودة ليست مجرد إجراء تقني او اداري بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة والنهوض بالتنمية المندمجة مقتطف من خطاب صاحب الجلالة محمد السادس.*3*
مارس 2014 نشر القانون الإطار رقم 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي يعطى للحكومة في اجل سنة واحدة بعد تاريخ نشره من اجل المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.
يشكل إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بالمغرب تتويجا قوي من اجل تحقيق التنمية المستدامة وترسيم هذه الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة كمعالم مشروع مشترك بين كل فاعلي الامة من اجل دعم جهود الاستدامة كل في ميدانه حول خيارات استراتيجية ومؤشرات حازت على توافقا واسعا، وترمي هذه الاستراتيجية كذلك إلى تحقيق الوضوح والانسجام بين الالتزامات الدولية لبلادنا وسياساته الوطنية والأفقية والقطاعية.
تختلف منهجيات اعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة حسب الدول. فكل دولة يجب ان تحدد بالاحتكام الى ثقافتها وتاريخها السياسي وخصوصياتها البيئية المقاربة المثلى، لإعداد وتنفيذ استراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة، ويتعين بناء الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة بالمغرب على السياسات المعتمدة من طرف المملكة وتدعيم الإلتقائية والتكاملية والاندماج، بين مختلف اطارات ومسلسلات التخطيط، وتشكل السياسات القطاعية توجهات لعمل مختلف الوزارات والقطاعات المعنية الا انه ينقصها الانسجام والتنسيق وفق مسار منتظم يترجم انخراط المغرب في دينامية التنمية البشرية وحماية البيئة لمواجهة تحديات القرن ولعل الحكامة العمومية للتنمية المستدامة ولاعتبارات تاريخية بالمغرب كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدول ظلت تنسقها الإدارة المكلفة بالتنمية المستدامة، ويتجلى رهان الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في التدعيم المستدام لانسجام من جهة، وتوسيع الحكامة التنموية المستدامة من جهة ثانية لتشمل مجموع الفاعليين المعنين من الاطراف، وفضل عن ذلك وخلال مرحلة رسم الإطار المرجعي تمت صياغه الاهداف الخاصة التي يلزم أن تتقيد بها الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي يجب ان تكون استراتيجية عملية قائمة على الواقع الميداني والبرامج التي هي في طور الانجاز، واستراتيجية تمكن من تحسين الالتقاء بين مختلف المبادرات الحكومية ومبادرة المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين، استراتيجية تبحث عن ادماج عناصر الاستدامة في السياسات ولا ترتكز على رؤيه مستقبلية تختلف او تتعارض مع الخيارات الاستراتيجية التي كان العمل بها سلفا، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة هي قبل كل شيء مسلسل مستمر سلوكياتهم. بالنسبة للتنمية الكلاسيكية فهي تحدد اهداف خلال الفترة 2017 2030 وترسم تدابير واجراءات عمليه يلتزم بها مختلف الفاعلين وقد تم تحديد اغلب هذه التدابير او البدل في تنفيذها من طرف السلطات العمومية، ويتمثل دور استراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في السهر على متابعه تنفيذها وبالمقابل هناك بعض التدابير الجديدة التي تهدف الى الاستجابة لبعض رهانات الاستدامة التي لم تؤخذ بعين الاعتبار من قبل، وبمجرد المصادقة عليها من طرف الحكومة واعتمادها، تصبح هذه الاستراتيجية التزاما يلزم الجميع وفقه مقتضيات القانون الاطار 12.99 *4*
ومن أجل بلوغ هدف التنمية المستدامة الخاص بتضامن الاجيال كان من اللازم تامين عدد من الشروط الاساسية لضمان المسار المستدام، وقد ابان التشخيص على ان مقومات الاستدامة حاضرة في اغلب السياسات الى ان تنفيذها يظل غير كاف، وعليه يعتبر وضع استراتيجية شاملة تحدد الإطار العام للسياسات العمومية امر ضروري وقد تم تعريف هذا الإطار من خلال الرؤية الاستراتيجية الرامية إلى تنفيذ الاقتصاد الاخضر الشامل بالمغرب في افق 2030، حيث أن المغرب يمتلك من المقومات ما يكفل له ضمان تنفيذ الرؤية الاستراتيجية، كما تؤثر على ذلك الاستراتيجية الطاقية وخبرة المغرب في ميدان تدبير المياه والسياسة الاجتماعية التي تدعمها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الا انه مطالب بتعميم مقاربة الاستدامة من خلال العمل بالتوازي على العدد من الاوراش، كما يتعين مراجعة الحكامة في مجال التنمية المستدامة في اتجاه دعم كفاءات الفاعلين وتحسين الاطار التشريعي وتقوية المراقبة والتنفيذ الفعلي للقوانين، وسيتوجب على القطاعات ان تدمج بشكل اكبر المكونات السوسيو-بيئية في خرائط الطريق الاستراتيجية التي تعتمدها حيث ان المرتكز الاقتصادي يشكل بلا منازع قاطرة الرؤية، لأنه لا يمكن تصور تنمية مستدامة بمعزل عن اقتصاد سليم بمؤشرات اداء قوية على كل القطاعات فالسياسة الارادية للدولة تدعم التنمية الاقتصادية للبلد ويمكن تجاوز معيقات التنافسية التي تم الكشف عنها في مرحله التشخيص من خلال البحث المستمر على الالتقاء بين القطاعات، وكذا من خلال ادماج اكبر للاعتبارات السوسيو-بيئية.*5*
ويعتبر تحقيق اقتصاد بيئي امر ممكن من خلال وضع لبنات الاقتصاد الدائري او تطوير التصنيع الاخضر كما يلزم تعزيز المرتكز الاجتماعي خصوصا السياسات ذات الصلة بالصحة، التي ظلت رغم التحسن النسبي الذي رسمته مؤثرات مستوى الكهرباء دون مستوى الاهداف التي سطرت لها مما يضعف مسلسل التنمية البشرية كما انه يضمن للجميع نظام تربوي مجاني جيد يظل ايضا تحديا يتعين رفعه لتفادي تعميق الفوارق الصارخة، اما محاربه الفقر يجب تعزيز التضامن خاصة التضامن على المستوى الترابي.*6*
المراجع والهوامش :
1- الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في أفق 2030، ص 10.
2- المملكة المغربية، السياسة البيئية الوطنية وأهداف التنمية المستدامة، 2017.
3- كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة ، نفس المرجع السابق الصفحات 6 و7.
4- المملكة المغربية، السياسة البيئية الوطنية وأهداف التنمية المستدامة، 2017.
5-كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة ، نفس المرجع السابق الصفحات 11و12.
6-الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في أفق 2030.