أخبار

في الحديث عن حقل السياسات العامة

علاش بريس

يعتبر مجال السياسات العامة حديثا وهاما، في علم الإجتماع السياسي، إذ أنه لا يكتفي بدراسة مضمون السياسة، وانما يتطرق إلى كيفية صنعها وتكلفتها وبدائلها وكيفية تنفيذها والمطابقة بين أهدافها المعلنة والنتائج العملية للتطبيق، ويدخل في ذلك تحليل الأثار المتوقعة من تنفيذ سياسة ما.

إن ما يميز فرع مجال السياسات العامة ضمن محددات ارتباطه بحقل علم الإجتماع السياسي، هو سعيه الدائم إلى تناول الدولة انطلاقا مما يصدر عنها من أفعال وأعمال، أي من خلال تناول المدخلات والمخرجات المؤثرة في السياسات العمومية وفي عمليات صناعتها وتنفيذها وتقييمها، وتتبع عوائدها من خلال تناول المدخلات والمخرجات المؤثرة في السياسات العمومية وفي عمليات صناعتها وتنفيذها وتقييمها، وتتبع عوائدها من خلال ما تحدثه من تغيير وأثار على المجتمع وحياة الأفراد.2

وإذا كان سؤال” ادماج” السياسات العامة ضمن علم الإجتماع السياسي مازال مطروحا الى حدود اليوم، فإن الأكيد أن السياسات العامة تأثرت في مراحل تطورها بمختلف القفزات النوعية التي حققها هذا العلم، خاصة مع ذلك الجديد الذي أتت به الثورة السلوكية في حقل العلوم الإنسانية، وكذلك الفكرة التي يراد التأسيس لها حول الدور الجديد للدولة، الذي باتت تمليه ظروف المرحلة الراهنة، وتوسيع مجال تدخلها ليشمل قضايا اوسع تدخل في نطاقها قضايا مثل البطالة، حقوق الانسان، المجتمع المدني… الخ، بعد أن كان تدخل الدولة ولزمن طويل محورا لتحقيق الأمن والدفاع عن السيادة الوطنية، وهو ما جعل برنامج الحكومة المتضمن للسياسة العامة للدولة يتسع ليشمل مجالات كانت بعيدة كل البعد عن اهتمام رجل سياسة.

لقد ساعدت السياسات العامة ضمن المنظور الجديد لعلم الإجتماع السياسي، والذي ظهر بصيغته الحالية في الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، باعتباره علما جديدا مستقلا عن التراث المتراكم حول السياسة، من خلال أدوات اشتغاله كالجمع الممنهج للمعطيات، وتجريب الفرضيات على المعطيات، وتحويل المعرفة بالسياسة بمفهومها الكلاسيكي الى معرفة تهدف الى فهم السلوك السياسي والبحث الممنهج في أسبابه ومرجعيات بنائه، عوض الاقتصار كما كان الأمر في السابق على الدراسات الوضعية للمؤسسات والنصوص، وتقديم افتراضات حول الشأن السياسي لا تتأسس على تجميع المعطيات المادية فقط، بل هو في هذه الصيغة المسبوقة يقترب من شروط العلوم البحثة في قدرته على التوصل إلى قوانين حول السلوك السياسي، بما يسمح ليس فقط بمعرفة حقيقة السلوك في الحاضر، بل أيضا بالتنبؤ بمستقبله. كما أن السياسة العامة على تحدد من طرف فاعل ترابي بواسطة برنامج عمل منسق بغية تعديل البيئة مثلا.

وهكذا تبدو جليا أهمية العلاقة التفاعلية التي تجمع السياسات العامة بعلم الإجتماع السياسي، وبمكوناتها المفاهيمية، فالسياسات العامة باعتبارها علم الدولة في حالة فعل أو نشاط ( l’état en action)، تبقى الفروع الأكثر أهمية في إطار حقل علم الإجتماع السياسي، فاذا كانت الدراسات الكلاسيكية في مجال هذا الحقل قد إهتمت بالسلوك السياسي (le comportement politique)، فإن السياسات العامة politique public حاولت الاهتمام بجوانب حديثة وضعت سؤال التدبير العام (management public) ، ضمن مرحلة جديدة أسست مرحل تطورها مختلف القفزات النوعية التي حققها هذا العلم.

لقد جعلت كل هذه المعطيات السياسة العامة تشهد دفعا جديدا في محتواها وفواعلها، وأصبحت تناقش مواضيع متنوعة تصنع من طرف فواعل كانوا سابقا من “جمهور” السياسة العامة، لم يكن لهم اي يد في صناعتها او تنفيذها، خاصة اثناء المرحلة التقليدية حيث كان التركيز كله منصبا على مؤسسات الدولة، التشريعية، القضائية، والتنفيذية، التي كانت تتولى وحدها مهمة صنع وتنفيذ السياسة العامة.

كما ساهمت التحولات الكبرى التي شهدها القرن العشرين وخاصة فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وظهور فواعل جديدة، في ارتفاع الاصوات المطالبة بضرورة اقحام الدولة في مختلف المجالات، ما جعل السياسة العامة وعملية صنعها على درجة من التشعبي والتعقيد، نتيجة الأدوار المتعددة للدولة والهادفة الى تخطيط وتنظيم كافة جوانب الحياة في المجتمع، فأصبحنا نتحدث عن سياسة عامة: الصحة، التعليم، الاسكان، الاقتصاد، الرعاية الاجتماعية، البيئة…الخ.

وهكذا اصبحت دراسة السياسات العامة وتتبع مراحل قيامها، ضرورة تقتضيها اعتبارات علمية، مهنية (إدارية) وسياسية، وهو ما عبر عنه “توماس داي” Thomas Dye في كتابه ” “Under standing public policy” بالقول ان هناك ثلاث اسباب لدراسة السياسة العامة حددها في : 

أسباب علمية بحثة: وهذه تتيح فهم اسباب ونتائج القرارات السياسية لتعميق المعرفة بالمجتمع والمجتمعات الاخرى.

أسباب مهنية: بمعنى ان دراسة السياسة العامة توفر الباحث السياسي امكانية توظيف معارفه في حل المشكلات العلمية، اذ يغلب ان تخلص هذه الدراسات إلى توصيات بشأن ماهية السياسة الملائمة لتحقيق الاهداف المبتغاة.

أسباب سياسية: وهنا ينصرف هدف الدراسة الى التأكد ان الدول تتبنى الأفضل من السياسات لتحقيق الاهداف العامة، فكثيرا ما يتردد ان علماء السياسة ملزمون بتطوير السياسة العامة واثراء النقاش السياسي. 

 

المراجع والهوامش :

1-وصال نجيب العزاوي، 2003: ” مبادئ السياسة العامة” دار النشر والتوزيع اسامة، الطبعة الاولى، الاردن، عمان، ص3.

2- جفري سعيد، قضايا علم السياسة، مقاربات نظرية، مطبعة دار المناهل، الرباط، 2018، ص 160.

3- Thomas R. Dye, Understanding Public Policy: Theories and Issues, Red Globe Press, 2nd Ed, 2019.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!