أخبارالتعليم العالي والبحث العلميجهاتسياسة

القاسم الانتخابي في المغرب بين الدستور والسياسة: قراءة نقدية للدكتور رشيد المدور

تأثير تعديل طريقة احتساب القاسم الانتخابي على التمثيل الديمقراطي وتوازن القوى السياسية

شهد النظام الانتخابي المغربي في السنوات الأخيرة تعديلات مهمة، كان من أبرزها تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي، الذي يُعد من الركائز الأساسية في توزيع المقاعد البرلمانية بين الأحزاب السياسية. ففي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، انتقل المشرع من احتساب القاسم على أساس عدد الأصوات الصحيحة إلى احتسابه على أساس عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية. هذا التعديل الذي أقرته المحكمة الدستورية في قرارها رقم 21/118، اعتبرته دستوريًا، لكنه أثار موجة من الانتقادات القانونية والسياسية، كان أبرزها تحليل الدكتور رشيد المدور في مقاله “القاسم الانتخابي: قراءة دستورية في ضوء المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية والنزيهة”.

📍قراءة دستورية نقدية: بين القانون والواقع السياسي
يؤكد الدكتور المدور أن هذا التغيير في طريقة احتساب القاسم الانتخابي يحمل أبعاداً دستورية عميقة، إذ يتعارض مع جوهر نظام التمثيل النسبي الذي يهدف إلى تحقيق الإنصاف والعدالة في التمثيل الانتخابي. فالاعتماد على عدد المسجلين بدلاً من عدد المصوتين يرفع من سقف الأصوات المطلوبة للفوز بالمقاعد، خصوصاً في ظل انخفاض نسب المشاركة الانتخابية التي تعرفها الانتخابات المغربية، مما يجعل النتائج أقل تعبيراً عن الإرادة الحقيقية للناخبين.
ومن الناحية القانونية، يشير الدكتور المدور إلى أن هذا التعديل قد ينتهك مبادئ الديمقراطية التي تقتضي أن تكون الانتخابات نزيهة وشفافة وتعبر عن إرادة المواطنين بحرية، وهو ما تؤكده المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية. فاحتساب القاسم على أساس عدد المسجلين يفرض عقوبة ضمنية على الناخبين الذين لم يصوتوا، حيث يؤثر غيابهم على توزيع المقاعد، في حين أن مبدأ الاقتراع الحر يضمن أن يكون الامتناع عن التصويت خياراً شخصياً لا يغير من نتائج الانتخابات.

📍الأبعاد السياسية: إعادة رسم خريطة القوى
لا يمكن فصل هذا التعديل القانوني عن السياق السياسي الذي جاء فيه، حيث يعكس صراعاً بين القوى السياسية الكبرى في المغرب، وأبرزها حزب العدالة والتنمية الذي اعتبر أن القاسم الجديد يحد من فرصه في المنافسة ويقلص تمثيله البرلماني. فالقاسم الانتخابي الجديد يميل إلى تعزيز تمثيل الأحزاب الصغيرة والمتوسطة على حساب الأحزاب الكبرى، مما يعيد تشكيل المشهد السياسي ويؤثر على توازن القوى داخل البرلمان.
ويرى الدكتور المدور أن هذا التغيير لا يقتصر على مسألة تقنية بحتة، بل هو أداة سياسية تُستخدم لإعادة توزيع النفوذ داخل المؤسسات المنتخبة، وهو ما ينعكس على قدرة الأحزاب على تشكيل أغلبية برلمانية مستقرة، وبالتالي على القدرة على تشكيل حكومة قوية قادرة على تنفيذ البرامج السياسية والتنموية.
📍تداعيات على الديمقراطية والشرعية الانتخابية
يطرح هذا التعديل إشكالات جوهرية حول شرعية المؤسسات المنتخبة، إذ أن ضعف التعبير عن إرادة الناخبين الحقيقية قد يؤدي إلى تراجع الثقة في العملية الانتخابية وفي النظام السياسي ككل. ويؤكد الدكتور المدور أن الانتخابات التي لا تعكس بصدق إرادة المواطنين تهدد المكتسبات الديمقراطية والحقوقية التي حققها المغرب، وتفتح المجال أمام مزيد من الاستقطاب والاحتقان السياسي.

كما أن هذا الوضع قد يفاقم ظاهرة عزوف الناخبين عن المشاركة، ما يخلق حلقة مفرغة من ضعف التمثيل وشرعية المؤسسات، ويزيد من صعوبة بناء توافق وطني حول القضايا الكبرى التي تواجه البلاد.

📍توصيات وأفق مستقبلي
في ضوء هذه التحليلات، يدعو الدكتور رشيد المدور إلى ضرورة فتح حوار وطني شامل حول النظام الانتخابي، يشارك فيه جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين، بهدف التوصل إلى توافق حول قواعد واضحة ومنصفة تضمن تمثيلاً عادلاً يعكس إرادة الناخبين ويعزز شرعية المؤسسات.
كما يشدد على أهمية مراجعة القوانين الانتخابية بما يتوافق مع المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية والنزيهة، ويضمن شفافية العملية الانتخابية ونزاهتها، مما يسهم في تعزيز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، ويدعم بناء ديمقراطية متينة ومستقرة.

يمكن الاطلاع على الدراسة كاملة عبر الرابط التالي:
القاسم الانتخابي: قراءة دستورية في ضوء المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية والنزيهة – للدكتور رشيد المدور
https://journals.imist.ma/index.php/Dafatir-Barlamania/article/view/22

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!