
تشهد الطريقة القادرية البودشيشية المغربية واحدة من أكثر الفترات توترًا وتعقيدًا في تاريخها الحديث، إذ أفادت مصادر متعددة عن صراع على مشيخة الزاوية بين الأخوين منير ومعاذ القادري بودشيشي، مما أثار جدلاً واسعًا ومطالب شعبية ورسمية للتدخل الملكي.
هذه الأزمة التي استقطبت اهتمام المريدين والوسط الديني والاجتماعي المرافق، تجسدت في مجموعة من البيانات المتضادة التي عكست عمق الخلاف وأثرته التوترات الدينية والاجتماعية التي تمس جوهر هذه الطريقة العريقة.
بدأت الأسئلة تتزايد عقب إعلان الشيخ منير القادري بودشيشي تنازله رسمياً عن مشيخة الطريقة لصالح شقيقه معاذ في الثاني عشر من أغسطس 2025، حيث أشار بيان التنازل إلى أن القرار جاء بعد استخارة الله ومناجاة، بغرض حفظ وحدة الأسرة والطريقة، والحيلولة دون تشتت الصف والتفرقة التي قد تمس وحدة الزاوية ومكانتها الروحية والاجتماعية.
البيان أكد أن المشيخة تكليف وليست تشريفًا، وشدّد على أهمية الإخلاص كمؤشر حقيقي للقيادة الروحية، داعيًا المريدين إلى الالتفاف حول معاذ، مع التمسك بمبادئ الطريقة من صفاء القصد، وصحة التوجه، وخدمة الدين والوطن تحت ظلال القيادة الملكية لجلالة الملك محمد السادس، مع دعوة صريحة إلى تجنب الجدل والظنون والمناوشات الشخصية حفاظًا على وحدة الصف والسلم الاجتماعي.
لكن بعد هذا الإعلان، جاءت ردة الفعل من رابطة الشرفاء البودشيشيين لتثير حالة من التوتر والتساؤلات، إذ أصدرت الرابطة بيانًا رسميًا في اليوم التالي، دافعت فيه عن الوصية الشرعية التي تزكي الجمع بين شرعية تولي الشيخ منير القادري لمشيخة الطريقة القادرية البودشيشية خلفًا للشيخ الراحل جمال القادري بودشيشي.
ووصفت الرابطة بيان التنازل بأنه مفبرك وباطل لا أساس له من الصحة، معتبرة أن هناك جهات تسعى إلى زرع الفتنة وتقسيم المريدين، مجددين تمسكهم بالوصية الشرعية والمبدأ الروحي القائم على التمسك بالقيادة الشرعية، مؤكدين أن أي محاولة لإنهاء هذا الدور أو الانقلاب عليه هو خرق لمبادئ التصوف السني وروح إمارة المؤمنين، مستنكرين بشدة هذا التغيير دون الرجوع إلى المرجعية الروحية القانونية القائمة على عقد البيعة والوصايا الشرعية.
وفي خضم هذا الصراع، تعكس الأوضاع المتشابكة داخل الزاوية القادرية البودشيشية حالة استثنائية من التوتر بين التقاليد الروحية وأعباء المسؤولية الاجتماعية التي ترتبط بهذه المشيخة التي ليست فقط مركزًا دينيًا، بل هي مؤسسة تحمل أبعادًا ثقافية واجتماعية ووطنية واسعة النفوذ. تنتمي الطريقة إلى فرع من الطريقة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري، وتأسست البودشيشية في المغرب منتصف القرن التاسع عشر بمنطقة مداغ قرب بركان، وسميت نسبة إلى لقب أحد الأجداد الذي كان يوزع الدشيشة في أوقات المجاعات، ومنذ تأسيسها توسعت وازدهرت بفضل جهد شيوخها مثل الشيخ حمزة القادري البودشيشي، هذا الإرث الروحي الذي يشكل محور الصراع الحالي، ويبين مدى حساسية الموضوع وأبعاده التي تتداخل فيها العائلة، الروحانية، والسياسة.
إن الجدالات المحيطة بالزاوية تعكس الأزمة التي تواجهها وهو ما دفع العديد من المريدين إلى التماس التدخل الملكي بما يحفظ وحدة الطريقة وصون إرثها التاريخي والروحي، خاصة أن الأوضاع تتسم بدرجة من الغموض والتشابك حيث تزايدت الادعاءات والمواقف المتناقضة بين الأطراف، ما يجعل هذه الأزمة لا تقتصر على خلاف عائلي بل تمس استقرار وتقوية مؤسسة تلعب دورًا في الحياة الروحية والاجتماعية للمجتمع المغربي.
وفي الخلاصة، تبدو أزمة الطريقة القادرية البودشيشية اليوم انعكاساً لصراع أعمق بين التقاليد والحداثة، الولاء والإرث، السلطة والروحانية، بين الأخوين منير ومعاذ، وبين البيانات المتضادة التي رافقت هذه المرحلة، حيث تجسد تناقضات في المواقف بين تنازل مؤقت ورسمي من منير، ونفي قطعي ورفض صارم من رابطة الشرفاء البودشيشيين.
هذه التوترات تؤكد على أهمية التهدئة وحكمة التدخل، خاصة من أعلى السلطات، من أجل إيجاد حل ينهي الصراع ويعيد الوحدة للزاوية، وينهي حالة الفرقة التي تهدد استقرار هذا الإرث الروحي العريق.
وعليه، فإن مستقبل الطريقة القادرية البودشيشية مرتبط بشكل وثيق بكيفية تجاوز هذه الأزمة مع المحافظة على الصرامة الروحية والتقاليد التي تشكل جوهرها، وذلك لضمان استمرار دورها كمنارة للعلم والإصلاح الروحي والاجتماعي في المغرب وخارجه.
نص بيان رابطة الشرفاء البودشيشيين 👇🏼
بسم الله الرحمان الرحيم، والحمد لله الذي لايحب المعتدين ولا يهدي كيد الخائنين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، الحمد لله القائل في كتابه الحكيم : “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ” ، وبعد:
فقد تابعت رابطة الشرفاء البودشيشيين وماتزال تتابع ما يجري خارج حمى الطريقة القادرية البودشيشية من محاولات الكيد والمكر بها، من اللحظة الأولى التي نقل فيها الشيخ الرباني سيدي جمال إلى المستشفى العسكري بالرباط حيث كان طيب الله ثراه يتلقى العلاجات الضرورية تحت الرعاية الملكية السامية، والتي تحركت فيها قوى الشر مستعينة بمحابر الشياطين ومنابر الإسترزاقيين للتآمر على بشارة العارفين القطب الرباني الدكتور سيدي منير، المشهود له بالتقى والورع والحلم، والجود والكرم والأيادي البيضاء، والنزاهة والإستقامة والشهامة، والغيرة الوطنية الصادقة، والتشبت المتين بأهداب العرش العلوي المجيد.
ولقد بلغت ليلة أمس القلوب الحناجر وابتلي مريدو ومريدات هذه الطريقة المباركة وزلزلوا زلزالا شديدا عقب صدور بيان كاذب مغرض منسوب لشيخنا القطب الرباني سيدي منير، يزعم محرريه تخليه عن المشيخة لشقيقه الأصغر بمبررات واهية لا يقبلها العقل السليم، انتشر كالنار في الهشيم على المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات التراسل الفوري، ولكن الله سلم وثبت مريديه ومريداته ومحبيه على العهد الموصل بالسند المتصل بسيد الخلق أجمعين، ورد من يتربصون بشيخنا سيدي منير العارف بالله التقي النقي السامق الخلق، ذي الكفاءة العلمية والفكرية العالية، والشخصية الإسلامية العالمية الوازنة، ومن خلفهم بغيظهم لم ينالوا خيرا.
وإزاء هذا التصعيد الخطير ضد الطريقة وشيخها الورع المحبوب، فإن منتسبي ومنتسبات الرابطة البودشيشية الشريفة داخل وخارج المملكة المغربية، إذ يتوجهون إلى الله تعالى أولا وآخرا بالحمد والثناء العظيم على منه وفضله بإيداع سره المحمدي عبده الفقير الزاهد المتذلل المتواضع مولانا سيدي منير سبط الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، معزز بوصية كتابية شرعية ممهورة بتوقيع شيخنا الراحل فضيلة الدكتور سيدي جمال، وشهودها جلة من العلماء الأتقياء الأطهار وثلة من الشرفاء البررة الأخيار، ليتضرعون إليه جل جلاله باسمائه الحسنى وصفاته العلى بتمام النعمة وحفظ شيخنا الأبر من شرور من يتربصون بمقامه الشريف وطريقته المحمدية الدوائر، فإنهم يؤكدون على الآتي:
أولا: إن أي محاولة للانقلاب على وارث السر المحمدي وعلى اختيار العارفين بالله سيدي الحاج العباس، وسيدي حمزة، وسيدي جمال، قدس الله أسرارهم، و الخروج عن مقتضى وصيتهم الشرعية لأمر منكر محرم شرعا ومخالف لروح الدستور والقانون بل يتعارض مع الأسس المتينة لإمارة المومنين، الساهرة على ترسيخ العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، وتصوف الجنيد، لأن الانقلاب على الشرعية المؤيدة بإذن إلهي ووصية شرعية إنما هو عصيان صارخ لله ورسوله والمومنين، وبغي وعدوان وفساد في الأرض وفتنة لا يعلم مدى آثارها الخطيرة إلا الله سبحانه وتعالى.
ثانيا: يشيدون بالدور الكبير الذي قام به مريدوا الطريقة ومحبيها في التصدي لهذه المؤامرة الشيطانية، ويشيدون أيضا بالموقف الثابت لمقدمي ومقدمات الطريقة كافة حيث وقفوا كالبنيان المرصوص سدا منيعا ضد المرجفين المناوئين لمشيخة سيدي منير حسدا من عند أنفسهم، فأحبطوا خطتهم الجهنية الرامية إلى الإلتفاف على إرادة الشيوخ البودشيشين الأقطاب الثلاث المجمعين على تزكية القطب الرباني سيدي منير شيخا لطريقتهم المثلى، كما يثمنون رباطة جأش وحكمة الشيخ الجليل سيدي منير وأهل الحل والعقد لدى الطريقة التي كان لها الأثر في إفشال مخططهم المدعوم من جهات لها أجندة معادية للتصوف الوسطي المعتدل، وكذلك يثمنون دور الدوائر العليا التي وقفت بقوة مع الشرعية وكان لها دور هام في رد الأمر سريعا إلى نصابه الحقة.
ثالثا: يدعون المريدات والمريدين مغاربة وأجانب خاصة و الناس عامة أن يرفضوا الفكر المؤيد للانقلاب على الشرعية ويؤكدون على أن هذا الفكر المتطرف متعارض مع مبادئ التصوف السني الوسطي ومقاصده.
رابعا: يثمنون وقوف الزوايا والطرق الصوفية والعلماء والفاعلين في الحقل الديني داخل المغرب وخارجه إلى جانب الشرعية، وفي الوقت ذاته ينددون بأيَ تدخل من أي جهة في شؤون للطريقة،
مؤكدين على أن أي جهد أو مال أو وقت يبذل في سبيل إثارة الفتنة والفرقة في صفوف الطريقة السالكة إلى الله على كتابه وسنة رسوله المصطفى الأكرم ، فمآله الفشل والحسرة في الدنيا والآخرة بإذن الله.
هذا وإذ تعلن الرابطة معارضتها الشديدة لأي انحراف عن الإذن من الحضرتين الأحدية والمحمدية وأي زيغ عن مقتضى الوصية الشرعية، وتمسكها بوارث السر المحمدي القطب الرباني سيدي منير شيخا شرعيا للطريقة القادرية البودشيشية، متسلحة بأقصى درجة اليقظة والحذر، في ظل هذه المرحلة المفصلية الدقيقة الحبلى بالمؤامرات والدسائس والمكائد، والتي لن تزيد العلاقة بين شيخنا ومريديه إلا قوة ورسوخا باعتبارها علاقة روحية نورانية قائمة أساسا على المحبة والتسليم والطاعة والاعتقاد في علمه الظاهر والباطن، وأنه أهل لفهم نفوسهم وعلاجها وترقيتها وتزكيتها، فإنها تحتفظ لنفسها باتخاذ جميع الإجراءات القانونية والقضائية ، واستنفار كل جهودها وإمكانياتها صونا للشرعية غير القابلة للتصرف بما يحفظ للطريقة شيخها الموصى له، ويعزز وحدتها وقوتها التنظيمية والتأطيرية، ويكرس إشعاها الروحي والتربوي والإجتماعي داخل المغرب وفي كل أصقاع المعمور، في تعلق متين بالسدة العالية بالله مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله وشافاه باعتباره حامى حملة الملة والدين والضامن لوحدة الأمة واستقرارها وركيزة التدين الوسطي الذي تميز به المغرب عبر العصور، تحت القيادة الحكيمة والرشيدة لجلالته.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين وحامي الملة والدين بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بصاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن وسمو الأميرة للا خديجة، وشد أزره بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
” ِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ” صدق اله العظيم.
حرر ببركان في 13 غشت 2025
عن رابطة الشرفاء البودشيشيين