ابتسام لشكر: بين نضال حرية الاعتقاد وإشعال فتنة التقاليد والحداثة في المغرب
تصريحات مثيرة ونضال جريء بين دفاع عن الحقوق الفردية وانتقادات المجتمع المحافظ

نشرت الناشطة المغربية ابتسام لشكر على منصة X (تويتر سابقاً) تصريحاتها المثيرة حول حرمة التجديف وحدود تأثيرها، مؤكدة أن هذا المفهوم الديني يخص فقط أتباع الدين ذاته ولا يمتد إلى غير المؤمنين الذين لا يشاركون المعتقدات الدينية، معلنة كذلك إلحاده ورفضه عمليات التبشير الديني وفرض المعتقدات على الآخرين.
ابتسام لشكر، النسوية والحقوقية المغربية الشهيرة، هي إحدى مؤسسات حركة “مالي” (الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية) التي تأسست عام 2009 للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الفردية في المغرب، وخاصة حرية الاعتقاد والدين وحرية التعبير. تخرجت في مجالات علم النفس السريري، وعلم الجريمة والضحايا، وتعمل على رسالة دكتوراه في التحليل النفسي. ولعبت دوراً بارزاً في تنظيم احتجاجات نزهة الإفطار العلني خلال رمضان للاعتراض على المادة 222 من القانون الجنائي المغربي التي تجرم الإفطار علناً في نهار رمضان، وهو نشاط أثار جدلاً واسعاً في المجتمع المغربي المحافظ وواجه مضايقات من السلطات.
تُعرف لشكر بدفاعها القوي عن حقوق النساء وحقوق المثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً، كما أنها من بين القلائل في المغرب الذين أعلنوا إلحادهم صراحة، مما زاد من حجم الانتقادات التي تواجهها. مواقفها من حرية الاعتقاد ورفض فرض القيم الدينية على غير المؤمنين تعتبر بالنسبة لمؤيديها تعبيراً عن ضرورة احترام الحقوق الفردية ورفض الاستبداد الديني، في حين يصنفها معارضوها كمثيرة للجدل واستفزازية لبيئة دينية واجتماعية محافظة، وهو ما أدى إلى ردود فعل متباينة في المغرب.
لم تتوقف المضايقات عند الشكل الإعلامي فقط، بل تعرضت لشكر للاعتقال والاحتجاز وما رافقه من ممارسات اعتبرها العديد من النشطاء احتجاجًا غير مبرر على نشاطها الحقوقي، منها حادثة اعتقالها في الرباط عام 2016 بعد نزاع بسيط في الشارع وما تلاها من اتهامات وسوء معاملة، حيث وثقت تقارير عن تعرضها لاعتداء جنسي أثناء الاحتجاز ونهب هاتفها الشخصي من قبل الشرطة. جميع هذه الأحداث نالت اهتمام المنظمات الحقوقية الدولية التي طالبت الحكومة المغربية بحماية حقوق الناشطين وعدم الملاحقة القضائية لهم.
وكانت ردود الفعل على تصريحات وشهادات ابتسام لشكر منقسمة بين من يرى في مواقفها تعبيرًا مشروعًا عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والتنوع المجتمعي، وبين من يعتبرها تجاوزاً للحدود وتسفيهًا للمعتقدات الدينية وقِيَم المجتمع المغربي المحافظ، خصوصاً في ظل حساسية موضوع الدين والحداثة في البلاد. الجدير بالذكر أن البعض انتقد أسلوبها وتصرفاتها التي تمنح خصومها فرصة لتشديد الرقابة ومزيد من التضييق، معتبرين أن تنظيم احتجاجات مثل الإفطار العلني في رمضان قد يزيد من التوتر الاجتماعي بدلاً من تعزيز الحوار والتفاهم.
يربط نشاط ابتسام لشكر وحركة مالي بين الحرية الفردية المطالَبة بها وبين التوترات القائمة بين التقاليد الدينية المحافظة والنداءات المتزايدة نحو تحديث القوانين المدنية وفصل الدين عن الدولة. إن هذه القصة تؤكد وجود شرخ عميق في المجتمع المغربي بين قوى محافظة ترى في الدين أساس الهوية الوطنية وقوى تقدمية تسعى إلى بناء مجتمع أكثر تعددية وحراً في الاعتقاد، مما يجعل لشكر رمزاً لمعارك متشابكة بين الحرية الفردية والتقاليد الاجتماعية.
يبقى أن تصريحات ابتسام لشكر ونضالها تمثل نقطة محورية في النقاش العام حول حقوق الإنسان والحرية في المغرب، تحمل في طياتها تحديات كبيرة وصراعاً ثقافياً اجتماعياً عميقاً بين مختلف مكونات المجتمع، ما يعكس طبيعة التحولات والتوترات التي تشهدها البلاد في ملف الحريات الفردية وحرية الاعتقاد.