وللعنف أنواع عدة , ونماذج كثيرة , وأساليب مختلفة , وضع بعض الباحثين أشكال العنف السياسي في ثلاثة مؤشرات أساسية هـــــــــــــي :
1- العنف المرتبط بحالة الاضطراب والغليان , ويشمل الأحداث غير المنظمة , كالمظاهرات المعادية للحكومة وأحداث الشغب والإضرابات .
2- العنف الثوري , ويتضمن الأعمال العنيفة المنظمة , التي تشارك فيها قطاعات أوسع من المواطنين , كالثورات وحملات التطهير .
3- أعمال التآمر والتخريب , وتتضمن أعمال العنف المنظمة التي تتسم بدرجة من السرية , كحروب العصابات والاغتيالات والانقلابات .
هنا لابد من التأكيد على ضرورة التفريق بين العنف الاجتماعي والعنف السياسي ؛ لأن محاولات إيذاء أو قتل الآخرين لا ترجع الى ذات المسببات ولا تفسر بذات العوامل السيكولوجية على الرغم من إن الغرض واحد وهو الاعتداء على الآخرين , ورغم إن نتائجها متشابهة في كثير من الأحيان حيث تؤدي الى إيذاء أو إلحاق ضرر جسدي بالضحية .
ولعـلَّ أهم أشكال العنف السياسي هي الحروب والتي تكون صفة مرافقة لنشاط الإنسان منذ بدء الخليقة ومحرك أساسي للإنسان في التحكم بمصادر الحياة المادية وفرض سيطرته على الآخرين عن طرق الهيمنة على مقدرات الآخرين أو سفك الدماء وفرض الموت القسري على الخصوم .
أ – طبيعة العلاقة بين العنف الرسمي والعنف غير الرسمي
تفترض مناقشة هذه القضية على المستوى النظري ضرورة التمييز بين النظم السياسية الديمقراطية من جانب , وتلك التسلطية من جانب آخر , ففي النمط الأول هناك ضوابط وقيود قانونية للعنف الرسمي , لإضافة الى وجود مؤسسات , تـُمكن مختلف القوى من إيصال مطالبها والتعبير عــن رغباتها دونما حاجـة الـى العنف . أما في النموذج الآخر , فإنه غالبا ً ما يتم تعطيل القوانين العادية بقوانين الطوارئ التي تطلق يد النظم الحاكمة في ممارسة العنف الرسمي .
وفي ظل الأنظمة التسلطية فإن زيادة العنف الرسمي تؤدي الى نقص العنف غير الرسمي , وربما القضاء عليه نهائيا ً إذ يستطيع النظام أن يضرب القوى المناوئة ويقلص من نشاطاتها , ولكن ذلك يولد عدم استقرار بسبب استخدام المزيد من وحدات القهر .
ويمكن أن تتخذ العلاقة بين العنف الرسمي والعنف غير الرسمي أحد الأشكال التالية:
أ – علاقة طردية ( إيجابية ) بين العنف الرسمي والعنف غير الرسمي فزيادة أو نقص الأول تؤدي الى زيادة أو نقص الثاني .
ب – علاقة طردية ( سلبية ) بين العنف الرسمي والعنف غير الرسمي فزيادة أو نقص الأول تؤدي الى نقص أو زيادة الثاني .
ج – علاقة طردية ( إيجابية ) بين العنف الرسمي والعنف غير الرسمي إذ تؤدي زيادة أو نقص الأول الى زيادة أو نقص الثاني , وهذه العلاقة ليست حتمية ولا مباشرة , إذا تتوسطها بعض المتغيرات الأخرى .
ب – العنف السياسي بين الشرعية والمشروعية
هناك اتجاه يحدد شرعية العنف السياسي ومشروعيته استنادا ً الى طبيعة النظم السياسية , ففي دول التعددية السياسية يعدّ العنف الذي يمارسه المواطنون أو فئات معينة منهم , استخداما ً غير مشروع للقوة , لأنه يمثل خرقا ً للقانون وتخطيا ً للمؤسسات الوسيطة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , بينما العنف المشروع فقد هو الذي تمارسه الدولة , ويجب أن يكون في إطار القانون , أما في النظم التسلطية والقهرية , فإن ممارسة العنف من قبل مواطنين يعد عملا مشروعا ً لعدم وجود قنوات شرعية فعالة للمشاركة في السلطة أو لتغييرها .
وقد اعتبر بعضهم إن العنف الذي يمارسه النظام ضد فئات معينة في المجتمع يكون مشروعا ً طالما استند الى نص قانوني يبررهُ ويحددهُ , ويكون هذا العنف الرسمي شرعيا ً عندما تقره الجماعة أو غالبية أفرادها , إذ يعتبرونه ضروريا ً لحماية النظام الاجتماعي , ومؤدى ما سبق إن العنف الذي تمارسه الدولة قد يكون مشروعا ً , أي يستند الى نص قانوني , غير شرعي , أي ترفضه الجماعة وتستهجنه في الوقت نفسه لأنها فيه تعديا ً على حقوقها وحرياتها
خامسا : نتائج العنف السياسي
إن العنف السياسي يحرم الإنسان من حقه في الحياة , الذي نصت عليه جميع المواثيق الدولية , فقد ورد في المادة الثالثة مــن الإعــلان العالمــي لحقوق الإنسان إن ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه ” ونجد الأمر عينه في الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية , في المادة ( 6 ) الفقرة ( 1 ) ” لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي ” .
إن العنف السياسي في المجتمع الحديث يؤدي , بسبب الطبيعة الفتاكة للسلاح الحديث وتأثيره الواسع النطاق الى قتل وجرح أشخاص آخرين لا علاقة لهم بالخصم الذي يستخدم ضده العنف , ويؤدي الى تهديم وإتلاف ممتلكات للأهالي الذين ليس لهم علاقة بالخصم المستهدف , وغالبا ً يؤدي العنف المسلح الى اضطرار عدد كبير من الناس لترك بيوتهم ومزارعهم فرارا ًمن القتل , وقد تصل إصابات القتل والجرح الى مئات الأشخاص وقد تصل الخسائر المالية الى مئات ملايين الأموال .
وإن بعض مظاهر الأهداف المادية من العنف تتضح من خلال قيام بعض الدول بإشعال الحروب لغزو أو استعمار أراضي غيرها لاستغلال خيراتها واستعباد شعوبها وتسخيرها , هذا على الصعيد الخارجي الواضح الذي يشكل أكثر مظاهر العنف في تاريخ البشرية , وقد يكون للعنف مظهر داخلي تهدف منه حكومات الدول إخراس معارضيها وضرب كل من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه السلطة فترفع المشانق وتفتح السجون وسيلة رهيبة لغاية قبيحة .
سادسا : سبل مكافحة العنف السياسي
هناك بعض الآراء تدعو الى نبذ العنف كليا ً, وحتى لو أتى بصورة رسمية , ولغاية معاقبة المجرمين حيث دعا هؤلاء الى إلغاء عقوبة الإعدام والاقتصار على عقوبة الحبس .
هناك سبل عديدة لمواجهة العنف السياسي ومكافحة آثاره , والتقليل من أضراره , منها تبني تداول السلطة بشكل سلمي , بعيدا ً عن وسائل العنف والإكراه , وإجراء انتخابات دورية , يشارك فيها الشعب , ويؤخذ بنتائجها , واعتماد مبادئ الشفافية والعدالة والنزاهة .
ولعل منها تبادل المعلومات والتعاون المشترك بين أجهزة الدولة المختلفة , وكذلك من المفترض أن تعمل أجهزة الإعلام على صياغة أهداف القوى التي تستخدم العنف السياسي بشكل لا يكفل لهم مكاسب دعائية , ولا يمنحهم تعاطف الجمهور .
ومن هنا , يبدو دور الإعلام السياسي الذي يستهدف من خلال ما يقدمه من أخبار وموضوعات وصور وتعليقات وتحليلات خلق المناخ الذي يهيئ مساندة الرأي العام لتوجهات العمل السياسي عبر تزويد الجماهير بالمعلومات والقرارات السياسية التي تساعد على تكوين رأي عام موحد يدعم من توجهات النظام السياسي في هذا المجال , والارتفاع بمستوى الوعي العام كوسيلة لتنمية روح الجماهير وحشد طاقاتها للوصول الى تنمية المجتمع والارتقاء به .
إن القوة ليست غاية في ذاتها , إنما وسيلة لتحقيق غاية سياسية , لذلك كان لا بد من وضع ضوابط لممارسة القوة والإكراه , وهذه الضوابط يعبر عنها بالقانون , أي ” مجموع القواعد الحقوقية التي تضعها السياسة من أجل استعمال القوة في خدمة هدف السياسة بشكل أكثر فاعلية , وبدون القانون تصبح القوة غاية بذاتها وتتناقض مع غاية السياسة , وبدون القوة يصبح القانون مجرد قواعد ل قيمة لها عمليا فالقوة والقانون ليسا سوى وسيلتين , لا معنى لهما بذاتهما , وإنما بالهدف الذي يطمح الإنسان الى تحقيقه , عبر التنظيم السياسي ”
إن القوة لا تمارس فقط من خلال التأثير في المسائل والقرارات السياسية , وإنما حاول أولو القوة إن يخلقوا من القيم الاجتماعية والسياسية , ومن الممارسات التنظيمية , ما يحيل العملية السياسية الى الاهتمام فقط بالمسائل التي يرغبون في إثارتها , واتخاذ القرارات بشأنها .
وهناك من الباحثين من يشدّد على الجانب الثقافي في إيجاد الحلول لمشكلة العنف المسلح , إذ يقول في هذا الصدد :
“إن الثقافة التي يحتاج إليها الإنسان اليوم وفي المستقبل القريب والبعيد هي ثقافة الكشف عن مقاصد أيديولوجيا العنف بدءا ً , ثم السعي الى تجاوز وقائعها وأحكامها , فهذا الكابوس الذي استبد بحياتنا الراهنة يستدعي تفكيكا ً خاصا يعود الى الأسباب الأولى عند توصيف الظاهرة , إذ العنف في مختلف الوضعيات , هو حادث لسالف , وهو الحادث الذي لا يمكن أن ينتج سوى حادث آخر , كالعنف المضاد ”
ووفقا ً لروستو Rustow تنشأ الديمقراطية عندما تقبل النخبة , إما بالتدرج أو عند مفترق تاريخي , مبدأ التعددية السياسية , وما يهم في هذه المرحلة وهو ليس قناعات النخبة بل أفعالها , ويكتسب الخيار ألأداتي الذي تم قبوله قيمة أو يحول الى قناعة في مرحلة التعود أو الترويض .