أخبار

الإعلام الجمعوي وصناعة الكذبة الرسمية حين يتحول التخييم إلى تجارة موسمية

بقلم: حكيم السعودي – الدار البيضاء

في كل موسم صيفي ومع انطلاق الاستعدادات للمخيمات التربوية والتداريب التكوينية التي تؤطرها جمعيات المجتمع المدني بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل والجامعة الوطنية للتخييم تبرز إلى السطح ممارسات سلبية تقوّض نبل العمل الجمعوي وتُسيء إلى جوهره التربوي. ممارسات تتكرر كل عام لكن دون أن تجد من يوقف نزيفها بل يتم التستر عليها تحت غطاء “النجاح” و”التنظيم المحكم” المُفبرك إعلاميًا.
فمنذ سنوات تحوّلت بعض الجمعيات إلى واجهات لمصالح ضيقة تبيع مقاعد التكوين والمشاركة في المخيمات بأسعار تتجاوز أحيانًا 400 درهم للفرد في إطار صفقات غير قانونية تُبرم في الخفاء مع جمعيات محلية “مؤسسة للربح ” أو محسوبة على جهات معينة. وتُمنح هذه الجمعيات حصصًا لا تستحقها بينما تُقصى أخرى تشتغل بمهنية والتزام. المفارقة أن العديد من المشاركين لا تربطهم أي علاقة فعلية بالعمل الجمعوي بل يتم استقدامهم لدواعٍ مادية أو بفضل وساطة شخصية.بهذا المنطق يتم تمييع التكوين التربوي وتحويله إلى نشاط تجاري موسمي حيث تُباع “شواهد المشاركة اي مقاعد التداريب ” وتُستغل شعارات المواطنة والتطوع كوسائل لتحقيق الربح لا لترسيخ القيم أما الفضاءات التخييمية التي يُفترض أن تكون مجالًا للتنشئة الاجتماعية وتطوير المهارات فتحولت إلى منصات للزبونية وشراء الولاءات.

الخطير في الأمر أن هذا العبث يُجمَّل ويُروَّج له إعلاميًا عبر صور وفيديوهات توحي بالاحتراف والنجاح في حين أن الواقع مغاير تمامًا. وهنا يُطرح التساؤل بجدية هل تحول الإعلام الجمعوي من مرآة تعكس الحقيقة إلى أداة لتسويق الأكاذيب الرسمية؟
يُعلق الإعلامي والفاعل الجمعوي حكيم السعودي قائلاً: “لم يعد الإعلام ينقل الواقع كما هو بل يُصنع به الرأي العام و تُنتج الكذبة الرسمية من خلال التكرار و التهويل و الانتقائية والإلهاء. ما يُعرض أمامنا ليس الحقيقة بل نسخة مزيفة منها صُممت لتُقنعنا بأن كل شيء بخير.”و في ظل هذا الواقع تتعالى الأصوات المطالِبة بفتح تحقيقات ميدانية وزيارات تفتيش مفاجئة وتدقيق في طريقة توزيع الحصص التكوينية والتخييمية لأن غياب المحاسبة فتح المجال أمام الفساد البنيوي وشجع بعض “الفاعلين” على الاستمرار في هذا المسار الرديء دون خوف أو وازع.

المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو إعادة الاعتبار للعمل الجمعوي كرافعة للتنمية والتأطير والتكوين وهذا لن يتحقق إلا بإرادة سياسية ومجتمعية حقيقية ترفض الرداءة،ة وتحاسب المتلاعبين وتدعم الفاعلين المخلصين وتُطلق إعلامًا موازيًا نزيهًا يُعري الواقع ولا يجمّله.ان العمل الجمعوي ليس وسيلة للربح أو الوجاهة بل مسؤولية أخلاقية ومشروع وطني وإلا فإننا سنستمر في إنتاج نفس الكذبة… بتقنيات أكثر إقناعًا ولكن بمضمون أكثر خواء.
*نحو صحوة جمعوية وإعلامية مسؤولة*:
إن استمرار هذه الاختلالات الموسمية وتحولها إلى بنية مألوفة داخل بعض الجمعيات لا يهدد فقط مصداقية العمل الجمعوي بل يُفرغ مفاهيم التطوع والمواطنة من مضمونها الحقيقي. فحين يصبح التخييم والتكوين مجالاً للمساومة ووسيلة للربح السريع يفقد العمل الجمعوي رسالته ويُصاب المجتمع التربوي في صميمه.ان الإعلام الجمعوي الذي كان من المفترض أن يكون أداة للنقد والتصحيح والترافع بات في بعض الأحيان شريكًا في تضليل الرأي العام عبر تزويق الواقع ونقل أنشطة جوفاء، إنها لحظة فارقة تتطلب منا جميعًا—فاعلين، إعلاميين، مسؤولين ومواطنين—وقفة تأمل وقرارًا جماعيًا بمواجهة هذا الانحراف كلٌّ من موقعه.فلنعد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح ولنجعل من الجمعيات فضاءات حقيقية للتربية ومن الإعلام منبرًا لقول الحقيقة لا منصة لترويج الكذب المنظم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!