أخبار

البرنامج الوطني للتخييم بين الأمل والإقصاء: الحاجة إلى مناظرة وطنية لإعادة التوازن

حكيم سعودي

في الوقت الذي تُقدَّم فيه المخيمات التربوية كخدمة عمومية تهدف إلى تعميم الاستفادة وإتاحة الفرصة لجميع الأطفال للعيش في فضاءات تربوية وتنموية، يعيش البرنامج الوطني للتخييم على وقع إشكالات متراكمة وقراءات متعددة للتأويل ترتبط بدليل المساطر الجديد الذي تم اعتماده دون إشراك فعلي وحقيقي لمختلف الفاعلين، وخصوصًا جمعيات المجتمع المدني التي تُعتبر ركيزة أساسية في تنزيل هذا البرنامج.

إقصاء مريب وضعف في آليات الانتقاء

مباشرة بعد الإعلان عن شروط البرنامج، عبّرت مجموعة من الجمعيات النشيطة في الحقل التربوي عن استيائها مما اعتبرته “إقصاءً مريبًا” من المشاركة، خاصة في ظل غياب معايير شفافة وواضحة بخصوص الانتقاء، سواء على مستوى الملفات أو أثناء المقابلات الشفهية. الأهلية المشكوك فيها لبعض أعضاء لجان الانتقاء، والتي من المفترض أن تتوفر فيها الخبرة والتجربة والحياد، زادت من حدة الانتقادات، كما أن التداخل بين الصفة الإدارية والصفة التقريرية للشريك الاستشاري، دون أن يتحمل هذا الأخير أي مسؤولية قانونية أو محاسباتية أثناء تنفيذ البرنامج، يدفع إلى التساؤل عن حدود صلاحيات المتدخلين ومسؤولياتهم.

هل التدبير المشترك أصبح وسيلة لشراء الصمت؟

تطرح هذه التطورات تساؤلات جدية حول فلسفة “التدبير المشترك” داخل اللجن الاستشارية، فهل الهدف هو فعلاً تجويد البرنامج وإشراك الفاعلين في اتخاذ القرار، أم أن الأمر يتعلق بإضفاء طابع تشاركي صوري الغاية منه كسب الشرعية أو شراء الصمت إزاء عمليات تدبيرية أخرى يشوبها الغموض والارتباك أثناء مرحلة التنفيذ؟

منطق الإقصاء وتناقضه مع أهداف الخدمة العمومية

من المؤسف أن تتحول رؤية “المخيمات للجميع” إلى شعار أجوف في ظل استمرار منطق الإقصاء، وهو ما يتعارض كليًا مع المبادئ الدستورية والسياسات العمومية التي تكرس العدالة المجالية والاجتماعية. فهل تغيرت النظرة إلى المخيمات من كونها آلية تربوية للتنمية إلى مجال انتقائي تحكمه اعتبارات غير تربوية؟ وهل هذا التغيير جزء من “تنزيل السياسات العمومية” أم انحراف عنها؟

الأرقام الرسمية… واقع أم تجميل؟ أحد الوعود الأساسية التي وردت في التصريح الحكومي كان بلوغ رقم معين من المستفيدين من العطلة التربوية. غير أن الأرقام المعلنة في بعض المناسبات الرسمية تُطرح حولها علامات استفهام، خاصة عندما يتم رفعها دون تقديم أدلة ملموسة على تحقيقها فعليًا. فهل تحققت هذه الأرقام بالفعل؟ أم أنها مجرد أرقام إحصائية تُضخم لتبرير فشل في تحقيق أهداف جوهرية؟

الحاجة إلى مناظرة وطنية حقيقية

كل هذه الإشكالات تدفع نحو المطالبة بإطلاق مناظرة وطنية جامعة حول واقع وآفاق البرنامج الوطني للتخييم، مناظرة تشارك فيها جميع الأطراف: من مسؤولين حكوميين، إلى جمعيات المجتمع المدني، إلى خبراء في مجال الطفولة والتنمية، يتم من خلالها إعادة تعريف الشراكة وحدود التدخل، وتُرسم خارطة طريق جديدة تضمن احترام التخصصات، وتجعل من الفاعل الجمعوي شريكا فعليا لا مجرد منفذ.إن الفصل بين المهام الإدارية والوظائف التربوية، وتحصين البرنامج ضد التسييس أو المحسوبية، أصبحا اليوم أكثر من ضرورة، بل هما رهان لبناء ثقة جديدة وضمان استمرار هذا البرنامج الوطني في أداء دوره التربوي والتنموي بعيدًا عن كل الشوائب التي قد تفقده روحه وعمقه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!