أخبارتكنولوجياسياسةصحافةمجتمع

الأمن السيبراني في المغرب: معركة مستمرة ضد الهجمات المعلوماتية المتجددة

تحديات حماية المؤسسات الوطنية وأهمية تعزيز الوعي الرقمي في مواجهة الفوارق الوهمية

في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، بات الأمن السيبراني أحد أهم محاور حماية الدولة والمجتمع. المغرب، كغيره من الدول، يواجه موجات متكررة من الهجمات السيبرانية التي تستهدف مؤسساته الحيوية، في استراتيجية معقدة تعتمد على دورات من الصمت المعلوماتي تسبقها هجمات متجددة تحمل رسائل مشفرة تهدف إلى بث الفوارق الخيالية في المداخيل، والممتلكات، والأموال البنكية، ما يهدد النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
تُعد هذه الهجمات تكتيكاً ممنهجاً في حروب العصر الرقمي، حيث يُستخدم الصمت المعلوماتي كمرحلة تحضيرية لجمع البيانات وتحليلها، قبل إطلاق موجة من التضليل تستهدف زعزعة الثقة بين المواطنين والمؤسسات. في هذا السياق، يؤكد الدكتور سامي العزيري، خبير سياسة الأمن السيبراني، أن «الهجمات التي تعتمد على نشر الفوارق الخيالية تستهدف بالأساس خلق حالة من الانقسام الاجتماعي، مما يؤدي إلى إضعاف النسيج الوطني ويزيد من هشاشة الاستقرار الاقتصادي». ويضيف الدكتور حسن خرجوج، مختص في أمن المعلومات، أن «الصمت قبل الهجوم ليس فراغاً، بل هو جزء من خطة ممنهجة تهيئ الأجواء النفسية والاجتماعية، مما يجعل الجمهور أكثر عرضة لتصديق الأخبار المزيفة، وبالتالي يسهل التحكم في الرأي العام».

على أرض الواقع، شهد المغرب خلال السنوات الماضية سلسلة من الهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤسسات حيوية، مما كشف عن تحديات كبيرة في مجال حماية البنية التحتية الرقمية. ففي 2012، تعرض موقع بنك المغرب المركزي لهجوم من مجموعة “أنونيموس تونس”، وفي 2014، تعرضت مواقع حكومية مثل وزارة الخارجية للاختراق من قراصنة جزائريين. وفي 2025، تعرضت عدة مؤسسات حكومية مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة التشغيل ووزارة الفلاحة لهجمات واسعة النطاق، أسفرت عن تسريب بيانات شخصية لملايين المواطنين، فيما تبنت مجموعة إلكترونية تُدعى “جبروت الجزائرية” مسؤولية اختراق موقع وزارة الشغل وتسريب قاعدة بيانات حساسة.

ولا يقتصر الأمر على المؤسسات الحكومية فقط، بل شمل الهجوم أيضاً مؤسسات مالية وبنوكاً ، وتعدى ذلك إلى استهداف الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) التي تعرضت كذلك لهجوم سيبراني واسع نفذته مجموعة “جبروت”، أسفر عن تسريب آلاف الوثائق الحساسة التي شملت شهادات ملكية، وعقود بيع وشراء، وبطاقات تعريف وطنية، وجوازات سفر، ما أثار قلقاً بالغاً حول أمن المعلومات في مؤسسات حيوية بالمملكة. هذا الحادث كشف هشاشة البنية التحتية الرقمية وأبرز الحاجة الملحة لتعزيز إجراءات الأمن السيبراني.
ونفت الوكالة الوطنية تعرضها لأي شيء من هذا القبيل بل الاستهداف طال هيئة الموثقين،وان الوكالة اتخذت اجراءات احترافية ووقائية إلى أن عادت الأمور الى طبيعتها.
في مواجهة هذه التحديات، يبرز دور الإعلام الرقمي كخط دفاع أول، إذ يلعب دوراً محورياً في توعية المواطنين بأهمية الأمن السيبراني وطرق الحماية من الاختراقات. ويؤكد الدكتور أنس أبو الكلام، خبير الإعلام الرقمي، أن «الإعلام مسؤولية كبرى في بناء وعي مجتمعي متين، يمكنه من التمييز بين الحقيقة والزيف، ويحفز على اتخاذ إجراءات وقائية شخصية ومؤسساتية». كما يشير الدكتور الطيب دبّاغ، مسؤول في قطاع تقنيات المعلومات، إلى أن «الأمن السيبراني ليس مجرد حماية تقنية، بل هو بناء ثقة مجتمعية تبدأ بالوعي الفردي والجماعي، وتستمر بالتعاون بين جميع الأطراف».
تجدر الإشارة إلى أن المغرب اتخذ خطوات مهمة لتعزيز بنيته السيبرانية، من خلال تأسيس المديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI) وفريق الاستجابة لطوارئ الحاسوب المغربي (maCERT)، بالإضافة إلى سن تشريعات حديثة مثل القانون 05-20 للأمن السيبراني، والتي توفر إطاراً قانونياً متيناً لملاحقة مرتكبي الجرائم الإلكترونية وتعزيز الردع.

وفي الختام، تبقى المعركة الحقيقية في عالمنا الرقمي هي معركة الوعي والثقافة الأمنية. فمواجهة الهجمات المعلوماتية التي تسعى إلى تفكيك المجتمعات عبر نشر الفوارق الوهمية، تتطلب جهداً متكاملاً بين الإعلام، المؤسسات الأمنية، والقطاع المدني، لبناء حصانة رقمية تستند إلى المعرفة واليقظة. في زمن باتت فيه المعلومات هي ساحة الصراع الأكبر، يصبح تعزيز الأمن السيبراني ركيزة أساسية لحماية استقرار المغرب الاجتماعي والاقتصادي، وضمان مستقبل رقمي آمن ومزدهر.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!