أخبارالعدلحقوق الإنسانسياسةمجتمع

الأمازيغية في القضاء المغربي: بين الدستور والتطبيق.. مسار طويل نحو العدالة اللغوية

تصريحات وزير العدل تفتح نقاشاً حاداً حول حقوق المتقاضين والعدالة اللغوية في المحاكم

في قلب النقاش الدائر حول الهوية والحقوق الثقافية في المغرب، يعود ملف تفعيل الأمازيغية في المؤسسات القضائية إلى الواجهة مجدداً، بعد تصريح وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي أكد خلال جلسة برلمانية يوم 2 يونيو 2025 في الرباط، أن المتهم لا يمكنه التحدث مباشرة مع القاضي بالأمازيغية، بل يجب توفير مترجم لضمان التواصل.
هذا التصريح، الذي أثار ردود فعل متباينة بين القوى السياسية والمجتمع المدني، يعكس واقعاً قانونياً ولغوياً معقداً، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام الدولة المغربية بتفعيل الدستور الذي أقر الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية.

الدستور المغربي لسنة 2011 وضع الأمازيغية في مصاف اللغات الرسمية، ومنحها مكانة دستورية تاريخية، كما نص القانون التنظيمي رقم 16-26 على حق المتقاضين والشهود الناطقين بالأمازيغية في استعمال لغتهم خلال الإجراءات القضائية، مع توفير الترجمة اللازمة دون تحميلهم أعباء. لكن، في الممارسة الفعلية، لا تزال العربية اللغة الرسمية الوحيدة التي تُكتب بها المحاضر والأحكام، بينما تبقى الأمازيغية محصورة في نطاق الترجمة فقط.
هذا التباين بين النصوص القانونية والواقع العملي يضع المتقاضين الناطقين بالأمازيغية في موقف هش، حيث يضطرون إلى الاعتماد على مترجمين قد لا يكونون متخصصين، ويواجهون صعوبة في التعبير بحرية عن حقوقهم ودفوعاتهم بلغتهم الأم، ما قد يؤثر على جودة العدالة ومصداقيتها.

لم تتأخر ردود الفعل البرلمانية، حيث اعتبر نواب من المعارضة أن تصريح وزير العدل يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لتفعيل الأمازيغية في القضاء. المهدي العالوي من الفريق الاشتراكي أشار إلى أن القضاة لا يتحدثون الأمازيغية ولا توجد محاضر مكتوبة بها رغم مرور أكثر من عقد على دسترتها. كذلك، انتقد نور الدين مضيان من الفريق الاستقلالي الطريقة المحدودة التي تُدرج بها الأمازيغية في المحاكم، معتبراً أن مطالبة المتقاضين بالتحدث بالعربية تشكل خرقاً للحقوق الدستورية.
وفي المقابل، أكدت برلمانية من التجمع الوطني للأحرار أن حزبها كان من السباقين في الترافع عن إدماج الأمازيغية، مما يعكس جدلاً سياسياً مستمراً حول مدى التزام الحكومة والسلطات القضائية بتفعيل الحقوق اللغوية.

ولضمان حقوق جميع المواطنين وتحقيق العدالة اللغوية، لا بد من تبني رؤية شمولية تجمع بين تعديل الإطار القانوني، تطوير لغة قانونية أمازيغية، وتكوين الموارد البشرية. فإلى جانب مراجعة القوانين التي تحد من استعمال الأمازيغية، يجب العمل على بناء مصطلحات قانونية أمازيغية واضحة، وتدريب القضاة والمساعدين القضائيين على استعمالها.
كما يتعين تعميم دور المترجمين المتخصصين، وتوظيف ناطقين بالأمازيغية في المحاكم، خاصة في المناطق ذات الكثافة الأمازيغية، مع إشراك المجتمع المدني والهيئات الحقوقية في متابعة تنفيذ هذه الإجراءات. ولا يمكن إغفال أهمية ربط استعمال الأمازيغية في المحاكم بمبدأ المحاكمة العادلة، بحيث لا يكون هناك أي عائق لغوي أمام المتقاضين.

لنختم بأن تصريح وزير العدل عبد اللطيف وهبي، رغم ما أثاره من جدل، يعكس واقعاً مؤقتاً في مسار طويل نحو تحقيق العدالة اللغوية في المغرب. الطريق أمام تفعيل الأمازيغية في القضاء لا يزال محفوفاً بالتحديات القانونية والتنظيمية، لكنه ليس مستحيلاً. يتطلب الأمر إرادة سياسية واضحة، إصلاحات قانونية جذرية، وتضافر جهود المؤسسات والمجتمع المدني، حتى تتحقق المساواة الحقيقية في الحقوق والفرص، ويصبح القضاء المغربي منبرا يعكس التنوع الثقافي واللغوي للمجتمع المغربي بكل أبعاده.

وفي نهاية المطاف، إن تمكين الأمازيغية في القضاء ليس مجرد مطلب ثقافي أو لغوي، بل هو ركيزة أساسية للعدالة والإنصاف، تعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، وتكرس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب الحديث.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!