العدالة التصالحية والوساطة الحلقة الرابعة : الوساطة /المفهوم والأهداف والمميزات

إعداد :عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تعد الوساطة وسيلة لتسوية المنازعات بين المدين المتعثر ودائنيه، تنتهي بإبرام اتفاق تسوية يوقعه أطرافه ويصدق عليه رئيس إدارة الإفلاس، ويمنحه قوة السند التنفيذي. وتهدف الوساطة إلى تخفيف العبء عن المحاكم، كما تهدف إلى الأخذ بيد المشروع المتعثر ومساعدته على النهوض من كبوته، وحصول الدائنين على حقوقهم بشكل مرضي بما يحقق المساواة بين الطرفين، والمحافظة على استمرار العلاقات الودية بين الطرفين .
1-1مفهوم الوساطة :
تعرف الوساطة في القاموس القانوني “معجم القانون الخاص” بأنها “تقنية إجرائية لحل النزاعات التى تنشأ بين الأشخاص أو التى يرغبون في منع نشوبها باستخدام المساعي الحميدة لشخص يسمى الوسيط، وتتم الوساطة إما من قبل الأطراف خارج أي إجراءات قانونية أو تقررها المحكمة التى رفع النزاع أمامه .
تعد الوساطة حسب مفهوم غرفة التجارة الدولية في باريس )” (ICCهي الصيغة التي بمقتضاها يتدخل الغير المحايد بصفته مسهًلا بغية مساعدة الأطراف أو الفرقاء المتنازعين في بذل الجهود للوصول إلى تسوية ودية لنزاعهم عن طريق التفاوض.
وقد عرف القانون الكندي الوساطة بأنها “طريقة لتسوية النزاعات بين شخصين أو أكثر، توافق الأطراف المعنية على العمل مع شخص غير متحيز يسمى “الوسيط” والذى يساعدهم في إيجاد أرضية مشتركة .
وقد عرف القانون الكندي الوساطة بأنها “طريقة لتسوية النزاعات بين شخصين أو أكثر، توافق الأطراف المعنية على العمل مع شخص غير متحيز يسمى “الوسيط” والذى يساعدهم في إيجاد أرضية مشتركة”(.)8
وقد عرف المشرع الإمارتي الوساطة بأنها “وسيلة اختيارية وبديلة للتسوية الودية للمنازعات المدنية والتجارية التى نشأت أو التى قد تنشأ بين أطراف علاقة قانونية عقدية كانت أو غير عقدية، ويستعينون فيها بطرف ثالث محايد (الوسيط)، سواء كانت تلك الوساطة قضائية أو غير قضائية، وينظمها قانون اتحادي خاص بها .
أما عن التعريفات الفقهية فعرفت الوساطة بأنها نظاًما يهدف إلى حل المنازعات بين الأطراف وتقييم المراكز القانونية لأطراف النزاع تحت غطاء السرية كحل اتفاقي بديل إلى جانب الحل القضائي الأصلي والتركيز على المشتركات بين الخصوم وتقويتها وانهاء الن ازع من قبل شخص يسمى الوسيط .
كما أن الوساطة آلية تقوم على أساس تدخل شخصي ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين بحيث يعمل هذا المحايد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتسهيل التواصل بينهما وبالتالي مساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لحكم النزاع .
وفي تعريف آخر هي محاولة رضائية لتسوية النزاع عن طريق حلول نابعة من الأطراف المتنازعة بمساعدة شخص ثالث محايد يسمى الوسيط، يسهل عملية التفاوض بين الأطراف في جلسات خاصة ومشتركة، بهدف التوصل إلى تسوية نهائية أو جزئية مقابل ما يقدمه الأطراف من تنازلات.
كما تهدف الوساطة لتحقيق عدالة خاصة، تقوم على أسس مختلفة غير تلك التى يقوم عليها قضاء الدولة فهي عملية تساعد على سرعة اقتضاء الحقوق ووصول الأطراف إلى نقطة التقاء، تتحقق عندها رغباتهم، وهي بذلك تختلف عن سير الخصومة في الهيئات القضائية أو هيئة التحكيم .
كما تهدف الوساطة لتحقيق عدالة خاصة، تقوم على أسس مختلفة غير تلك التى يقوم عليها قضاء الدولة فهي عملية تساعد على سرعة اقتضاء الحقوق ووصول الأطراف إلى نقطة التقاء، تتحقق عندها رغباتهم، وهي بذلك تختلف عن سير الخصومة في الهيئات القضائية أو هيئة التحكيم.
وتعكس الوساطة الصورة الأمثل للعدالة الفعالة، نظًار لما تسفر عنه هذه الوسيلة من حلول مبتكرة تلقى غالًبا قبوًلا من أطراف النزاع لاستنادها على قواعد العدالة والإنصاف ولسهولة إجراءاتها وقلة تكلفتها، مما يجعلها إحدى الطرق المميزة والرائدة في مجال فض المنازعات الاستثمارية، وأكثر من ذلك حيث تؤدي إلى منع نشوب أية خلافات مستقبلية بين الأطراف .
كما ترجع أهمية الوساطة في مرونتها، ومرونة دور القاضي حيالها؛ إذ لا يقضي بمقتضى القوانين واللوائح التى تتسم بالجمود، إنما يقوم القاضي بتقريب وجهات نظر المتنازعين، واقتراح الحلول المناسبة لإنهاء النزاع عليهم، وله اتخاذ ما ي اره مناسًبا لتقريب جهات النظر بهدف الوصول إلى اتفاق تسوية ملزم للطرفين.
يضاف إلى ذلك أن الأطراف هم من يحدد نتيجة نازعهم، من خلال اتفاق التسوية الذي يتم الالتزام به بدًلا من الخضوع لحكم محكمة قد لا يلقي قبول
الطرفين.
تعريف الوساطة الجزائية .
دراسة نموذج المصالحة العائلية و الوساطة الاسرية فرضــت التحــولات الأخــيرة والمتلاحقــة التــي شــهدها المجتمــع التونــي أســاليب جديــدة لمعالجــة القضايـا المحوريـة المؤثـرة، بصفـة مبـاشرة وغـير مبـاشرة، هـى الأسرة والعلاقـات داخلهـا، سـيما منهـا الاجتماعيـة والاقتصاديـة والثقافيـة والسياسـية. ولعـل مـن أبـرز هـذه القضايـا الفقـر والبطالـة وضعف المقـدرة الشرائيـة وغـلاء الأسـعار، إضافـة إلى تفشـي السـلوكيات العنيفـة والمحفوفـة بالمخاطـر في الأسرة والمجتمــع. وقــد أثّـرت هــذه التحــولات عــلى العلاقــات الأسريــة والاجتماعيــة بصفــة عامــة، مــما يســتوجب العمــل عــلى تطويــر قــدرات الأسرة وتأهيلهــا للاضطــلاع بأدوارهــا. بالإضافــة إلى ضرورة تنويــع طــرق وأسـاليب التدخــل وتوفــير وســائل العمــل الناجعــة للعاملــين لفائــدة الأسرة، التــي مــازالــت تعتــبر المؤسســة الاجتماعيــة الأولى، حيــث يتلقــى فيهــا الفــرد المبــادئ والقيــم التــي تؤهلــه للاندمــاج في المجتمــع بطريقــة ســليمة وبنــاءة.
وبالرغـم مـن الـدور المهـم للوسـاطة في المجـالات التجاريـة والماليـة، والجنائيـة حتـى، إلا أن أهميتهـا تـزداد كلّـما ّ تعلـق الأمـر بالمنازعـات الأسريـة نظـرا لطبيعـة العلاقـات التـي تربـط مكونـات الأسرة. كـما يكتـي موضـوع الوسـاطة الأسريـة أهميـة كـبرى بحكـم مـا تتيحـه مـن فـرص للعـدول عـن اللجـوء إلى القضـاء الرسـمي لطـول مسـاطره وكـرة قضايـاه، خاصـة أن الوسـاطة تبـدو أنسـب لحـل النزاعـات الأسريـة التـي يُسـتحب إعـمال إمكانيـة الحلـول الوديـة لحسـم النزاعـات الناشـئة بـين أفرادهـا.
وتسـهم الأدوات القانونيـة والإجـراءات المتضمنـة في الوسـاطة الأسريـة في الاسـتغناء عـن القضاء بمسـاطره التقليديـة المعقـدة، كـما ّ تتيـح للأطـراف إمكانيـة المشـاركة في حـلّ النزاع الأسري بنـاء علـى مـا تتيحـه ثقافـة الحـوار وقيـم السـلم المجتمعـي. فهـي توفّـر مناخـا ملائمـا للمبـادرة الاجتماعيـة لـرأب الصـدع في ظـروف يمكـن الاطمئنـان إلى عدالتهـا. لهـذا، تكتسـي الوسـاطة أهميـة بالغـة في المجـال الأسري باعتبارهـا مجـالا للحـوار ومسـاعدة أفـراد الأسرة عـى إيجـاد حـل متـوازن ومقبـول لحـل نزاعاتهـم .
2-1 مفهوم المصالحة العائلية :
تعتـبر ّ المصالحـة مـن الوسـائل البديلـة لفـض ّ النزاعـات العائليـة، والتـي تشـكل وسـيلة فضـى بديلـة أو مكملـة لقضـاء الأسرة معنيـة بإيجـاد الحلـول المناسـبة للخلافـات العائليـة بـين الأزواج أو بـين الأقـارب أصـولا وفروعـا. وعـى العمـوم، يمكـن تعريـف الوسـاطة العائليـة بكونهـا آليـة للحفـاظ أو لاسـتعادةّ الروابــط الأسريــة وتجنــب العواقــب المترتبــة عـلـى احتــمال تفــكك الأسرة، وذلــك بتقليــل الســلبيات المرتبطـة بالطـلاق أو بانحـلال العائلـة بصفـة عامـة.
وفي تعريفــات أخــرى، تعتــبر المصالحــة العائليــة بنــاء أو إعــادة بنــاء الروابــط العائليــة علــى أســاس اسـتقلالية ومسـؤولية الأطـراف المتأثريـن بحـالات مـن التمـزق والانفصـال العائـلي، عـبر اللجـوء إلىُ طـرف محايـد ومسـتقل وذو كفـاءة ودون أن تكـون لـه سـلطة اتخـاذ قـرار. ويوفـر الوسـيط العائـلي، عــبر تنظيمــه لمقابــلات تــدور في كنــف السريــة، مناخــا للتحــاور والتعامــل مــع النزاعــات العائليــة بجميـع مـا تحتويـه مـن اختلافـات وتطـورات .
2-2 نوعا المصالحة العائلية:
.2-3المصالحة الطوعية:
مـن أهـم مبـادئ المصالحـة العائليـة هـو مبـدأ التلقائيـة، بمعنـى أن هـذا الإجـراء هـو إجـراء طوعـي وتلقـائي يلجـأ لـه أفـراد العائلـة قصـد تمكينهـم مـن تجـاوز خلافاتهـم الأسريـة تفاديـا لأي انشـقاق عائـلي، خاصـة في مـا يخـص تصـدع الرابطـة الزوجيـة بالطـلاق، وتجنبـا لمـا يتتبـع ذلـك مـن عواقـب وخيمـة. وحتـى في صـورة انفصـام العلاقـة الزوجيـة ووقـوع الطـلاق بـين الطرفـين، يكـون اللجـوء إلى المصالحـة العائليـة ذي جـدوى بالنسـبة للزوجـين المنفصلـين، وذلـك قصـد مسـاعدتهما علـى التوصـل إلى صلـح حـول آثـار الطـلاق وتشـجيعهما علـى اعتـماد حلـول رضائيـة تتـماشى ومصلحـة الأطفـال.-
2-4المصالحة المأذون بها:
ويقصـد بهـذه المصالحـة تلـك التـي يـأذن بهـا القضـاء كلـما ظهـرت بـوادر لحـل الخـلاف الشـخي وديـا بـين الطرفـين. فيعـ ّين القـاضي في هـذه الحالـة مصالحـا معترفـا بـه يعهـد إليـه بالمصالحـة وتقديـم نتيجــة أعمالــه للمحكمــة للمصادقــة عـلـى مــا تــم التوصــل إليــه، أو مواصلــة إجــراءات التقــاضي في حالـة مـا لم يتـم الوصـول إلى حـلّ ويكــون للمصالحــة العائليــة في هــذه الحالــة دور مســاعد للقضــاء، إذ يمكــن للقــاضي، عنــد الاقتضــاء، أن يسـتعين قبـل إصـدار حكمـه بـرأي أهـل الاختصـاص وبتجربـة أهـل الخـبرة كلـما اسـتعى أمـر مـن
المسـائل الواقعيـة المطروحـة علـى نظـره. كـما يجـوز لـه أن يكلّـف غـيره ممـن يأنـس في شـخصه الثقـة
والكفـاءة بالتدخـل بالصلـح بـين الطرفـين المتنازعـين، خاصـة إذا كانـا مترابطـين بـأواصر القرابـة العائليـة .
ثالثا. شروط ممارسة المصالحة العائلية
تتمثل الشروط التي لا يمكن بدونها ممارسة المصالحة في:
.1الشروط العامة:
وهـي أن يكـون المصالـح شـخصا عاقـلا، ورشـيدا، وحكيـما َّ ، ويحسـن التـرف بذاتـه، ونقـي السـوابق
العدليـة، مشـهودا لـه بحسـن سـلوكه وأخلاقـه بـين النـاس واشـتهر بذلـك ردحـا مـن الزمـن، حتـى
تـزول عنـه القـوادح التـي يمكـن أن يقـدح بهـا في غـيره.
.2المؤهلات الخاصة:
وتتمثل في مجموعة من المؤهلات الجوهرية المتعلقة بـ:
● الحيــاد والاســتقلالية والكفــاءة، إذ يفــترض في المصالــح أن يكــون بعيــدا عــن الشــبهات والقــوادح
المتعلقـة بالقرابـة أو العـداوة أو غيرهـا مـن المسـائل التـي من شـأنها المسـاس بحيادتيه واسـتقلاليته
عـن أطـراف النـزاع؛
● الكفـاءة والدرايـة والدربـة عـى حـل النزاعـات العائليـة، كأن يثبـت أنـه صاحـب خـبرة في الميـدان
الاجتماعــي أو القضــائي مــن خــلال مباشرتــه قضايــا الأسرة والأطفــال أو يثبــت أنــه تلقــى تعليــما
عاليـا في احـدى المعاهـد أو الكليـات الوطنيـة أو الأجنبيـة جعلتـه حائـزا عـى شـهادة علميـة تخولـه
ممارسـة المصالحـة العائليـة .
3-1الإطار المرجعي والقيمي للوساطة الأسرية :
وقـد شـهدت الـدول الغربيـة انتشـارا واسـعا وتطـورا ملحوظـا للطـرق البديلـة لحـل النزاعـات في شـتى
المياديـن، خاصـة الأسريـة منهـا. وقـد كانـت انطلاقـة تجربـة الوسـاطة الأسريـة، تحديـدا، مـن الـدول
الأنجلـو ساكسـونية، لتنتـشر في باقـي الـدول الغربيـة الأخـرى. ولعـل لجـوء مثـل هـذه الـدول إلى هـذه
النظـم راجـع بالأسـاس إلى انسـجام الأسـس المرجعيـة والقيميـة المتضمنـة في آليـات ووسـائل الوسـاطة
مـع طبيعـة المجتمعـات الأنجلـو ساكسـونية وحاجياتهـا الاجتماعيـة والثقافيـة.
كـما يكمـن السـبب وراء انتشـار الإقبـال عـى نظـم الوسـاطة الأسريـة في المجتمـع الأمريـي والبريطـاني،
وباقـي الـدول الأنجلـو ساكسـونية، الطابـع المحافـظ لهـذه المجتمعـات، والتـي يحظـى فيهـا المعطيـان
الدينـي والأخلاقـي بتقديـر معتـبر مقارنـة ببعـض الـدول الغربيـة الأخـرى.
وعـى العمـوم، تتأسـس المنظومـة المرجعيـة والقيميـة لآليـة الوسـاطة الأسريـة عى نسـق قيم إنسـانية
ّ عالميـة تسـعى إلى حمايـة الفضـاء الأسري بمـا هـو فضـاء يكـرس قيـم البـذل والعطـاء بـدون مقابـل بـين
ّ كل أفـراد الأسرة، باعتبارهـم أفـرادا لمؤسسـة اجتماعيـة واحـدة، وليسـوا مجـرد مراكـز قانونيـة تربـط بينهـم وحـدة قانونيـة تحـدد الحقـوق والواجبـات المتبادلـة لأطرافهـا، عـى أسـاس تعاقـدي صرف.
ويبــدو أن في هــذا الأســاس المكــين والمتحكــم في الوعــي والوجــدان الإنســاني مــا يبســط مزيــدا مــن الإمـكان للبحـث واعتـماد طـرق بديلـة لحـلّ النزاعـات الأسريـة عـى أرضيـة التوافـق والـتراضي المعنيـة أساسـا بالمصلحـة الفضـى لـلأسرة وللأبنـاء.
وفي ذات السـياق، تجـد الوسـاطة الأسريـة في التجربـة العربيـة والإسـلامية أصولها في المنظومـة المرجعية والقيميـة الإسـلامية التـي تحـث عـلى ضرورة السـعي بالصلـح بـين النـاس وإصـلاح ذات البـين في غـير مـا آيـة مـن آيـات الذكـر الحكيـم أو حديـث مـن أحاديـث السـنة النبويـة الشريفـة، أو في مـا أُثـر عـى الصحابـة والتابعـين رضـوان اللـه عليهـم، أو بإقـرار مـا انعقـد عليـه إجـماع علـماء المسـلمين مـن حيـث حكـم جـواز الصلـح ونـدب السـعي في إصـلاح ذات البـين قبـل اللجـوء إلى القضـاء.
كـما تسـتند آليـات الوسـاطة الأسريـة، ومجمـل الآليـات البديلـة، إلى منظومـة القيـم الإسـلامية التـي تـزكي في المجتمعـات قيـم الصلـح والسـعي بـين النـاس بالخـير تمثُّـلا لأحـكام الـشرع الحنيـف، قرآنـا مجيــدا وســنة مطهــرة. وهــي القيــم المؤسســة عــلى مبــادئ تعظيــم صلــة الأرحــام وتزكيــة أخــلاق التراحـم وتجذيـر سـلوكيات التغافـر والتسـامح بـين النـاس، خاصـة أن المجتمعات المسـلمة قد اشـتهرت بأنهـا مجتمعـات «تراحميـة» تحتكـم إلى منظومـة قيميـة تعمـق في النـاس حـب الخـير والصلـح وجـبر الـضرر، بعيـدا عـن حسـم الإشـكالات والنزاعـات بلغـة القانـون والأحـكام القضائيـة .
3-2السياق التاريخي لتطور تجارب للوساطة الأسرية :
ومـع أن القضـاء يبقـى الوسـيلة الرسـمية الأسـاس لحـل النزاعـات، إلا أن تطـور مياديـن المـال والأعـمال التجاريـة والاسـتثمار الـدولي والوطنـي، وتنامـي النزاعـات الجنائيـة والاجتماعيـة والأسريـة المعروضـة عـى أنظـار القضـاة، كلّهـا معطيـات دفعـت بالتفكـير ّ جديـا نحـو اسـتدماج مجموعـة مـن الآليـات البديلـة لحـلّ المشـاكل والنزاعـات بعيـدا عـن مسـاطر القضـاء الطويلـة والمرهقـة، ليسـتأنس بهـذه الأنظمـة، خطـوة خطـوة، في المجـالات ذات البُعديـن الاجتماعـي والأسري.
.1على الصعيد الدولي:
تطــورت الأنظمــة البديلــة للقضــاء، وســاطة وتحكيــما وتوفيقــا، في مختلــف فــروع القانــون وأنــواع التقـاضي، بفضـل تزايـد الأصـوات الداعيـة إلى اعتمادهـا وترسـيمها، لمـا تتيحـه مـن إمكانـات تسـتجيب وتســارع وتــيرة الحيــاة وتشــعب علاقاتهــا الاجتماعيــة والاقتصاديــة والثقافيــة. وقــد بــدأ الاهتــمام بهـذه الأنظمـة ينمـو في الأوسـاط الاقتصاديـة الدوليـة والاتحـادات القاريـة والإقليميـة المعنيـة بحـلّ النزاعــات التجاريــة والماليــة بسرعــة وبــدون ثقــل إجــراءات مســاطر التقــاضي وتكاليفــه، في إطــار اعتـماد إمكانيـات التسـوية الوديـة للنـزاع، إذ نصـت عـى هـذه المقتضيـات العديـد مـن المعاهـدات الدوليـة المرتبطـة، أساسـا، بمياديـن المـال والأعـمال.
وبعــد النجــاح الــذي شــهده إعــمال الآليــات البديلــة في المجــالات الاقتصاديــة والاســتثمارية وبعــد المجـالات الاجتماعيـة، بـدأت تسـترعي الوسـاطة، بشـكل عـام، اهتـمام العديـد مـن المهتمـين بالشـأنين الاجتماعـي والأسري، خاصـة بعـد الوقـوف عـى التحـولات العديـدة التـي شـهدتها الأسرة في النصـف الثـاني مـن القـرن .20وقـد أقبلـت عـى هـذا النظـام، أول الأمـر، الـدول الأنجلـو ساكسـونية، حيـث اعتمــدت الولايــات المتحــدة الأمريكيــة بدايــة ســبعينات القــرن المــاضي أنظمــة الوســاطة الأسريــة، بهـدف إيجـاد حلـول بديلـة للنظـام القضـائي التقليـدي.
وقــد شــهدت الوســاطة ازدهــارا لم يكــن منتظــرا ولا متوقعــا، وتقبلتهــا أوســاط النزاعــات القضائيــة الأمريكيـة والأنجلـو سكسـونية عمومـا. ومنهـا انتقلـت إلى فرنسـا وبعـض الـدول الأوربيـة، بوصـف الوسـاطة مقاربـة جديـدة مكملـة للقانـون في مجـال تسـوية الخلافـات المرتبطـة بالطـلاق وانفصـال الأزواج، إذ اعتمــدت فرنســا قانونــا خاصــا بالوســاطة الأسريــة صــدر في 8فبرايــر 1995ومرســوما تطبيقيـا لـه صـدر في 22يوليـوز ،1996وذلـك بعـد النجـاح التـي عرفتـه الوسـاطة في الشـؤون الجنائيـة والزجريــة بموجــب قانــون 4ينايــر .1993
.2على الصعيد الوطني:
أمـا عـى الصعيـد الوطنـي، فقـد شـكل الخطـاب الملـي، بمناسـبة افتتـاح الـدورة البرلمانيـة الخريفيـة في 10أكتوبــر ،2003إحــدى المحطــات البــارزة للتأكيــد عــى قيمــة وضرورة إدراج آليــات الوســاطة والتوفيــق ضمــن مدونــة القوانــين المعنيــة بالشــأن الأسري، إذ جــاء عــى لســان جلالتــه قولــه «لقــد توخينــا، في توجيهاتنــا الســامية لهــذه اللجنــة، وفي إبــداء نظرنــا في مــشروع مدونــة الأسرة، اعتــماد الإصلاحـات الجوهريـة التاليـة: ،)…( بتعزيـز آليـات التوفيـق والوسـاطة، بتدخـل القـاضي والأسرة .»)…(وتـأتي قيمـة هـذا التوجيـه الملـي السـامي بإعـمال آليـات التوفيـق والوسـاطة الأسريـة، لا سـيما بعـد أن اقتـر المـشرع المغـربي علـى اعتـماد نظـام الوسـاطة في إطـار تعديـل المسـطرة المدنيـة بمقتـى القانـون رقـم ،08.05والـذي اعتـبره العديـد مـن المختصـين نصـا خاصـا بأنظمـة التحكيـم والوسـاطة الاتفاقيـة، إذ يتكـون مـن أربعـة محـاور تهـم التحكيـم الداخـلي والتحكيـم الـدولي، والوسـاطة الاتفاقية وأحـكام ومختلفـة ومقتضيـات عامـة.
ومــع أن مدونــة الأسرة في مادتهــا 82تجيــز للمحكمــة القيــام بــكل الإجــراءات، بمــا فيهــا انتــداب حكمـين أو مجلـس العائلـة، أو مـن تـراه مؤهـلا لإصـلاح ذات البـين. إلاّ أنّـه، كأصـل عـام، بالنسـبة للمجــال الأسري، فإنّنــا لا نتوفــر علــى إطــار قانــوني متكامــل ّ قعــد وينظــم العمــل بآليــة الوســاطة الأسريـة بخـلاف العديـد مـن الـدول التـي تمتلـك نظامـا مسـتقرا للوسـاطة الأسريـة ومعترفـا بـه لـدى المحاكـم. ويظهـر أن المـشرع المغـربي مدعـو إلى اسـتثمار الغنـى الثقـافي والاجتماعـي الوطنـي الـذي يُعطــى للتســويات الوديــة للخلافــات عمومــا، والخلافــات الأسرية خصوصــا، أهميــة قصــوى.
ولهـذا، وفي إطـار المسـاهمة في تعزيـز الوعـي العمومـي بهـذا الموضـوع، هـذه الممارسـة ضمـن التجـارب الدوليـة
3-3الوساطة في القانون المغربي :
لوسـاطة مقاربـة جديـدة مكملـة للقانـون في مجـال تسـوية الخلافـات المرتبطـة بالطـلاق وانفصـال الأزواج، إذ اعتمــدت فرنســا قانونــا خاصــا بالوســاطة الأسريــة صــدر في 8فبرايــر 1995ومرســوما تطبيقيـا لـه صـدر في 22يوليـوز ،1996وذلـك بعـد النجـاح التـي عرفتـه الوسـاطة في الشـؤون الجنائيـة والزجريــة بموجــب قانــون 4ينايــر .1993
.2على الصعيد الوطني:
ّ أمـا عـى الصعيـد الوطنـي، فقـد شـكل الخطـاب الملـي، بمناسـبة افتتـاح الـدورة البرلمانيـة الخريفيـة في 10أكتوبــر ،2003إحــدى المحطــات البــارزة للتأكيــد عــى قيمــة وضرورة إدراج آليــات الوســاطة والتوفيــق ضمــن مدونــة القوانــين المعنيــة بالشــأن الأسري، إذ جــاء عــى لســان جلالتــه قولــه «لقــد توخينــا، في توجيهاتنــا الســامية لهــذه اللجنــة، وفي إبــداء نظرنــا في مــشروع مدونــة الأسرة، اعتــماد الإصلاحـات الجوهريـة التاليـة: ،)…( بتعزيـز آليـات التوفيـق والوسـاطة، بتدخـل القـاضي والأسرة.»)…( وتـأتي قيمـة هـذا التوجيـه الملـي السـامي بإعـمال آليـات التوفيـق والوسـاطة الأسريـة، لا سـيما بعـد أن اقتـراح المـشروع المغـربي علـى اعتـماد نظـام الوسـاطة في إطـار تعديـل المسـطرة المدنيـة بمقتضـى القانـون رقـم ،08.05والـذي اعتـبره العديـد مـن المختصـين نصـا خاصـا بأنظمـة التحكيـم والوسـاطة الاتفاقيـة، إذ يتكـون مـن أربعـة محـاور تهـم التحكيـم الداخـلي والتحكيـم الـدولي، والوسـاطة الاتفاقية وأحـكام ومختلفـة ومقتضيـات عامـة.
ومــع أن مدونــة الأسرة في مادتهــا 82تجيــز للمحكمــة القيــام بــكل الإجــراءات، بمــا فيهــا انتــداب حكمـين أو مجلـس العائلـة، أو مـن تـراه مؤهـلا لإصـلاح ذات البـين. إلاّ أنّـه، كأصـل عـام، بالنسـبة للمجــال الأسري، فإنّنــا لا نتوفــر علــى إطــار قانــوني متكامــل يُ ّ قعــد وينظــم العمــل بآليــة الوســاطة الأسريـة بخـلاف العديـد مـن الـدول التـي تمتلـك نظامـا مسـتقرا للوسـاطة الأسريـة ومعترفـا بـه لـدى المحاكـم. ويظهـر أن المـشرع المغـربي مدعـو إلى اسـتثمار الغنـى الثقـافي والاجتماعـي الوطنـي الـذي يُعطــى للتســويات الوديــة للخلافــات عمومــا، والخلافــات الأسرىــة خصوصــا، أهميــة قصــوى. ولهـذا، وفي إطـار المسـاهمة في تعزيـز الوعـي العمومـي بهـذا الموضـوع.
4-التجارب الوطنية والدولية:
التجارب الوطنية:
تجربة «مركز سند» بالجمعية المغربية لمساندة الأسرة بالدار البيضاء أشـارت ممثلـة الجمعيـة إلى أن مـن أهـداف هـذه الجمعيـة تطويـر وتأهيـل الأسرة المغربيـة لمواكبـة المسـار التنمـوي للبـلاد وانخراطهـا فيـه. وقـد تـم تأسـيس مركـز سـند للوسـاطة الأسريـة سـنة 2004 تزامنـا مـع صـدور مدونـة الأسرة التـي حملـت مفهومـا جديـدا للعلاقـات الأسريـة، حيـث أخـذ المركـز عــى عاتقــه أن يكــون وســيطا في النزاعــات الأسريــة ونــشر ثقافــة الحــل البديــل عــن اللجــوء إلى المحاكـم والقضـاء عـن طريـق الحـوار والتفـاوض بمسـاعدة طـرف ثالـث. وهكـذا تـولى المركـز:
ولتحقيـق هـذه الأهـداف، تـم تأسـيس فريـق عمـل يضـم رئيسـة مشرفـة، ووسـيطة أسريـة ومسـاعدة اجتماعيــة ومنســقة ومحاميــة، مــع الاســتعانة ببعــض الأخصائيــين في الطــب وعلــم النفــس والتربيــة والعلاقـات الزوجيـة والعائليـة. ويتـم اسـتقبال الحـالات يوميـا مـن طـرف منسـقة المركـز التي تفتـح ملفا للمسـتفيد، وتحيلـه عـلى جلسـة الاسـتماع لدراسـة الحالـة واسـتدعاء الطـرف الآخـر للاسـتماع لـه أيضـا، حيـث تبـدأ عمليـة الوسـاطة لتذويـب نقـط الخـلاف وتقريـب وجهـات النظـر عـبر الحـوار والتفـاوض .
التجارب الدولية :
وتشتغل مؤسسة ATYMEفي هذا المجال عى محوريين:
.1الوساطة بين الأزواج، وذلك من أجل:
● الحفـاظ عـلى مصالـح الأبنـاء وحقوقهـم، حتـى لا يتعرضـون لأي تأثـير سـلبي عنـد تضـارب مصالـح
الأبوين؛
● التخفيـف مـن حـدة النزاعـات الأسريـة ذات الطابـع القانـوني، ووضـع حلـول متفـق عليهـا في حالـة
الانفصال؛
● تجنب عدم تنفيذ التزام الطرفين وواجب كل واحد اتجاه الاخر واتجاه الأبناء؛
● التشجيع عى تقاسم المسؤولية المشتركة للأبوين عى الأبناء؛
.2الوساطة بين الأجيال، وذلك لمعالجة الخلافات التي قد تنشأ بسبب:
● وجود أشخاص مسنين داخل الأسرة؛
● الإرث والوصايا؛
● المقاولات العائلية؛
● وجود أشخاص في وضعية صعبة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة؛
● وجود اختلاف في الآراء يهدد الاستقرار الأسري وإلى جانـب هـذا، تنظـم مؤسسـة ATYMEأنشـطة للتوعيـة والتحسـيس بأهميـة الوسـاطة الأسريـة عـبر منشـورات أو ورشـات عمـل أو القيـام بأبحـاث ودراسـات حـول الـدور الإيجـابي للوسـاطة، مـع العمــل عــى تكويــن الوســطاء للقيــام بمهامهــم، مــما يســاعد عـلـى تنميــة مجتمــع ســليم يســوده العـدل والتضامـن