احتفاء محرك البحث «غوغل» بتماثيل عين غزال الجصية
من أقدم صنع الإنسان ،تماثيل عين غزال الجصية، التي تقع في موقع عين غزال بالأردن، يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث قبل الفخاري، أي إلى 8 آلاف عام قبل الميلاد وتعتبر دليلا على استيطان الإنسان للمنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ. ويرى الكثير من التشكيليين أنها بدايةً لانطلاقة الفن التشكيلي المتكئ على خيال الإنسان ورؤاه الجمالية والروحية للعالم المحيط به.
احتفى محرك البحث «غوغل» أمس (السبت)، بتماثيل عين غزال في الأردن، وغير «غوغل» شعاره ليتضمن تماثيل عين غزال، في تقليد يتبعه للاحتفاء بالمعالم الأثرية والتاريخية وإحياء ذكرى الأحداث المهمة.
فما هي تماثيل عين غزال الجبسية؟ وما قصتها؟
تعود تماثيل عين غزال الأردنية إلى الفترة بين عامي 7250 و6500 قبل الميلاد، وهي منحوتة من الصلصال، وتمثل أشكالا بشرية مجردة.
وجرت تسمية هذه التماثيل باسم المنطقة المكتشفة فيها عام 1982، أي قبل 40 عاما، وتعد من أقدم التماثيل التي صنعها الإنسان، ويعتبرها تشكيليون باكورة الفن التشكيلي وفن النحت في العالم القديم.
واكتشفت التماثيل لأول مرة في الموقع الأثري عين غزال شمال شرقي العاصمة عمان في 30 سبتمبر 1983، وتم العثور على مجموعة ثانية عام 1985.
واحتفل محرك البحث غوغل بذكرى اكتشاف التماثيل ووصفها بمنشور على منصة إكس بأنها ‘من أقدم النماذج التي صورت الشكل البشري ولها أهمية كبيرة في فهم تاريخ الإنسان وتطوّره’.
تم العثور على التماثيل في موقع عين غزال، وهو موقع أثري يقع في الشمال الشرقي من مدينة عمّان..
تم العثور على التماثيل في مخابئ تحت الأرض، مما يشير إلى أنها كانت تُستخدم في طقوس دينية أو روحية.
تتميز التماثيل بحجمها الكبير، حيث يصل ارتفاعها إلى 1.5 متر، وبتعبيراتها الدقيقة.
وبحسب المتحف الوطني الأردني تعد تماثيل عين غزال أقدم تماثيل جصية في التاريخ ويبلغ عددها نحو 36 تمثالًا.
وبحسب الصفحة التي خصصها موقع غوغل للتعريف عن التماثيل، لا يملك الباحثون حتى الآن إجابات محددة حول سبب صنع تماثيل عين غزال، إلا أنه من المعروف أنه بعد أن أدت التماثيل غرضها، قام الأسلاف في عصور ما قبل التاريخ بدفن التماثيل بشكل استراتيجي، ومحاذاتها من الشرق إلى الغرب.
وتصور شخصيات عين غزال الرجال والنساء والأطفال بملامح بشرية معقدة مثل العيون اللوزية والأنوف البارزة والأرجل وأصابع القدمين والأظافر الواقعية.
تماثيل برأسين وبلا أرجل
وفقا لوسائل إعلام أردنية، يبلغ عدد التماثيل التي تم اكتشافها 36 تمثالا، كان لها أثر كبير في لفت الانتباه وجذب الاهتمام إلى موقع عين غزال، لا سيما أن هذه المجموعة من التماثيل ذات أهمية خاصه، نظرا لأهمية الأفكار والمضامين المرتبطة بها وبصفاتها الشكلية، وطريقة حفظها ونحتها.
وعندما عثر على هذه التماثيل كانت متأثرة بالاهتزازات والأوزان الثقيلة التي كانت قد عملت في الموقع أثناء عملية شق الطريق، ما أدى إلى تهشم نواة التماثيل المكونة من سيقان نباتي الحلفا والقصب، والتي كانت تشكل الهيكل الداخلي للتماثيل، ونتيجة لذلك تشققت القشرة السطحية الجبسية للتماثيل بشكل كبير جدا.
وخلال الكشف عن محتويات هذه الكتل تبين أنها تضم عددا من التماثيل البشرية الجبسية الكاملة والنصفية، واللافت أن بعض هذه التماثيل برأسين وبلا أرجل.
ولحق بالتماثيل ضرر كبير أدى إلى تحطيم الفراغ الداخلي الناشئ عن المواد العضوية النباتية المكونة للهيكل الداخلي للتماثيل، إذ امتلأت التماثيل بالطين الذي يحوي نسبة عالية من الجبس، الذي كان بالأصل متداخلا مع المحيط غير المنتظم للنواه العضوية النباتية المنشأ، وعندما انضغطت التماثيل إلى الأسفل نتيجة الأحمال الثقيلة على الأرض فوقها، تناثر الجبس أو اتخذ شكلا جديدا من خلال تشكيل عشرات من شبكات التصدع الناعمة في جسم التماثيل.
أقنعة جصية
كما عُثر في موقع عين غزال على 3 أقنعة جصية تمثل وجوها آدمية تعاصر في تاريخها التماثيل الآدمية في الموقع ذاته.
وحتى الآن لم يعرف وظيفة هذه الأقنعة على وجه التحديد، علما بأنها ربما تمثل نسخا لوجوه أشخاص متوفين.
وللتغلب على الضرر الذي لحق بها، تم ترميم تماثيل عين غزال في بريطانيا، وعرضت على مدى 3 عقود في المتحف الوطني بجبل القلعة، ونقل جزء منها ليعرض في متحف الأردن برأس العين، في قاعة خاصة مجهزة وفق أحدث المقاييس العالمية للحفاظ على الآثار والحؤول دون تلفها أو تهالكها.
وضمن الاتفاقيات الثنائية بين دائرة الآثار الأردنية ومتحف اللوفر، يُعرض الآن في المتحف تمثالان من المجموعة.
بدايات الاستيطان البشري
هذه التماثيل الأقدم في العالم لم تكن الأثر الوحيد الذي تم العثور عليه في منطقة عين غزال الغنية بالمكتشفات الأثرية العائدة للعصور الحجرية، من مدافن وبيوت وحلي وغيرها.
فعين غزال عبارة عن موقع أثري يقع في الشمال الشرقي من مدينة عمان، على الطريق الرئيسي الذي يربطها مع مدينة الزرقاء، وكانت بلدة ومستوطنة زراعية ورعوية اكتُشفت في أثناء بناء الشارع العام بين الزرقاء وعمان في عام 1972.
أما الحفريات الرئيسية في الموقع فتم اكتشافها عام 1982، وكشفت الحفريات الأثرية عن بقايا قرى زراعية تعود بدايتها إلى النصف الثاني من الألف الثامن قبل الميلاد، واستمر السكن فيها حتى منتصف الألف الخامس قبل الميلاد.
ويرتفع الموقع 720 مترا عن سطح البحر، بالإضافة إلى مجاورته لنبع ماء، وموقعة ضمن سلسلة جبال، وكذلك امتداده على جانبي نهر الزرقاء السابق.
وقال خبير الآثار وعضو مجلس أمناء مُتحف الأردن، وأحد مديري مشروع حفريات عين غزال الدكتور زيدان كفافي، إن احتفاء محرك البحث العالمي “غوغل” بمرور 40 عاماً على اكتشاف تماثيل عين غزال، جاء من الاهتمام العالمي بهذه التماثيل.
وأضاف أن الموقع اكتشف أثناء توسعة الجرافات الطريق عام 1979، فيما بدأت الحفريات الأثرية فيه عن طريق بعثة أثرية أردنية – أميركية مشتركة من دائرة الآثار العامة، وجامعة اليرموك والمركز الأميركي للأبحاث الشرقية بعمان، وجامعة سان دييغو ومركز التصحر في جامعة أريزونا ابتداء من عام 1982.
وأشار إلى أن عمليات التنقيب استمرت 20 موسماً، كان آخر موسمين في أعوام 2011 و2012، إذ كشفت عن أن الموقع استُوطن لمدة تقارب 2500 سنة دون انقطاع في الفترة ما بين 7250 – 5000 قبل الميلاد، وأنه بلغ أكبر مساحة له في الفترة بين 6500 -6000 قبل الميلاد تقريباً.
ولفت إلى أنه “إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الموقع يعدُّ الآن جزءاً من العاصمة عمّان، وعمره الذي يقارب عشرة آلاف عام، وبدأ السكن فيه في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري “ب”، فإنه يحق لنا الزعم بأن منطقة سيل عمّان شهدت بزوغ أقدم عاصمة في العالم”.
وبيّن أن اكتشاف تماثيل عين غزال البالغ عددها 32 تمثالاً، وتمثال نصفي، ورأس تمثال؛ على دفعتين الأولى عام 1983 ، والثانية عام 1985، تم إرسالهما إلى المتحف البريطاني في لندن ومتحف سمثسونيان في واشنطن، على التوالي، للترميم بناء على اتفاقيات وقعت مع دائرة الآثار العامة الأردنية لهذا الغرض.
واعتبر أن هذه التماثيل متميزة وفريدة من نوعها في العالم بسبب طريقة صناعتها المتشكلة بعمل هيكل بشري من أعواد القصب ومن ثم طليها بطبقة من الجص، لافتاً إلى أن المهم جداً في تصنيعها هو معرفة عمل الجص وتصنيعه، إضافة إلى أن دقة التصنيع تنعكس في تشكيل عناصر الوجه كالأعين والأنف والفم، وإضافة الكحل من مادة القار لعمل بؤبؤ العين. ويبلغ ارتفاع التمثال الكامل بحسب الدكتور كفافي، سواء ذكوري أو أنثوي قرابة متر، والنصفي نحو 40 سنتيمتراً.
وأضاف “يظهر أن عقائد سكان الموقع قد تطورت في الفترة بين حوالي 6500 – 6000 قبل الميلاد، مما اضطرهم لهجر هذه التماثيل، فقرروا دفنها، في ساحة أحد البيوت، عوضاً عن إهمالها، مما أكد لنا أن لها صفة دينية، وبناء عليه بنى سكان عين غزال في هذه المرحلة مباني لها صفة عقائدية، أي أن الناس أصبحوا يقيمون طقوساً دينية داخل مبانٍ عوضاً عن التعبد أمام تمثال”.
وقال إن هذه التماثيل تعرض حالياً في عدد من المتاحف المحلية: متحف الأردن، المتحف الوطني للآثار فيجبل القلعة، ومتحف التراث الأردني بجامعة اليرموك؛ والإقليمية في متحف اللوفر بأبوظبي، والعالمية في متحف اللوفر بباريس، والمتحف البريطاني في لندن.