أخبارجهاتحوادثسياسةمجتمع

إعادة النظر في معايير العفو الملكي بين الرحمة والحفاظ على الأمن المجتمعي في المغرب

دروس من قضية سفاح القصر بالرشيدية وأهمية تعزيز الشفافية والمراقبة ما بعد الإفراج

يُعتبر العفو الملكي في المغرب من الصلاحيات السامية التي يمارسها جلالة الملك في مناسبات وطنية مختلفة مثل عيد العرش وعيد الفطر وأعياد أخرى، وهو فعل يحمل في طياته روح الرحمة والرغبة في منح فرصة جديدة للأشخاص الذين استحقوا تخفيف العقوبة بناءً على معايير محددة تتعلق بحسن السيرة والسلوك داخل السجون وقضاء مدة لا بأس بها من العقوبة، مع استثناء بعض الجرائم الخطيرة التي لا يُسمح فيها بالعفو كالقتل العمد والإرهاب.
ورغم كل هذه الإجراءات فإن الواقع أحيانًا يفرض علينا مواجهة تحديات وآثار سلبية تربط بين الإفراجات المبكرة وبعض الأشخاص الذين يتكرر ارتكابهم للجرائم بعد خروجهم، مما يثير قلق المواطنين ويؤثر على الشعور بالأمن في المجتمعات المحلية.

وفي هذا السياق تبرز قضية مأساوية في إقليم الرشيدية عرفها الرأي العام تحت اسم “سفاح القصر”، وهي قضية تعبر بوضوح عن المخاطر التي تحدث عندما يعود المجرمون إلى ارتكاب الأفعال الإجرامية في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
فقد كان هذا الشاب، الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من العمر ويملك سجلًا قضائيًا حافلًا، يتنكر في زي نسائي ليضلل من حوله ويخفي هويته الحقيقية. استمر في ممارسة الاعتداءات على النساء ونهب ممتلكاتهن مدنياً أجواء من الخوف والرعب في منطقة أولاد شاكر لأكثر من أربعين يومًا، حتى تمكن شباب المنطقة من محاصرته وتسليمه إلى الدرك الملكي الذي بدأ التحقيق معه لتحديد الملابسات وكشف أية شبكة محتملة وراء هذه الجرائم.

تعكس هذه الحالة المؤلمة الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة للمعايير المتبعة في منح العفو الملكي، بحيث تركز على تقييم دقيق وشامل لكل طلب عفو مرتبط بتاريخ المتهم وسلوكه، مع الحرص على عدم السماح ممن يحملون خطورة عالية بالعودة إلى المجتمع دون ضمانات كافية.
كما أنه من الضروري وضع آليات متابعة ومراقبة مستمرة للبقاء على اطلاع على تصرفات المستفيدين من العفو كي لا يعاودوا ارتكاب الجرائم التي تهدد المجتمع.
إن الشفافية الكاملة في ملفات وشروط العفو ستزيد من ثقة المواطن في هذا الحق الملكي وبينما تظل الرحمة والتسامح من معاني الحكم الرشيد فإن حماية أمن وسلامة المجتمع تظل أولوية قصوى تستدعي استجابة واعية وحاسمة من جميع الأطراف.
وفي الختام إن إعادة النظر في آليات منح العفو الملكي ومراقبة تداعياته على أرض الواقع ضرورة لا تحتمل التأجيل للحفاظ على استقرار المجتمع وطمأنينة المواطنين وضمان أن يبقى هذا الحق المقدس متوازنًا بين الرحمة والقانون بحيث تكون نتائجه إيجابية لا تؤدي إلى مزيد من الانتهاكات أو الانهيار الأمني.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!