رأي

زلزال الحوز شاهد على وحدة المغرب من شماله الى صحراءه:

عمر ملوك

منذ أن بدأت الدراسات في علم الإجتماع في محاولة تفسير الظواهر الاجتماعية البسيطة و المركبة و الأكثر تعقيدا تباينت النظريات المفسرة لطبيعة المجتمع إلا أنها لم تستطع نفي الحتمية المجتمعية وارتقت الى كون المجتمع لصيق بوجود الانسان، هذه الحتمية ميزت بشكل واضح بين الجماعات و المجتمع، لتبدأ مرحلة جديدة من فك شفرات العلاقات الإجتماعية داخل المجتمع الواحد، بل وايجاد قاعدة علمية تحكم طبيعة هذه العلاقات و التغيرات التي تطرأ عليها وبالتالي التنبؤ بمستقبلها. ولعل متانة العلاقات الاجتماعية بالمملكة المغربية الشريفة سيصبح موضعا للدراسة و البحث عالميا، لما لا وهو الأقدر على حفظ إرثه التاريخي اجتماعيا حيث استطاع وسط كل التغيرات المحيطة و التي سايرها بعقلانية منقطعة النظير أن يحافظ على هويته المتجدرة في عمق التاريخ حتى في أصعب الظروف وأقساها.

فمن رحم الكارثة الطبيعية المزلزلة التي تضرب بعض مناطق المغرب ظهر نبع الماء الصافي، ووسط أجوائها الصاخبة المملوءة بالمشاعر الإنسانية الفياضة تظهر روح المواطنة الحقة والروح التضامنية العالية المتسمة بالحب و التعاطف والتآزر ونكران الذات، روح ليست مفردة بل روح بصيغة الجمع ختم عليها المغاربة قاطبة من طنجة الى الكويرة ومن شرق المغرب الى غربه، رسمت بذلك لوحة جمالية معبرة تحمل في طياتها أكثر من رسالة، وعبرت دون كلام عن قوة ومتانة البناء الاجتماعي بالمجتمع المغربي، وجعلت من هذه المحطة شاهدا على ملحمة وطنية شعبية تربط بين العرش و الشعب.

فبالرغم من السياق الزمني الحالي والذي يرتبط بغلاء أسعار المحروقات بشكل قياسي وتأثيره بشكل مباشر على غلاء الأسعار، فإن واقعة الزلزال كانت لحظة لنكران الذات تناسى فيها الجميع همومه وانشغالاته اليومية و ركبوا سفينة التضامن و التآزر ولبوا نداء الوطن وحجوا من كل فج عميق محملين بما استطاعوا من أغذية و أفرشة و أدوية بل وحاملين معهم كل الحب و المشاعر المغربية الفياضة إلى إخوانهم بالمناطق المتضررة لدعمهم في هذه الأوقات العصيبة.

الاف السيارات والشاحنات توجهت نحو المناطق المنكوبة و الدوواير المنعزلة في قمم الجبال وسفوحها في صورة أشبه ما تكون بمسيرة خضراء جمعت قلوب المغاربة تحت ظل راية المغرب المرفرفة في أرجاء كل مغربي أصيل مؤكدين أن شعار الله الوطن الملك ليست كلمات يرددها اللسات فحسب بل هي إيمان مجتمعي راسخ في أذهان وقلوب ووجدان المغاربة.

وما يثير الإعجاب أكثر هو السرعة القصوى التي استجاب بها المغاربة مع أحداث الزلزال والفعالية و النجاعة التي مكنتهم من الوصول في زمن قياسي الى جل المناطق المنكوبة دون قيد أوشرط، وهو ما يعكس النجاح الكبير للحملة التضامنية التي أطلق بشكل عفوي عبر منصات التواصل الإجتماعي وعبر وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة.

ووسط الأجواء المشحونة بكثير من التعاطف و السخاء و الألم لفقدان ضحايا الزلزال و الفرح لنجاة اخرين ظهرت بعض المحاولات اليائسة لزعزعة الفكر الجمعي المغربي و زحزحة تركيزه إلى أمور فارغة المضمون بهدف خدمة أجندات معينة فجاءها الرد سريعا،واضحا، صريحا وكافيا شافيا، فالأمة المغربية لها تاريخها وعراقتها تشهد لهذا الشعب الأبي المفتخر بملكيته وبانتمائه الى هذه الأرض الشريفة الخيرة المعطاء، ويشهد الله على الدوام أن الشعب المغربي مصطف صفا واحدا، وقلبا نابضا واحدا ،وجنودا مجندين في السراء و الضراء خلف أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

بهذه الصورة الملحمية الرائعة عبر المغاربة قاطبة على وحدتهم الوطنية وعلى قوة ومتانة روابطهم الإجتماعية، وليجعلوا من واقعة زلزال الحوز شاهدا على هذه العصر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!