البحث السوسيولوجي الجديد حول البيئة وسياساتها

إعداد :عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
كانت المجتمعات الغربية وتقاليدها العلمية، المستوحاة من علوم جاليلي ونيوتون، تفصل دائما بين عناصر المجتمع وعناصر الطبيعة لدراسة كل واحد منها بشكل مستقل، وعندما أصبحت البيئة تتعرض للضرر الناتج عن الأنشطة الإنسانية، جعلت هذه الهوة في موضع تساؤل وتشكيك، وبذلك تمكن المفكرون من ربط الاهتمامات البيئية بالقضايا الاجتماعية، مثل التكنولوجيا والسكان والنظم المدرسية والطبية وبشكل أعم حدود الحضارة الصناعية ونظام قوتها وتقنياتها، وازداد الاهتمام منذ أن دخلت البيئة المشهد السياسي والإعلامي والمدني والاقتصادي، وهذا يعني في المجال الاجتماعي، ومن تم أصبحت بالضرورة موضوع دراسة لعلماء الاجتماع.*1*
مــــنذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، تم تنظيم العديد من التظاهرات الكبرى في إشارة إلى الضرورة الملحة للإنسانية لتكريس نفسها لمسألة البيئة، ونعثر في هذا الإطار على بعض الأعمال التالية، على غرار أعمال كارسون وتقرير ميدوز ثم بروندتلاند، ويلي ذلك لاحقا كل من Dunlap و Catton باعتبارهم أول الرواد الرئيسيين في تأسيس سوسيولوجيا البيئة في صيغتها المعاصرة، وفي هذا السياق يقول كل من كاتون ودانلوب أننا ندرك أن البيئة الفيزيائية الحيوية موجودة وأننا نعتد عليها، إنهما يفتحان الباب أمام علم اجتماع بيئي يعتبر ان العالم الطبيعي (الفيزياء الحيوية) يفرض قيودا وإكراهات، فمسألة علم الاجتماع ليست مسألة حتمية تفسيرية بل يجب أن تدمج العالم الطبيعي كمكون مما تصبح عليه المجتمعات الإنسانية، لذلك يريدان أن يضطلع علم الاجتماع بمكانة متميزة ترتكز على الطريقة التي تتأقلم بها المجتمعات مع الطبيعة، وقد طور هذان الباحثان نموذجا جديدا منافسا في مجال علم الاجتماع أطلقا عليه الباراديغم البيئي الجديد NEP يأخذ في الاعتبار إدخال الإنسان والمجتمع وكل الواقع الاجتماعي في عالم بيوفيزيائي.*2*
فالسياسات البيئية ترتبط بردود الفعل الاقتصادية أو دور النمو الاقتصادي ويمكن اعتبارها كذلك أنها تتوجه نحو الاستجابة التنظيمية والصناعية والحكومية للبيئة، ونــــــــحو إنشاء مؤسسات لتلبية المطالب المرفوعة من طرف البيئية، وكذا أشكال التنظيم التي تستطيع أن تدير اللايقين والنــــصوص للحفاظ على توازن الارصدة البيئية والاستراتيجيات البيئية والسياسية لمعالجة وحل المشكلات والاستجابة لها.*3*
وعـــندما أصبحت البيئة تتعرض للضرر الناتج عن الأنشطة الإنسانية، جعلت هذه الــهوة في مــــوضع مساءلة، وتمكن المفكرون من ربـــط هذه الاهتمامات البيئية بالقضايا الاجتماعية ، مــــثل التكنولوجيا والسكان والنظم المدرسية والطبية وبشكل أعم حدود الحضارة وازداد ذلك الاهتمام منذ أن دخلت البيئة المشهد السياسي والعالمي والمدني والاقتصادي ، وهذا يعني في المجال الاجتماعي ، ومن تم أصبحت بالضرورة موضوع دراسة لعلماء الاجتماع .
منذ نهاية الستينات من القرن العشرين تم تنظيم العديد من التظاهرات الكبرى في إشارة الى الضرورة الملحة للإنسانية لتكريس نفسها لمسألة البيئة : الأعمال المختلفة بما في ذلك أعمال كارسون 1962وتقرير ميدوز 1962 تم بروتدلاند سنة 1987مؤتمرات القمة العالمية المختلفة التي نظمتها الامم المتحدة وبروتوكولات مختلفة مثل بروتوكولات مونتريال وكيوتو ناهيك عن صعود الاطراف البيئية منذ ترشيح ديمون في فرنسا في عام 1974 الى عدد لا يحصى من جمعيات حماية البيئة ،كل هذا دليل على أن البئة هي الان مصدر قلق اجتماعي ان لم تكن القضية الملحة الاولى التي يجب معالجتها.
السياسات البيئية وعلم الاجتماع السياسي: – 1-
تشير السياسات البيئة إلى المجالات التي توجه فيها السياسات الحكومية أو الدولية نحو تحسين نوعية البيئة على المستويات الوطنية والإقليمية، لأن هذا المجال يعتبر واسعا و التركيز فيه ينصب على استخدام آليات وتقنيات موجهة نحو تعزيز القدرات التشاركية والمؤسساتية لمعالجة القضايا البيئية بصورة فعالة، من خلال وضع سياسات بيئية فعالة.*4*
….تــعرف السياسة البيئية أيضا على أنها جزء من السياسة العامة والضرورية لمستقبل إنسان أفضل، كما أن مهمة السياسة البيئة لا تنحصر فقط في معالجة الأضرار البيئية المتواجدة أصلا، وإنما تتعدى ذلك للمطالبة بتجنب المشاكل البيئية وتحليل الأخطار الناجمة ،عنها قدر الإمكان، كما تسعى إلى إيجاد وتطوير الإجراءات الضرورية والفعالة لحماية صحة الإنسان وحياته من كافة أشكال التلوث.
كما يمكن تعريفها أيضا على أنها “: تلك الحزمة من الخطوط العريضة التي تعكس القواعد والإجراءات التي تحدد أسلوب تنفيذ الاستراتيجية البيئية، مع تحديد مهام المؤسسات والجهات والوحدات المختلفة المشاركة والمسؤولة عن نتائج هذه الاستراتيجية، وذلك من خلال الأوامر التشريعية الملزمة لكل من هذه الجهات وهي توضح أسلوب تقويم النتائج.
2- -مميزات السياسة البيئية:
من أهم المميزات التي يجب أن تتصف بها السياسة البيئية ما يلي:
الواقعية أي التعامل مع المشكلات البيئة والقواعد المنظمة لها بشكل ينبع من واقع هذه المشكلات.
أن تعكس الأهداف البيئية المختلفة وعلى كافة المستويات الرسمية المحلية والعالمية.
التوافق والتكامل والترابط بين مختلف السياسات المستخدمة في مجال الحفاظ على البيئة في كل المجالات الصناعية، الزراعية، السياسية …الخ.
أن تكون مرشدة ومعدلة للسلوك البشري سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي في القطاعات الاقتصادية أو الخدماتية أو في نواحي الحياة الاجتماعية الأخرى، بحيث تحقق القناعة بأهمية البيئة والحفاظ عليها.
اعتمادها على أدوات مرنة واقعية قابلة للتنفيذ تعتمد في الأساس على الردع الذاتي والالتزام الطوعي وليس فقط أدوات الردع الرسمية.
وجود أطر تشريعية تدعم هذه السياسات وتعطي لها الاستمرارية وآليات التنفيذ والمتابعة مع وضع قواعد لمواجهة عدم الالتزام، على أن تراجع هذه التشريعات بصفة دائمة لتنفيذها بما يفسر التطبيق العملي للسياسات البيئية مع عدم إصدار تشريعات جديدة قد تتضارب أو تتكرر مع تشريعات قائمة.
لتحقيق سياسة بيئية ناجحة لابد من توفرها على مجموعة من الاهداف المؤطرة لها، ومن أهم الاهداف نذكر ما يلي:
نقص الممارسات والأنشطة التي أدت إلى تدهور الموارد البيئة أو تقنين تلك الأنشطة، الشيء الذي يعالج مصادر التلوث وتخفيف أثاره قدر المستطاع؛
مراعاة الاعتبارات البيئة في الخطط التنموية للقطاعات المختلفة، وتقييم الآثار البيئة في مختلف المشاريعإن الدور الذي ينبغي على السياسة البيئة أن تلعبه مرتبط بشكل وثيق بالثقافة البيئية، ففي الوقت الذي تطمح فيه السياسة البيئية لحل المشاكل البيئية باستخدام آليات تقنية وادارية، تسعى الثقافة البيئة بالتوازن وباهتمام متزايد إلى إحداث تغيرات في طرق التفكير والسلوك البيئي عند الإنسان بحيث يتصرف كل فرد كأنه صاحب القرار.
وبناء عليه فإن السياسة البيئية بارتباطها الوثيق بالثقافة البيئية لها أهداف جوهرية أساسية وأخرى ثانوية ويمكن حصر الأول في:
إن حماية وحفظ صحة وحياة الإنسان هي التزام وواجب من المفروض أن يؤخذ بعين الاعتبار عند القيام بأي عمل من قبل الحكومة أو المجتمع.
إن الحماية والتطوير المستدام للنظام الطبيعي والنباتي والحيواني وكافة الأنظمة الإيكولوجية في تنوعها وجمالها، ما هو إلا مساهمة رئيسية من أجل استقرار المنظر الطبيعي العام وكذلك حماية بالتنوع الحيوي الشامل،
حماية المصادر الطبيعية كالتربة والمياه والهواء والمناخ والتي تعتبر جزءا رئيسيا من النظام البيئي وفي الوقت نفسه الأساس لوجود الإنسان والحيوان والنبات،
حماية وحفظ الموارد والتراث الحضاري كقيم حضارية وثقافية واقتصادية للفرد والمجتمع خاصة الاقتصادية.
نخلص في الأخير :
نخلص في الاخير الى ما يلي :
الخلاصة الاولى : أن راهنية قضية البيئة ساهمت في تقدم البحث السوسيولوجي والسياسات العمومية حول إشكالياتها ومستجداتها
الخلاصة الثانية : أن تناول الظواهر يقتضي الأخذ بالاعتبار الجانب الاجتماعي والبيئي في إطار ما يعرف بعلم الاجتماع البيئي .
الخلاصة الثالثة : أن على الجامعة تكثيف الدراسات والأبحاث والتخصصات في مجال البيئة والتنمية المستدامة .
لائحة المراجع والهوامش :
عبدالرحمان سيف سردار، التنمية المستدامة، دار الراية للنشر والتزوزيع، الأردن عمان، 2015، ص 15.
Catton, and Dunlap, Environmental Sociology: A New Paradigm, The American Sociologist, 13.1, 1978, pp 41-49.
NUMA.BROC .PEUT -ON PARLER DE GEOGRAPHIE AU XVILLE EN SIECLE
EN France
بودريع الصالحة دور السياسات البيئية في ردع وتحفيز المؤسسات الاقتصادية على حماية البيئة. مجلة اقتصاديات شمال افريقيا العدد 17ص116