* *البعد الثقافي ودوره في تعزيز التنمية المستدامة**

عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
شكلت جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية إحدى أهم القضايا التي طرحت إبان اهتمام العالم بالتنمية بمفاهيمها الشاملة (البشرية والانسانية والمستدامة ) وإذا كانت علاقة الثقافة بالتنمية علاقة عضوية بحكم أننا لايمكن أن نتحدث عن مشروع تنموي بدون حضور البعد الثقافي حيث أن التنمية لايمكن تحقيقها إلابأبعادها الثلاثة البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي والبعد الثقافي ،وإذا كانت أطروحات التنمية لم تركز على البعد الثقافي فإن المنظمات الدولية التي تعنى بالتربية والثقافة (اليونيسكو،الإيسيسكو ..) لا تكاد تؤكد في اجتماعاتها ومؤتمراتها على أهمية الثقافة كعنصر محدد لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية ،وقد لانبالغ إذا ما قلنا أن هناك توافق في الرأي بين علماء الاجتماع حول العلاقة بين الثقافة والتنمية وكما أكد المفكر محمد سيد محمد في كتابه الاعلام والتنمية أن للثقافة في التنمية الشاملة دورا مميزا وموازيا للبعد الاجتماعي والاقتصادي وأن الثقافة تعتبر ركيزة مهمة من ركائز التنمية الشاملة ،حيث وإذا كان الانسان هو محور وهدف التنمية في ان واحد وأن التنمية هي إعطاء الناس الفرص والقدرات فإن الثقافة كما أكدها إعلان مكسيكو أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة سنة 1982 هي التي تمنح الانسان قدرته على التفكير في ذاته وهي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد والالتزام الأخلاقي وعن طريق الثقافة نستطيع تحقيق قيم مركزية بواسطتها يستطيع الانسان التعبير عن نفسه والتعرف على ذاته والبحث عن مدلولات الإبداع ، وقد اكدت بيانات المؤتمر العالمي للتربية لسنة 1992 ان التنمية تقاس بالتغير من الحالة القائمة ،التقدم ،الاغتناء والتمتع و ليس بازدياد الإنتاج كما ونوعا بل أيضا بالتحسن الذي تحمله إلى الإنسان وإلى طريقة حياته .
حيث ان البعد الثقافي يلعب دورا كبيرا في نجاح التنمية البشرية والمستدامة حيث أن هاته الاخيرة همها الوحيد هو خدمة الانسان وتحقيق احتياجاته والثقافة همها الوحيد هو الحفاظ على الثراث الانساني والعمراني والهوية الجماعية وترسيخ قيم المشاركة والتسامح والاختلاف والحفاظ على ثقافات المجتمع والتواصل والتفاعل والتماثل الاجتماعي.
إن المجتمعات التي حققت مؤشرات تنموية مرتفعة لعب فيها التنوع الثقافي دورا كبيرا حيث أنه ساهم في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسياعبر سياسات متعددةالثقافات وعبر احترامهالثقافة الأقليات وخياراتهم وقد أكد المفكر صامويل هنتغتون في كتابه قضایاثقافية وهو كتاب ألفه إلى جانب لورنس هارسون، على أنه في أوائل سبعينات القرن العشرين (20) وقعت على بيانات اقتصادية لكل من غانا وكوريا الجنوبيةوذهلت عند ما رأيت أوجه التشابه بعد ثلاثين عاماأصبحت كوريا الجنوبيةعملاقا صناعيا يحتل المرتبة 14 على مستوى العالم، بينمالم تبلغ هذا الأمر غانا، هذاالاختلاف سببه بالدرجةالأولى أن الكوريين يقدرون التنظيم وحسن التدبيروالانضباط.
صحيح أن الديمقراطيةوالتنمية وتماسك الدولةأمور جوهرية، لكن الدولةالتي لا تهتم بخلق سياسات متعددة الثقافات لا تكرس ثقافة الاختلاف والتي تعتبرجوهر الديمقراطيةالمعاصرة. وقد عملت الحضارة الغربية التي بفضل نضالات مثقفيهاومفكريها أن تجعل من حقوق الإنسان وقيم الحداثة والديمقراطية سلوكا يوميا يوفر للفردوالجماعة الدفاع عن مؤسسات وترتيبات اجتماعية معينة تعملان على إنجاحها. وإذا أخذنا ميدان حقوق الإنسان نجد أن التنوع الثقافي من المواضيع التي حظي بها هذا الميدان وأصبح ينظر إليه كحق من حقوق الإنسان.
إن المجتمع الديمقراطي الحداثي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء الفرصةللجميع لدراسة وإنجاز اختياراتهم الكبرى والمتنوعة، وبواسطة ثقافة المشاركة هاته، يمكن تحقيق الاندماج الوطني والوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلا بخلق سياسات متعددة الثقافات تكون مدخلا أساسيا لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية التي بواسطتها يمكن تحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية على اختلاف تلاوين هوياتها وثقافاتها