ألكسندرا إلبكيان: رائدة حرية الوصول إلى المعرفة العلمية
طالبة الدراسات العليا الكازاخستانية التي غيرت قواعد النشر الأكاديمي عبر موقع "ساي-هب"

مع تسارع التطور العلمي والتكنولوجي، تظل المعرفة العلمية هي الركيزة الأساسية لتقدم المجتمعات وازدهارها إلا أن الوصول إلى هذه المعرفة غالبًا ما يكون محصورًا خلف جدران دفع وقيود حقوق النشر التي تحد من استفادة الباحثين والطلاب حول العالم .
وفي هذا السياق برزت شخصية ألكسندرا إلبكيان الطالبة الكازاخستانية التي أحدثت تحولًا جذريًا في عالم النشر الأكاديمي من خلال تأسيسها لموقع “ساي-هب” الذي يتيح وصولًا مجانيًا إلى ملايين الأبحاث العلمية المحجوبة مما جعلها رمزًا عالميًا في حركة الوصول المفتوح للعلم
ساي هب (Sci-Hub) هو مستودع على الإنترنت لأكثر من 48,000,000 ورقة ومقالة أكاديمية علمية، متاحة عبر موقع الويب الخاص بالمستودع. تضاف الأوراق البحثية الجديدة يوميًّا بعد الولوج إليها من وكلاء edu.
ووصفته مجلة ساينس الأمريكية بأنه عمل مذهل، مثير للإلهام، بحسب من يتسأل، سواء بكونه يدعو إلى الإيثار وعدم احتكار العلم، أو أنه عمل إجرامي خطير.
بدأت ألكسندرا إلبكيان مشروعها (ساي-هب) في 5 سبتمبر 2011، بهدف تعزيز نشر المعرفة بالسماح لعدد أكبر من الناس بالوصول إلى المحتوى الذي تحجبه جدران الدفع. جرى تعليق اسم النطاق الأصلي للمستودع Sci-Hub.org في نوفمبر 2015 بأمر من المحكمة. وعاد المشروع للظهور مرة أخرى في نفس الشهر تحت نطاق io.
اكتسب الموقع شهرة واضحة في البلدان النامية مثل الهند وإندونيسيا، وكذلك في باكستان وإيران والصين ووروسيا والبرازيل. وكان توفير الوصول إلى الأوراق البحثية للبلدان والمؤسسات الأقل غنًى هو الهدف الرئيسي لإنشاء الموقع، إذ قالت ألكسندرا أنها كانت تشارك الأبحاث العلمية دون إذن عندما كانت تجري أبحاثًا في جامعة في كازخستان، وذلك لحاجة الاطلاع على مئات الأوراق البحثية.
وساي-هب هو أول موقع معروف يتيع الوصول الآلي والمجاني على نطاق واسع للمقالات والأوراق العلمية المحمية بحوائط مالية. في السابق، كان الباحثون يطلبون ويتشاركون الأبحاث العلمية عبر التراسل إلكترونيًّا على نحو مباشر مع مؤلفي الأوراق العلمية أو مع باحثين آخرين، أو بطلب الأبحاث العلمية عبر منتدى بحثي على الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي، مثل وسم #ICanHazPDF على توتر.
وُلدت ألكسندرا أسانوفا إلبكيان في مدينة ألماتي بكازاخستان عام 1988 ونشأت في أسرة علمية حيث كانت والدتها مبرمجة حاسوب مما ساعدها على تعلم البرمجة منذ الصغر وتخصصت في أمن المعلومات في الجامعة الوطنية التقنية الكازاخية ثم واصلت دراستها العليا في مجالات علوم الأعصاب والهندسة العصبية في جامعات دولية مرموقة مثل جامعة فرايبورغ في ألمانيا ومعهد جورجيا التقني في الولايات المتحدة
في عام 2011 أطلقت ألكسندرا موقع “ساي-هب” الذي يوفر ملايين الأوراق البحثية مجانًا لكسر الحواجز المالية والقانونية التي تفرضها دور النشر الكبرى على الباحثين والطلاب أثار هذا المشروع جدلاً واسعًا بين مؤيدين يرونه خطوة جريئة نحو العدالة العلمية ومعارضين اعتبروه انتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية وبدأت دور النشر الكبرى وعلى رأسها شركة إلزفير برفع دعاوى قضائية ضدها بتهمة التعدي على حقوق النشر واستخدام حسابات مؤسسات تعليمية للوصول غير المصرح به إلى الأبحاث
وأمرت محكمة في نيويورك بحجب نطاق ساي-هب الأصلي عام 2015 لكن الموقع استمر في العمل من خلال نطاقات بديلة وشبكات خاصة مما صعّب عملية إيقافه خاصة مع إقامتها في روسيا حيث تحميها القوانين المحلية إلى جانب ذلك دافعت ألكسندرا عن مشروعها مستشهدة بحق الجميع في المشاركة في التقدم العلمي وفوائده كما نصت عليه المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معتبرة أن نظام حقوق النشر الحالي يعيق تقدم العلم ويحتكر المعرفة في أيدي شركات قليلة على حساب الباحثين والطلاب خصوصًا في البلدان النامية
أثارت قضيتها نقاشات قانونية وأخلاقية واسعة حول التوازن بين حماية حقوق المؤلفين والناشرين وضمان وصول أوسع وأسرع للمعرفة العلمية كما ساهمت في تسريع تبني مؤسسات بحثية وحكومات لسياسات تدعم الوصول المفتوح مثل المبادرات التي تفرض على الأبحاث الممولة حكوميًا أن تكون متاحة مجانًا للجمهور مما يعزز شفافية البحث العلمي ويزيد فرص التعاون والابتكار
وعلى الرغم من عدم وجود دعم رسمي مباشر من هيئات دولية إلا أن ألكسندرا حظيت بدعم معنوي واسع من المجتمع العلمي والأكاديمي الذي يرى في مشروعها خطوة جريئة لكسر احتكار المعرفة ودفع حركة الوصول المفتوح إلى الأمام كما ساعدت قضيتها في إدخال موضوع حرية المعرفة العلمية إلى صلب النقاشات القانونية والأخلاقية على مستوى عالمي
وبحسب موقع موهوبون اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز “ألكسندرا” شبيهة “إدوارد سنودن” فيما يتعلق بتسريب المعلومات والتهرب من القانون الأمريكي عن طريق الإقامة في روسيا، كما قارنها الموقع التقني آرس تكنيكا بآرون سوارتز.
ويمكن استخلاص دروس مهمة من معركتها القضائية حول ضرورة إعادة توازن حقوق الملكية الفكرية بين حماية مصالح المؤلفين والناشرين ومصلحة الجمهور والباحثين في الوصول الحر إلى المعرفة كما تبرز أهمية تبني استثناءات أوسع للاستخدام العادل للأغراض التعليمية والبحثية وتطوير آليات قانونية وتقنية جديدة تحمي حقوق المؤلفين وفي الوقت نفسه تسمح بنشر المعرفة بحرية عبر الإنترنت بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لتوحيد التشريعات وتحديثها بما يتناسب مع تحديات العصر الرقمي وتشجيع الحوار المجتمعي والأكاديمي لتعزيز ثقافة الوصول المفتوح كحق أساسي في المعرفة العلمية
تمثل ألكسندرا إلبكيان نموذجًا فريدًا يجمع بين العلم والتقنية والنضال الاجتماعي حيث تحدت أنظمة النشر التقليدية لتوفير المعرفة مجانًا لكل الباحثين والطلاب حول العالم مشروعها “ساي-هب” لم يكن مجرد موقع إلكتروني بل حركة تهدف إلى إعادة تعريف مفهوم الملكية الفكرية في عصر المعلومات وتعزيز مبدأ العدالة العلمية ويبقى تأثيرها مستمرًا في تحفيز النقاشات العالمية حول حرية العلم وأهمية الوصول المفتوح مما يجعلها واحدة من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تشكيل مستقبل البحث العلمي.
👈🏼المراجع:
📍مصادر عامة حول البحث العلمي وأهميته في نشر المعرفة مثل موقع LookInMena الذي يذكر ساي-هب ضمن المصادر العالمية للمقالات العلمية
📍مقالة “الكسندرا تؤسس Sci-Hub لكسر الاحتكارات الأكاديمية” على موقع موهوبون، والتي تعرض خلفية شخصية وعلمية عن إلبكيان ومسارها المهني