
قناة “النهار” الجزائرية، التي كانت تقليدياً موالية لنظام العسكر المعروف بنظام “الكابرانات”، قامت بخطوة غير مسبوقة عندما نشرت خريطة المغرب كاملة خلال نشرة أحوال الطقس.
أثارت هذه الواقعة موجة تعليقات ساخرة ووصفت بأنها “زلزال إعلامي” خاصة وأنها جاءت من قناة كانت تعتبر بوقاً لنظام العسكر. وقد وثق المعارض الجزائري “وليد كبير” هذه الحادثة على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبراً أن المديرة “سعاد عزوز” التي تدير القناة أظهرت شجاعة كبيرة، وربما أرادت من خلال هذه الخطوة إحراج النظام أو الابتزاز لإطلاق سراح زوجها المحتجز.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها قناة النهار خريطة المغرب كاملة، إذ سبق لها في عام 2013 أن عرضت الخريطة الحقيقية للمغرب في مشهد صدم نظام الدعاية العسكرية.
الحادثة تعكس تناقضات وأزمة نظام الحكم في الجزائر، الذي صرف أموالاً ضخمة على الدعاية والإنكار، لكنه تلقى صفعة قوية من قناة حكومية تعترف ضمنياً بمغربية الصحراء. هناك توقعات بأن يتدخل نظام الرقابة الإعلامية في الجزائر بقرارات قد تصل إلى توقيف البث للقناة لإرضاء جنرالات الجيش الذين لا يتسامحون مع مثل هذه الاعترافات العلنية.
وفي هذا السياق ،تشهد الدعاية الجزائرية، رغم الإنفاق الضخم الذي خصصه نظام الجنرالات على مدار خمسة عقود، حالة من الضعف الملحوظ الذي يعكس هشاشة النظام الإعلامي والسياسي في البلاد.
تواجه الدعاية الجزائرية مشكلة انفصال مع الواقع، خصوصاً في قضايا حساسة مثل الصحراء المغربية حيث تستند إلى إنكار حقائق جغرافية وسياسية مثبتة يخالفها الوعي الشعبي والإقليمي والدولي، مما يفقدها مصداقيتها ويجعلها عرضة للسخرية.
ويعاني خطاب الإعلام الجزائري من تشتت واضح وتضارب بين مختلف القنوات والجهات، فتارة تتبنى مواقف رسمية جامدة وأخرى تظهر عبر قنوات مناهضة أو مغايرة كحادثة قناة “النهار” التي بثت خريطة المغرب كاملة، ما يضعف من تأثير الرسالة الدعائية ويشوش عليها.
كما تلعب سيطرة الجيش على الإعلام دوراً في تجميد الرسائل الدعائية وجعلها رتيبة ومتكررة، بعيدة عن أي تجديد أو إبداع قادر على جذب المتلقي أو التأثير في الرأي العام، وسط منافسة إعلامية قوية من وسائل التواصل الحديثة والدبلوماسية المغربية المتصاعدة.
إضافة إلى ذلك، بات الجمهور الجزائري والعربي أكثر وعياً وانتقاداً للأساليب الدعائية التقليدية، لا سيما مع تزايد الأزمات الداخلية التي تخنع اهتمام المجتمع بالقضايا الخارجية، ومنها ملف الصحراء التي أضحت نقطة توتر مستمرة في علاقات البلدين.
في المجمل، ضعف الدعاية الجزائرية ينبع من مزيج من التناقضات الداخلية، وتقادم الأساليب الإعلامية، وتحديات بيئة إعلامية متجددة، ما يجعل جهود النظام في توظيف الإعلام لخدمة أهدافه تتصادم مع واقع لا يمكن تجاهله.