أخبار

في الحديث عن سوسيولوجيا البيئة والسياسة البيئية

عبد الواحد بلقصري

نستيطع أن نلتمس في حقل علم الاجتماع بعض جوانب اهتمام علماء الاجتماع بالبيئة بدءا من اسهامات إميل دوركايم E. Durkheim في دراسته للمجتمع، بحيث اعتبر المورفولوجيا الاجتماعية أحد الفروع الأساسية التي ينقسم إليها العلم، ومن تم قسمها إلى مبحثين؛ هما على التوالي دراسة الأساس البيئي للتنظيم الاجتماعي ودراسة الظواهر السكانية كالكثافة والحجم والتوزيع المكاني، ولاحقا ستبرز دراسات كثيرة في علم الاجتماع ستجعل من قضايا البيئة موضوعا لها، على غرار دراسة فريدريك لابلاي عن أصول الأسرة وميزانياتها بين البيئة وشكل نمط الأسرة التي تتأثر دوما بأشكال النشاط الاقتصادي السائد، ثم دراسة هربرت سبنسر H. S التي مثلت أعماله مرحلة متقدمة في الايكولوجيا البشرية بحيث نظر إلى الكائن الحي والمجتمع على أساس التفاعل بين كل منهما والبيئة التي يوجد فيها، ولاحقا ستتضح اهتمامات ليستر وارد في البيئة حينما ميز في النسق الاجتماعي بين النشأة والتطور التلقائي للبناءات والوظائف الاجتماعية وبين العمل الإصلاحي المقصود والواعي.1

 يؤكد ماكس فيبر على أن مشكلة البيئة كانت دائما قضية مشتركة بين كل علماء الاجتماع والعلوم الأخرى، وسعى لمناقشة أفكار عالم الكمياء الشهير ولهام أوستوالد حول الطاقات الاجتماعية ومدى تاثيرها على تطور الجنس البشري وكيفية تكوين البيئة الطبيعية لهذه الطاقة، بإيجاز فتصورات فيبر حول التغيير والثقافة والاقتصاد والدين والسلطة والتنظيم والتعليم وغيرها، كانت تؤكد العلاقة المتبادلة بين التنظيم الاجتماعي والبيئة التي يوجد فيها في الواقع.وفي وقت لاحق من تقدم الاهتمام السوسيولوجي بالبيئة، ستظهر اسهامات السوسيولوجي الأمريكي روبرت بارك لتبصم لحظة معرفية مهمة من مسار تطور البحث السوسيولوجي العالمي؛ وهي لحظة مدرسة شيكاغو (الجيل الأول)، وعليه فقد برز اهتمام روبرت بارك من خلال مقال بعنوان “المدينة The City” وعمله المشترك مع ارنيست برجس الذي ركز فيه على عدد من المفاهيم السوسيولوجية والأيكولوجية كالتفاعل الاجتماعي، التواصل، العمليات الاجتماعية، التنافس، التعاون، الصراع.. إلخ، وهذه المفاهيم هي من مهدت وهيأت لظهور ونشأة علم الاجتماع البيئي .2

كما تجدر الإشارة إلى “أن استخدام مفهوم البيئة في الدراسات السوسيولوجية لم ينل الاهتمام المطلوب على خلاف الدراسات السيكولوجية والاقتصادية والإعلامية، ويرجع ذلك إلى امتلاك علم الاجتماع لعدد كبير من المفاهيم المحددة والتي يحتويها مفهوم البيئة سواء كانت البيئة الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها”،غير أنه نعثر عند رواد العلم الاجتماعي الأوائل على بعض ملامح الاهتمام الضمني بالمفهوم، ومثال هذه الدراسات يتمثل في ما كتبه إميل دوركايم وماكس فيبر وكارل ماركس، حيث انطوت أعمالهم على البعد البيئي، وأولى ملامح هذا الاهتمام كما قلنا نعثر عليها في التحليلات الداروينية الاجتماعية وتصوراتها المختلفة لفكرة الطبيعة الحيوانية واستمرار أفضل الأنواع والسلالات بفضل سيطرتها وتكيفها مع البيئة الإيكولوجية.3

وإستنتاج القول فعلم اجتماع البيئة يدرس العلاقات المتبادلة بين المجتمعات وبيئاتها من ناحية تأثير المجتمعات على بيئتها ومن ناحية تأثير البيئة على المجتمعات، في العلاقة بأنماط العيش وخبرة الحياة اليومية وقضايا المناخ وأشكال التفاعل الاجتماعي.4

وفي مدرسة شيكاغو بدأ علماء الاجتماع في تناول قضايا البيئة في علاقتها بالمدينة الميتروبولية، بحيث يسترشد هؤلاء في تحليل ظواهر المدينة بعناصر نظرية تستل مناهجها وقيمتها من البيئة ومن ما سماه روبرت بارك بالإيكولوجية الحضرية. ومن دوافع اهتمام علماء الاجتماع بالبيئة نجد الحركات الاجتماعي الحضرية، التي كانت تستأثر باهتمام هؤلاء الباحثين. ومن بين ما استأثر اهتمام علماء الاجتماع نذكر أيضا السياسات البيئية والاستجابات المؤسسية لها، ذلك أن ما ساهم بشكل كبير في جعل الاجندة الاجتماعية للبيئة بمثابة تفاعل بين الطبيعة والمجتمع وفي نفس الوقت ظهور الحركات الاجتماعية.5

 

 

المراجع والهوامش :

1-Lionel Charles, Bernard Kalaora, Sociologie et environnement en France, l’environnement introuvable?, dans, Ecologie et Politique, n° 27, 2003, pp 31-57

2- Boudes Philippe, La sociologie de l’envirenement ; objets et démarches, Manuel de sociologie de l’environnement, july 2012, p 117-118.

3- Thomas R. Dye, Understanding Public Policy: Theories and Issues, Red Globe Press, 2nd Ed, 2019.

4-بشير ناظر حميد، دراسات في علم الاجتماع، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، العراق، 2014، ص 25.

5- عبد الرؤوف الضبع، علم الاجتماع وقضايا البيئة: مداخل نظرية ودراسات واقعية، دار الوفاء، مصر، 2004، ص 52.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!