العدالة التصالحية والوساطة الحلقة الثالثة :العدالة التصالحية/المفهوم والنشأة والأهداف والمبادئ

اعداد عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تسهر الدولة على حفظ مصالح الأفراد وحماية حقوقهم وحرياتهم داخل المجتمع من خلال محاربة الظاهرة الإجرامية بتجريم األفعال، ومتابعة المجرمين وتوقيع العقوبات من أجل تحقيق الردع العام والخاص، وبالوصول اد بالمجتمع إلى سبيل الامن والاستقرار غير أن هذه السياسة الجنائية المتعبة والقائمة على استخدام السلاح العقابي ” arme penal ” لم تكن فعالة بالحجم الكافي، وذلك راجع لتطور الجريمة وتزايدها المستمر خاصة فيما بتعلق بالجرائم البسيطة أو الاقل خطورة، ونتيجة لذلك تزايد عدد القضايا المطروحة أمام القضاء مقارنة بالموارد والامكانيات البشرية والمادية والمالية المسخرة لذلك ، وهذا كله أدى إلى ظهور ما يعرف بأزمة العدالة الجنائيةcrises Justice Criminal سواء على مستوى التجريم والعقاب المحاكمة والمتابعة، وهذا ما أضعف دور العدالة الجنائية في مكافحة الظاهرة الاجرامية بشكل فعال، ما دفع بالمشرع الجنائي في العديدة من دول العالم إلى البحث عن بدائل تتسم بالرضائية والتصالحية والتفاوض وتبسيط اإلجراءات والتخفيف من تعقيداتها وبطئها، ومن هنا تم طرح فكرة العدالة التصالحية justice restorative والتي أثبتت أنها أكثر مرونة وفعالية لحل العديد من المشاكل التي واجهتها العدالة الجنائية على غرار الإشكالات السابقة الذكر. حيث ينظر للعدالة التصالحية على أنها مفهوم يحاول أعادة تشكيل الطريقة التي ينظر بها إلى الجريمة ونتيجة لذلك الطريق التي تتحقق بها العدالة، فهي نظام يضع الضحية والجاني في مركز أي عملية عادة كما أنها تنظر إلى الخطأ أو الجريمة من حيث أنها تضر بالعالقات وبالتالي محاولة استعادتها وا إصلاحها، و تعتبر الفرد أداة لتحقيق التنمية وهذا يمكن الوصول إليه بأساليب العدالة الجنائية التقليدية كعقوبة السجن أو الحبس والتي أثبتت العديد من الدراسات أنها وسائل عقابية تثقل كاهل الخزينة العامة للدولة، وتؤثر على عجلة التنمية في مختلف المجالات ومن هنا نتساءل عن دور العدالة التصالحية في تحقيق التنمية المستدامة؟ وقد اقتضت دراسة ورقتنا البحثية االاعتماد على المنهج الوصفي الذي يقوم على استعراض برامج و مبادئء نظام العدالة التصالحية، والتقارير والتقييمات التي أعدت بشأنه من خلال مؤتمرات الجمعية العامة لألمم المتحدة وغيرهم، إضافة إلى المنهج التحليلي في محاولة ابراز العالقة الحتمية بين وجود عدالة تصالحية و الوصول إلى تنمية مستدامة من خالل الربط بين أهداف ونتائج العمليات التصالحية من جهة وأهداف التنمية كالوصول بالمجتمعات إلى السلم والأمن والمصالحة وسيادة القانون والنهوض بالاقتصاد من جهة أخرى.
1- 1العدالة التصالحية المفهوم والنشاة:
تقوم العدالة الجنائية على تطبيق القانون القائم على إنزال العقوبة اللازمة والمقررة للفعل المجرم الذي ارتكبه المذنب اتجاه الصحي، والادانة وبالتالي تحقيق الردع سواء الخاص أو العام وذلك من أجل ضمان سلامة المجتمع واستقراريته وتحقيق الأمن، طبعا من دون الاخلال أو التجاوز الى ضمانة يكفلها القانون الوطني وحتى الدولي كالمواثيق والصكوك الدولية الخاصة بأطراف الخصومة بين المجرم والضحية، غير أن هذا لم يمنع من وجود أزمة في العدالة الجنائية والتي عانت منها مختلف دول العالم بسبب التزايد في عدد الجرائم والانواع المستحدثة من السلوك اإلجرامي والدعاوى الجنائية ” العمومية “، التي شكلت في مجملها عبئا على الاجهزة المختصة من نيابة عامة ومحاكم وشرطة، زيادة على طول الإجراءات فكان على الفقهاء والمختصون البحث عن اتجاهات واصلاحات أخرى لتجاوز وتدارك هذه الأزمة، حيث أن النظام الجنائي التقليدي يمكن الأطراف أن يقوموا بأي دور مرتبط بالإجراءات الجنائية والتي تباشرها النيابة العامة فقط دون غيرها ، ومن ثم جاءت فكرة العدالة التصالحية كـ ” مفهوم يحاول تشكيل الطريقة التي ينظر بها إلى الجريمة ونتيجة لذلك الطريقة التي يتم بها تحقيق العدالة” .
إذا كانت تقوم العدالة الجنائية على تطبيق القانون القائم على إنزال العقوبة اللازمة والمقررة للفعل المجرم الذي يرتكبه المذنب ، والإدانة وبالتالي تحقيق الردع سواء الخاص أو العام وذلك من أجل ضمان سلامة المجتمع واستقراريته وتحقيق الأمن، طبعا من دون الإخلال أو التجاوز لأي ضمانة يكفلها القانون الوطني وحتى الدولي كالمواثيق والصكوك الدولية الخاصة بأطراف الخصومة (المجرم والضحية) ،غير أن هذا لم يمنع من وجود أزمة في العدالة الجنائية والتي عانت منها مختلف دول العالم بسبب التزايد في عددالجرائم والأنواع المستحدثة من السلوك الإجرامي والدعاوى الجنائية ” العمومية “، التي شكلت في مجملها عبئاعلى الأجهزة المختصة من نيابة عامة ومحاكم وشرطة، زيادة على طول الإجراءات فكان على الفقــــــــــــهاءوالمختصون البحث عن اتجاهات وإصلاحات أخرى لتجاوز وتدارك هذه الأزمة.
1-2تعريف العدالة التصالحية في الاصطلاح :
من الملاحظ إن عبارة الـــــــــــــــــعدالة التصالحية تتشكل من مصطلحين ” العــــــــــدالة ” و ” الصلح “: ويقــــــــــــــــــــصدبالعدالة في اللغة : من الفعل (عدل) : الَّش ْيء أََقاَمه وسواه يَقال عدل اْلِمْكَيال َواْلِميَازن َواْلحكم أَو ال ّطلب َغيره ِبَما هَو أولى ِعْنده و (اْلعْدل) اِْلإْن َصاف َوهَو ِإ ْع َطاء اْلَمْرء َما َله َوأخذ َما َعَلْيِه َويَقال اْمَأَرة عدلة أَْيضا والمثل والنظير َواْل َجَازء َواْلِفَداء و (اْلَعَداَلة ِفي الفلسفة) ِإ ْحَدى اْلَف َضاِئل اْلأَْرَبع اَّلِتي سلم بَها الفلاسفة من قديم َوِهي اْل ِحْكَمة والشجاعة والعفة َ،أما الصلح لغة فهو : صلاحا وصلوحا، َازَل َعنه اْلفساد َوالَّشيء َكاَن َناِفعا أَو مناسبا يَقال َهَذا الشيء.
1-3تعريف العدالة التصالحية في اللغة :
تقوم العدالة التصالحية على أساس أن الجريمة ليست مخالفة قانونية تستدعي الإدانة العلنية، ولكن أيضا تمثل ضررا وأذى لأشخاص وعلاقات تحتاج إلى إصلاحها، فغالبا ما يعتبر الضحية أن التبعية الجزائية تكون موجهة للجاني نتيجة لانتهاكه القانون وليس لإلحاقه الضرر بالشخص كما يحتاج الجناة إلى فرصة للتعويض عن أفعالهم المجرمة وقبولهم مرة أخرى في المجتمع .أي أن العدالة التصالحية تنظرللأفعال المجرمة على أنها تضر بالعلاقات وبالتالي تهدف إلى استعادتها ،وبالرغم من ذلك فإنه يصعب إيجاد تعريف جامع ومانع ووحيد لمصطلح العدالة التصالحية، وذلك راجع إلى التطور المستمر في مجال الأنظمة والعلميات التي تدخل ضمن سياق العدالة التصالحية وتطبيقاتها.
حيث أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره لعام 24جويلية 2002على أن: “العدالة التصالحية هي استجابة متطورة للجريمة تحترم كرامة كل شخص ومساواة كل شخص، تبني التفاهم وتعززالوئام الاجتماعي من خلال علاج الضحايا والجناة والمجتمعات ،كما يقصد بتعبير “عملية تصالحية ” Restorative processأي عمليـة تتيـح للضحيـة والجــاني،وحيثمــا كــان ذلـك مناســبا، أي مــن الأفــراد أو أعضـاء المجتمع المحلـي الآخريـن المضـارين بالجريمـة، أن يشـاركوا معـا مشـاركة فعالـة في تسـوية المسـائل الناشـئة عـن تلــك الجريمـة، . وقـد تشـمل العمليـات التصالحيـة الوسـاطة والتوفيـق واللقـاء الجمـاعي وجلسـات إصــدار الأحكام” ويمكن تعريف العدالة التصالحية ” بعدة طرق: إما كعملية، أو مجموعة من القيم والمبادئ والأهداف أو على نطاق أوسع يمكن تعريفها كحركة اجتماعية ،وقد ” برزت عمليات العدالة التصالحية كبدائل هامة لإجراءات العدالة الجنائية القائمة على الملاحقةالقضائية وكبدائل لاستخدام عقوبة السجن كوسيلة لمساءلة الجناة ” .12كما يمكن النظر للعدالة الجنائيةالتصالحية كعنصر مكمل للإجراءات الأكثر رسمية ،ويمكن تعريف العدالة التصالحية حسب رأي » « lode walgraveبأنها ” كل خيار أو إجراء موجه بالدرجة الأولى نحو إصلاح الضرر الذي تسببت فيه الجريمة واقامة العدل .
2- مبادئ العدالة التصالحية :
بالبحث في أساس العدالة التصالحية فأننا نجد جذورها في الشريعة الاسلامية، ومدرسة الدفاع الشرعي التي كانت تتجه في مفهوما في سياسة جنائية إنسانية قائمة على المبادئ الإصلاحية وبالنظر إلى البحوث والدراسات العديدة يبدوالمبررات التي أسهمت في الاتجاه إليه، ولان الحديث في هذه المبررات يطول سنحاول أن نقتصر على أهم مبررين دفعا بالدول إلى الأخذ بنظام العدالة التصالحية والتي أطلق عليها أيضا بعدة تسميات ك: ” العدالةالتحويلية، العدالة العلائقية، العدالة المجتمعية التصالحية” كما يرى معظم الخبراء انه لا ينبغي النظر إليهاكنظام عدالة مواز بل عنصر مكمل لتدابير العدالة الجنائية التقليدية.
2-1التخفيض من نسبة التضخم على مستوى المحاكم والسجون :
أن التضخم العقابي ” ” penal inflationظاهرة مست كل دول العالم وذلك نتيجة للسياسة العقابية القائمة على القمع والرد عن طريق توقيع العقوبة لمواجهة الظاهرة الإجرامية، وهذا ما سبب تضخما على مستوى التشريع والمحاكم والسجون، فمثلا العدد المتزايد للقضايا التي يبث فيها القضاة يحول دون دراستها، وهذا التزايد ناتج عن تدخل الدولة باعتبارها صاحبة السلطة في توقيع العقاب، عن طريق توسيع دائرة التجريم لتشمل أحيانا أفعالا بسيطةقد لا تشكل تهديدا خطي ار على استقرار المجتمع وأمنه، وبالتالي الاسراف في استخدام الدعوى العمومية ومن ثم طول الإجراءات الجنائية مما يسبب شللا على مستوى المحاكم .أيضا العقوبة السالبة للحرية وما تسببه من اكتظاظ للسجون حيث يشكل هذا الأخير عائقا لتحقيق المقاييس الأساسية لحقوق الإنسان.
كما أن هذا الاكتظاظ” يسبب قصور في أداء السجن لدوره الإصلاحي الذي أنشئ من أجله فالعقوبةالسالبة للحرية تتيح اختلاط المحكوم عليه بالعديد من المجرمين الآخرين وسلوكياتهم، مما يزيد من إمكانيةالتأثر بالسلوكيات الإجرامية، وبما قد يقلل من جهود إعادة التأهيل” “.20ونظرا لما تشهده المجتمعات من تزايد مستمر في معدل الجريمة وبسبب عجز آليات مكافحتها التي تمتاز بالكلاسيكية عن الحد منها، كان لابد من ظهور آليات جديدة لمعالجة أزمة السياسة الجنائية.
2- 2 تحقيق العدالة والشفافية :
إن عدم إمكانية النظر والفصل في الدعاوى الجنائية المرفوعة أمام الجهات المختصة إلا بعد وقت طويل بسبب طول الإجراءات وكثرة القضايا يضر بأطراف النزاع ” الجاني والمجني عليه .” فالسرعة في سير الاجراءات الجزائية يصل بنا إلى الحفاظ على حقوق الجاني وتحقيق مصلحته، من خلال تجاوزالضرر الذي يترتب عن التأخير في سير الإجراءات والبث في التهم المنسوبة إليه من جهة كما تحفظ حقوقالمجني عليه من خلال حصوله على التعويض المناسب في الوقت المناسب وتشعره بتحقيق العدالة الفعالة وتتحقق بذلك المصلحة العامة، كما أن تطبيق عمليات العدالة التصالحية يساعد في معالجة انعدام ثقة الناس في تطبيق العدالة من خلال إشراك أطراف النزاع في حله بشكل ودي قائم على التفاوض والحوار والمساءلة .
3-اثر العدالة التصالحية على السياسات الاجتماعية:
ترى العديد من الدول المتقدمة والنامية بأنه يمكن التخلي عن عقوبة السجن مادام أن هناك حكم أخريحقق أهداف توقيع وان ازل العقوبة .26ويتفق هذا الرأي مع أنظمة العدالة التصالحية كالوساطة والصلح، حيث تساهم هذه الطرق في الوصول إلى حلول مرضية لأط ارف النزاع وكلاهما يقوم على الرضائية والحواروالتفاوض، وتتيح للأطرف التقابل وجها لوجه من خلال جلسات عديدة. وهذا ما يسمح بتحسين الحالةالنفسية لكلا الطرفين ويقضي على شعورها السلبي كالحقد والرغبة في الانتقام وغيرها مما يسهم في نشرالسلم وفكرة المصالحة في المجتمع.
كما أن معظم عمليات واج ارءات هذا النظام تقوم على العنصر التصالحي، الذي يقتضي أن يسدد الجاني مقابلا ما إلى الضحايا أو المجتمع المحلي. كما يؤدي الحد من معاودة الإجرام ” العود إلى الجريمة” إلى تخفيض الضغط القائم على نظام العدالة، وتقليص التكاليف والمصاريف بهذا الشأن، إضافة إلى تحقيق الأمن المجتمعي .ولا يمكن الوصول إلى ذلك إلا باتخاذ إجراءات تضمن إعادة تأهيل المجرمين وادماجهم في المجتمع كمواطنين صالحين منتجين وملتزمين بالقوانين .غير أن تلك الإجراءات لا تكون نافعة ومجدية إلا بوجود بيئة مناسبة، فاكتظاظ السجون مثلا يجعلهاتفتقر إلى القدرات والموارد المادية والبشرية لتزويد السجناء بما يتناسب معهم من علاج وتأهيل ودعم وبالتالي لا يتحقق هذا التأهيل إلا بإعمال الإجراءات والجزاءات غير الاحتجازية خاصة في الجرائم البسيطة
3-1العدالة التصالحية وهدف التعلم والصحة والاقتصاد :
تؤثر عقوبة السجن والحبس على تعلم الأطفال وتطورهم النفسي والمعرفي والمعنوي، حيث تمثل الطفولة مرحلة حرجة جدا وبالتالي وضع بدائل للملاحقة القضائية وان انزال العقوبة عليهم أمر ضروري جدا، ومن المعترف به عالميا وفي الإطار الحكومي الدولي وفي المجتمع المدني، أن التنمية المستدامة بمافي ذلك النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر لا يمكن تحقيقهما إلا على أساس احت ارم حقوق الإنسان وسيادةالقانون والتنمية، وهما أم ارن مترابطان بقوة ويعزز كل منهما الأخر .
فالعلاقة بين وجود مجتمعات أمنة من الجريمة والاقتصاد تعد علاقة تواؤمية حيث لا يمكن الفصل بينهما فإذا تدهور الأمن سينتكس الاقتصاد كنتيجة حتمية .32حيث تتسبب الجريمة في إحداث أضراراقتصادية واجتماعية، إضافة إلى العديد من النفقات والأعباء التي تتحملها الدولة بهدف مكافحتها والحد من أثارها أضف إلى ذلك نفقات القضاء والشرطة والسجون والإصلاحيات، وهذا كله يشكل عبء على الدخل ،القومي ومسيرة التنمية .33فإذا كان المجتمع يمر بحالة من الفوضى والخلافات والجرائم المختلفة من قتل وسرقة واعتداء على الأموال العامة والخاصة والأعراض فكيف يكون هناك نمو اقتصادي وتنمية ،كما أن السياسة الجنائية التقليدية القائمة على الملاحقة القضائية والعقوبات السالبة للحرية تؤثربطريقة غير مباشرة على النمو الاقتصادي وجودته، فعندما نقوم بإيداع نسبة معينة من الجناة ومرتكبي السلوك الإج ارمي السجن نكون بذلك قمنا بتعطيل العديد من عمليات الإنتاج والعمل، “فالتكاليف الباهظةالتي تتحملها المجتمعات المعاصرة للوقاية من الجريمة وملاحقة المجرمين ومعاملة المذنبين فاقت الحدودالمعقولة، و تجاوزت قدرات الدول والشعوب وانعكست أثارها المالية على مشاريع التنمية الاجتماعية وأسباب رفاهية الإنسان .فارتفاع متوسط تكلفة السجين تستدعي منا إعادة التفكير في اعتماد هذه المبالغ المكلفة في إقامة مشاريع تنموية وتعليمية، لاسيما وان معظم الأشخاص المسجونين عادة ما يكونون من الفئة الفقيرةوالمحرومة من خدمات التعليم والرعاية والعمل ،و لقد جاء في تقرير الأمين العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 11للجنة منع الجريمة.
والعدالة الجنائية المنعقدة بفينا 16أفريل 2002بشأن إصلاح نظام العدالة الجنائية، أن العدالة التصالحيةقد بحثت ونفذت بدرجة ما في جميع البلدان والمناطق وهي غالبا ما تعتبر أقل تكلفة وأكثر فاعلية منخيارات العدالة الجنائية التقليدية. وهي بذلك تساهم في تقليل النفقات عن طريق التقليل من إعادة الإجرام وابعاد أطراف النزاع عن الملاحقة القضائية.
على مستوى الدول الغربية أو العربية لتقييم مدى نجاعة عمليات العدالة التصالحية في الوصول إلى تحقيق العدل والمساواة وسيادة القانون ورضا المجتمعات، والوصول بها إلى التنمية على جميع المستويات .
3-2 تأثير العدالة التصاحية على الأنظمة القانونية :
هناك اهتمام بالغ أظهرته الدول الغربية بخصوص نظام العدالة التصالحية، من حيث الدراسات والبحوث العديدة والمتابعة لعمليات العدالة التصالحية وجمع الإحصائيات وغيرهم، نذكر من بين ذلك الدراسة ،التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2017والتي تضمنت 84تقييما لفحص مدى فاعلية مبادئ العدالة التصالحية في قضاء الأحداث، وقد أظهرت أن هناك انخفاض في معدل العود للجريمة وأن مرتكبي الجرائم الذين شاركوا في برامج العدالة التصالحية لديهم معدلات أقل للعودة إلى الإجرام من الذين خضعواللإجراءات القضائية التقليدية .38كما أظهرت النتائج امتثال الجناة لرد الحقوق والتعويضات المناسبة عن الأضرار ورضا المشاركين وشعورهم بالإنصاف وتحقيق العدالة .
وهناك دراسة أجريت في جنوب إفريقيا حيث أظهر المشاركون في عمليات واجراءات العدالةالتصالحية أنهم راضون عن ذلك وان العملية التصالحية استجابت لحاجات الجناة والضحايا، من خلال السماح لهم بالتقابل وجها لوجه عبر أجراء الوساطة الذي أتاح لهم فرصة تبادل المعلومات والعثور على إجابات لأسئلتهم والتعبير عن معاناتهم وغيرها، نظام العدالة التصالحية في كندا أيضا أثبت فعاليته من خلال الإحصائيات التي تم الحصول عليهاعند تطبيق العدالة التصالحية، والتي كانت نتائجها تحسين حالة الضحية وتشجيع المجرمين على تحمل لمسؤولية عن أفعالهم وانخفاض معدل العود للجريمة .وفي فرنسا توصل” ” jacques leconteالرئيس الفخري للجمعية الفرنسية الفرنكفونية لعلم النفس الايجابي أن حوالي 72بالمائة من الدراسات تظهرانخفاض في العودة للأجرام مقارنة بالنتائج التي حصل عليها من خلال العدالة الجنائية التقليدية، وأن العودةإلى الإجرام في حالة تطبيق عمليات العدالة التصالحية كالوساطة بين الجاني والضحية تنخفض بنسبة ٪26مقارنة بـالقضايا التي تم تناولها في العدالة التقليدية .
أن عمليات العدالة التصالحية نجد جذورها في الشريعة الإسلامية وبالتالي يمكننا القول أن الدول العربية كان لها السبق في تفعيل هذه العمليات، استنادا لمبادئ الشريعة والعرف والعادات والتقاليد أي أنها لم تكن مقننة ومنصوص عليها في التشريعات بشكل رسمي، كما نجد أن نظام العدالةالتصالحية أكثر تطبيقا عند فئة الأطفال. فلسطين مثلا أدخلت عملية الوساطة في قضايا الأحداث كتقنية تتماشى مع السياسة الجنائية المعاصرة حيث بلغ في عام 2016عدد القضايا التي عولجت بالوساطة 171قضية وارتفع عدد القضاياليصل إلى 602في عام 2017و 814في عام .442018وهذا يدل على نجاح عملية الوساطة في حل الخلافات بشكل ودي، واقبال أطراف النزاع على اللجوء إلى هذا الإجراء بدلا من إجراءات المتابعة القضائية.وفي عام 2018بلغ عدد الشكاوى الفردية التي سجلتها وحدة تسوية النزاعات 887حالة حيث تم حل 373منها من قبل الوحدة و 244منها أحيلة للمحاكم، و في سنة 2017تمكن مركز” وئام ” وهو مركز غيرحكومي يهدف إلى مساعدة الفلسطينيين على حل النزاعات من خلال الحوار والمصالحة والوساطة من معالجة حوالي 420نزاع بنسبة نجاح حوالي 85بالمائة .
في الأردن تعاون مكتب الجمعية العامة للأمم المتحدة مع مراكز الإصلاح والتأهيل على وضع مخططات تتماشى مع برامج إعادة التأهيل والإدماج، لتحقيق أهداف العدالة التصالحية والحد من العودة للإجرام وفقا للمعايير الدولية .وفي تونس بلغ عدد قضايا الصلح في الوساطة في المادة الج ازئية منذ دخول القانون الذي أقرها حيزالتنفيذ سنة ،2009حيث تم حفظ 840قضية بالوساطة واعتبارا لنجاح هذا الإجراء واستقرار العمل به تم رقم تعديل القانون 77-68لسنة 2009والذي تم بواسطته التوسيع في قائمة الجرائم التي يمكن ان تكون محل صلح بالوساطة.ووفقا لتقرير صدر عن مركز المصالحة التابع لوزارة العدل السعودية، أن عدد القضايا المحالة إلى مكاتب المصالحة خلال عام بلغت 92287قضية، انتهت 32032قضية منها صلحا، فيما أعيدت52849قضية إلى الدوائر القضائية لعدم الصلح، كما حفظت مكاتب المصالحة فى جميع محاكم المملكة30895قضية لعدم مراجعة أطراف القضية .
أهداف من العدالة التصالحية :
الهدف الاول : إن اعتماد نظام العدالة التصالحية خطوة ايجابية وحميدة تساعد على تجاوز أزمة العدالة الجنائية والتقليل من أرقام الجريمة وأثارها السلبية وتحقيق التعايش السلمي والاستقرار المجتمعي.
الهدف الثاني : تلعب العدالة التصالحية دورا فعالا ومركزيا في تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030لما تقوم عليه من دور إصلاحي للعدالة الجنائية فيما يتعلق بمنع الجريمة واعادة إدماج الجرمين والضحايا.
الهدف الثالث : تسير كل من العدالة التصالحية والتنمية في اتجاه متواز وكلاهما يكمل بعضه البعض، فإن سيادةالقانون وحفظ الحقوق والحريات واقامة العدل يؤدي إلى تحقيق التنمية والتطور في شتى المجالات.
الهدف الرابع : إن العدالة الجنائية التقليدية وأساليبها تستنزف الكثير من أموال خزينة الدولة التي كان من الممكن جدا توجيهها نحو إقامة مشاريع تنموية واستثمارية.