الميثاق الوطني للاتمركز الإداري بين دعامتي مؤسسة الجهة و دور الوالي
محمد ايت موحتا
بمصادقته على الميثاق الوطني للاتمركز الاداري رقم 2-17-618 ونشره بالجريدة الرسمية، خطا المغرب خطوة مهمة في أفق ترسيخ الجهوية المتقدمة وإرســاء إدارة لاممركزة مسؤولة، لها سلطة القــرار، فعالــة ناجعة وقريبة مـــن انشغالات المواطنين والفاعليــن المؤسساتيين والاقتصاديين، ومؤهلة بشكــل أفضـــل لتتحمل متطلبات تنمية مختلف مكونات التراب الوطني في إطار روح الاندماج والتنسيق والاستعمال المشترك للوسائل المادية والبشرية.
فالإدارة اللاممركزة، القوية باختصاصاتها ومواردها البشرية والمالية والمادية، تشكل دعامة أساسية لورش الجهوية المتقدمة، كما ستضمن أفضل الشروط للاندماج والتكامل والتآزر بين السياسات العمومية تحت إشراف والــي الجهة وعامل العمالة أو الإقليم ومراقبة السلطات الحكومية المعنية.
وفي هذا الصدد، فإن المادة 45 من الميثاق تنص على مبدأ التدرج في توزيع الاختصاصات بين الادارات المركزية والمصالح اللاممركزة، مع الاشارة على الخصوص إلى أن الانتهاء من تفعيل هذا التوزيع يجب أن يتم داخل أجل لا يتعدى ثلاث سنوات، يسري ابتداء من تاريخ دخول المرسوم حيز التنفيذ.
و طبقا لمبدأ التدرج المنصوص عيه بالمادة 45 من الميثاق، و لتسريع وتيرة مسلسل اللاتمركز الاداري واحترام الآجال المحددة في إطار الميثاق الوطني للاتمركز الاداري، بادرت الحكومة بنشر نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الاداري في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 25 يناير 2019 . لذلك يتعين على السلطات الحكومية المعنية داخل أجل ستة أشهر (المادة 22 من الميثاق الوطني للاتمركز الاداري )، إعداد مشاريع التصاميم المديرية وفقا لهذا النموذج وعرضها على المصادقة. وهذه التصاميم المديرية، التي تشارك في إعدادها وجوبا المصالح اللاممركزة للدولة على الصعيد الجهوي، يتم تنفيذها في إطار تعاقدي بين السلطات الحكومية المعنية، ووالي الجهة وكذا رؤساء التمثيليات الادارية الجهوية المعنية.
إذن ما هي دعامات و أهداف الميثاق الوطني للاتمركز الاداري ؟
طبقا للمرسوم رقم 2-17-618 بمثابة ميثاق و طني للاتمركز الاداري ، يعتمد الميثاق الجديد على مبدأ الإنصاف في تغطية التراب الوطني، مـــن خـــــلال ضمان التوزيع الجغرافي المتكافئ لمصالح الدولة اللاممركزة، وتخويل الجهة مكانة الصدارة في التنظيم الإداري الترابي وجعلها المستوى البيني في تنظيم العلاقة بين المستوى المركزي وباقي المستويات الترابية، واستناد الميثاق على مبدأ التفريع القائم على توزيع المهام وتحديد الاختصاصات بين الإدارات المركزية والمصالح اللاممركزة التابعة لها.
يقوم الميثاق على دعامتين، وهي مؤسسة الجهة، باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لتنفيذ توجهات الدولة المتعلقة باللاتمركز الإداري، بالنظر لما تتبوأه من مكانة الصدارة في التنظيم الإداري للمملكة، وبما يجعلها مستوى بينيا وحلقة مفصلية لتأطير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي. و دعامة والي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على مستوى الجهة، وفق لما ينص عليه الفصل 145 من الدستور، وفاعلا محوريا لتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، وللسهر، تحت سلطة الوزراء المعنيين، على حسن سيرها ومراقبتها، ولتحقيق التقائية السياسات والبرامج والمشاريع العمومية على مستوى الجهة وتتبع تنفيذها، بما يضمن نجاعتها وتحقيق الأهداف التنموية المبررة لاتخاذها.
يهدف الميثاق إلى تقريب الخدمات العمومية إلى المرتفقين، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، وتأمين استمراريتها. والحرص على التطبيق الأمثل للتوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال إعادة تنظيم مصالحها على الصعيدين الجهوي والإقليمي، وتحديد المهام الرئيسية الموكولة إلى هذه المصالح، والتوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها، مع ضمان التقائيتها وتجانسها وتكاملها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم. وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها، ومواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة، القائم على الجهوية المتقدمة، والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته، مع تعزيز آليات التكامل والتعاون والشراكة بين المصالح اللاممركزة للدولة والهيآت اللامركزية، وتقديم كافة أشكال المساعدة والدعم للجماعات الترابية، ومواكبتها في إنجاز برامجها ومشاريعها التنموية.
كما يوضح ميثاق اللاتمركز الاداري دور الإدارات المركزية وحصرها في مهام التأطير والتصور والتوجيه وتقييم ومراقبة أداء الإدارات اللاممركزة، فضلا عن الدور المنوط بها في مجال إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية في إطار ما يسمى مبدأ التفريع. ويؤكد الميثاق على مواكبة الإصلاح الجهوي الأخير وإبراز المستوى الجهوي باعتباره الإطار الملائم لانسجام السياسات العمومية ولبرمجة مشاريع مختلف القطاعات الحكومية، على أن تتولى الإدارات الإقليمية مهمة تنفيذ السياسات العمومية وإنجاز برامج التضامن والتماسك الإجتماعي، وكذا المواكبة والمساعدة التقنية لفائدة الجماعات الترابية،
كما ينص الميثاق على الدور المحوري الذي يلعبه والي الجهة في التنسيق بين جميع القطاعات بالجهة و على إمكانية تجميع المهام الإدارية المشتركة، المنسجمة أو المتكاملة عبر خلق إدارات جهوية تكون قادرة على إنجاز مشاريع جهوية تستلزم توحيد العمل وتظافر جهود عدة مصالح تابعة لنفس المستوى الترابي، و توضيح مجال تدخل وحدود العلاقات بين الفاعلين في مجال اللاتمركز من إدارات مركزية ومصالحها اللاممركزة وسلطات محلية، تقوم على أساس تفويض صلاحيات اتخاذ القرار، مع تدعيم مجال تنسيق أنشطة المصالح قصد ضمان وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي.
ويبقى التقيد بمخرجات الميثاق الوطني للاتمركز الاداري، و تنزيلها على ارض الواقع ،هو الوسيلة الأمثل و الأنجع ،لإنجاح مشروع الجوهرية المتقدمة .الذي خطا فيه المغرب خطوات كبيرة ،ابتداء من التعديل الذي عرفه الدستور المغربي سنة 2011، و خصوصا البند 135 منه، الذي يعرف بالجماعات الترابية بالمغرب. و كذلك المراسيم التطبيقة التي تلته : المرسوم :111- 14 الخاص بالجهة ، 112- 14 الذي يعرف الإقليم أو العمالة و أخيرا المرسوم رقم 113- 14 الخاص بالجماعات . بدون ان ننسى الإصلاحات الإدارية و القوانين المعقلنة لتدبيرها، التي تعطي للجهة مكانة مهمة داخل التنظيم الاداري المغربي.