المجال والتنمية دلالات مفهوم التنمية وأبعادها الحلقة رقم 02

في هاته الحلقة سوف أتناول بالتحليل والتمحيص والتفصيل موضوع المجال والتنمية في ثلاثة أجراء:
الجزء الأول سأتطرق فيه لدلالات مفاهيم التنمية وأبعادها،
وفي الجزء الثاني سوف أعالج فيه مفهوم المجال وسياقاته المعرفية وعلاقته بمختلف العلوم.
والجزء الثالث سوف أحدد فيه علاقة التنمية بالنخب المحلية.
تكمن أهمية الموضوع في كونه يعالج إشكالية التنمية التي تعتبر من الإشكاليات المعرفية المهمة، حيث أننا سوف نتعرف على تعريف التنمية البشرية ومؤشراتها وتقاريرها وأنواع هاته التقارير، بالإضافة إلى أن هاته المؤشرات القياسية سوف تبين لنا أوجه القصور والاختلالات التي يعاني منها المغرب وتقف حجرة عثرة في وجه التقدم نحو التنمية البشرية المنشودة.
مفهوم التنمية البشرية : الدلالات والأبعاد وأنواع التقارير
التنمية البشرية هي توسيع خيارات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية وذلك عن طريق تجمع بين مؤشر التعلم المتمثل في القراءة والكتابة ومؤشر العمر المتوقع عند الميلاد ومؤشر الدخل، وقد تم تعريف التنمية البشرية عام 1990 كما يل
هي توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس ليعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة ويكتسبوا المعرفة ويعيشوا حياة كريمة.*1*
مما سبق نخلص إلى أن أطروحة التنمية البشرية تعتبر الناس هم ثروتها المجتمعية وتركز على خيارات الناس لكن هاته الخيارات ليست شائعة ومتعددة. منها ما هو اقتصادي كمؤشر الدخل ونصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي ، ومنها ما هو اجتماعي متعلق بالصحة ومجالاتها لمتعددة والتعلم ومؤشراته المختلفة ;ومنها اكتساب المعرفة وتقانات البحث والتطوير والمعلومات.
مما سبق نستنتج أنه بعد التطور الذي شهدته التنمية في العالم ظهرت الحاجة إلى بناء مؤشرات تنموية عديدة تمكن من توفير مقياس مباشر لنتائج الجهود الإنمائية المبذولة لمكافحة الفقر والمحققة لإشباع مختلف عناصر الحاجات الأساسية (المادية والاجتماعية و المعنوية) ثم جاءت الحاجة لبناء مؤشر مركب( واحد) يتضمن داخله كافة المؤشرات المتصلة بمدى إتساع تلك الحاجات. وذلك بهدف المقارنة والتقييم ومن ثم التطوير كل هذا ساهم في ظهور دليل التنمية البشرية يتضمن المؤشرات التي ذكرناها سابقا حيث يعتمد هذا الدليل عل مؤشرات متباينة عدة ،مستوى مؤشرات التنمية البشرية هل هي مرتفعة جدا أم مرتفعة أم متوسطة أم منخفضة.*2*
1-2 أنواع تقارير التنمية البشرية
2-1 التقرير العالمي للتنمية البشرية و هو تقرير يتناول بالشرح واقع التنمية البشرية بالعالم ويتيح إمكانية المقارنة العالمية ويشمل أغلب بلدان الالم ومواضــــيع هاته التقارير التي ظهر أولى تقريــــــــــر سنة 1990 هي كالتالي: من 1990 إلى سنة 2020.
عام 1990: مفهوم وقياس التنمية البشرية
عام 1991: تمويل التنمية البشرية
عام 1992: الأبعاد العالمية للتنمية البشرية
عام 1993: مشاركة الشعب
عام 1994: أبعاد جديدة للأمن الإنساني
عام 1995: النوع الاجتماعي والتنمية البشرية
عام 1996: النمو الاقتصادي والتنمية البشرية
عام 1997: التنمية البشرية للقضاء على الفقر
عام 1998: الاستهلاك للتنمية البشرية
عام 1999: العولمة ذات الوجه الإنساني
عام 2000: حقوق الإنسان والتنمية البشرية
عام 2001: جعل التقنيات الحديثة تعمل من أجل التنمية البشرية
عام 2002: تعميق الديمقراطية في عالم مجزأ
عام 2003: الأهداف الإنمائية للألفية: اتفاق بين الأمم لإنهاء الفقر البشري
عام 2004: الحرية الثقافية في عالم اليوم المتنوع
عام 2005: التعاون الدولي على مفترق طرق: المعونة والتجارة والأمن في عالم غير متكافئ
عام 2006: ما وراء الندرة: القوة والفقر وأزمة المياه العالمية
عام 2007/2008: مكافحة تغير المناخ: التضامن الإنساني في عالم منقسم
عام 2009: التغلب على العوائق: حراك الإنسان وتنميته
عام 2010: الثروة الحقيقية للأمم: سبل التنمية البشرية
عام 2011: الاستدامة والإنصاف: مستقبل أفضل للجميع
عام 2013: صعود الجنوب: التقدم البشري في عالم متنوع
عام 2014: الحفاظ على التقدم البشري: الحد من نقاط الضعف وبناء المرونة
عام 2015: العمل من أجل التنمية البشرية
عام 2016: التنمية البشرية الطريق إلى الأمام مخصصة من البشر
عام 2018 – التحديث الإحصائي
عام 2019– ما وراء الدخل والمتوسط والحاضر : أوجه عدم المساواة في القرن الحادي والعشرين
عام 2020– التنمية البشرية والانتروبوسين
عام 2021/ 2022 – أوقات غير مؤكدة ،تغيرت الحياة تشكيل مستقبلنا في العالم متحور
والنوع الثاني يعرف بالتقارير الإقليمية و نأخذ على سبيل المثال تقارير التنمية الانسانية في العالم العربي وقد صدر أول تقرير للتنمية الإنسانية في العالم العربي سنة 2002 للتنمية الإنسانية في العالم العربي وتقرير 2003 حول المعرفة في العالم العربي
وتقرير 2004 حول الحرية والحكم الصالح في العالم العربي وتقرير 2005 حول تمكين النوع في العالم العربي وتقرير سنة 2009 حول تحديات أمن الانسان في البلدان العربية وتقرير سنة 2016 حول الشباب وافاق التنمية / واقع متغير.
وبالرغم من أن سياق سياق التنمية الإنسانية سياقا واسعا يتضمن المؤشرات السياسية بالإضافة إلى المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية حيث أن هاته التقارير عالجت هاته المؤشرات وربطتها بالوضع العربي وأعطت لنا عبر هاته المؤشرات القياسية نتائج هذا الوضع، وبالرغم من أن خطابات هاته التقارير تدخل في مجال الفكر النقدي لبرنامج الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ، وبالرغم من أنها خطابات غير بريئة ، فإنها (صفحة 8) فإنها على الأقل خلقت نقاشات حادة في أحيان كثيرة، كذلك بالرغم من حوافزها السياسية فإنها بمثابة علم اجتماعي ناقد كما أكد رئيس الفريق الرئاسي لتقرير سنة 2002 .الدكتور نادر الفرجاني كما أنها تحمل في طياتها ثقافة أكاديمية عبر استخدامها لمناهج ومؤشرات إجرائية مهمة ومعاصرة. حيث نجد مثلا في التقرير الأول تم الاستعانة بالعديد من المنظمات كمنظمة freeddeem house (بيت الحرية )وهي منظمة غير حكومية أمريكية استطاعت أن تعطي لنا مؤشرات قياسية يمكن بواسطتها تحديد الدول الحرة والدول الشبه الحرة والدول التي تنعدم فيها الحرية ومؤسسة kaufman (كوفمان) التي درست ما يقارب 177 نظاما سياسيا عبر مؤشر المساءلة والتمثيل ، وتم تصنيف هاته النظم السياسية .*3*
وإذا كانت هاته التقارير قد حققت تراكما أكاديميا بالنسبة للبحث العلمي في المنطقة العربية فإن مسألة الالتزام الضمني والصريح أي الحس النقدي لدى الباحث الأكاديمي، يجب أن يكون حاضرا حيث أنه يجب مقارنة هاته الأرقام بواقعنا وطرح السؤال وتقديم القوة الاقتراحية التي تبقى أنجع الحلول لخلق فضاء عمومي للحوار والتفكير الايجابي من أجل حل مشاكل جميع قضايانا السياسة و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
التحديد النظري للتنمية المستدامة
يتكون اصطلاح التنمية المستدامة من نقطتين :هما التنمية و المستدامة وقبل أن تطرق لمفهوم التنمية المستدامة سنتطرق الى التنمية لغة :
التنمية في اللغة مصدر من الفعل نمى يقال انميت الشيء وتنميته وجعله ناميا .
التنمية اصطلاحا : يقصد بالتنمية الازدهار والتكاثر والزيادة والرضا تعنيه وهي سياق حركي يؤدي الى الاشكال من وضع ساقين غير مرضي الى وضع لاحق يستجيب بكيفية مرضي الى حاجيات وطموحات الشخصية و الجماعية. *4*
و كلمة المستدامة هما مأخوذة من استدامة الشيء أي طلب دوامه واستمراره ومن منطلقنا هذا تبين ان للتنمية المستدامة عدة تعاريف واختلفت باختلاف الحقب الزمنية الفكرية. *5*
تعتبر رئيسة وزراء النرويج بكونها أول من استخدم المصطلح التنمية المستدامة بشكل رسمي سنة1987 في تقرير مستقبلنا المشترك للتعبير عن السعي لتحقيق نوع من العدالة و المساواة بين الاجيال الحالية و المستقبلية اما البنك الدولي فيعتبر نمط الاستدامة هو راس المال و عرف التنمية المستدامة بانها تلك التي تهتم بتشجيع التكافؤ المحتمل الذي يضمن للاجيال القادمة وذلك بضمان ثبات راس المال والشامل أو زيادة المستمرة عبر الزمن
إن تقرير ريوديجنيرو وحسب جدول أعمال القرن 21 عرف التنمية المستدامة بانها تنمية يجب ان تحقق بطريقة توفقي وتساوي في ارضاء واتساع الحاجيات المرتبطة بالتنمية و البيئة للأجيال الحاضرة و المستقبلية. التزمت المملكة المغربية برفع تحديات القرن الواحد والعشرين من خلال اعتماد التنمية المستدامة كمشروع مجتمعي وكنموذج تنموي جديد ومتجدد، بفضل التوجهات المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.*6*
وقد تكرس هذا الالتزام كخيار استراتيجي منذ سنة 1992 من خلال خطاب صاحب الجلالة بمناسبة انعقاد مؤتمر قمة الأرض الأولى بريو البرازيلية عندما كان وليا للعهد آنذاك والذي رسم من خلاله رؤيته للركائز الأساسية لبناء نموذج مجتمعي جديد.
ومنذ ذلك الحين، تم تفعيل هذا الالتزام بالمبادئ الأساسية للتنمية المستدامة من خلال سلسلة من الإصلاحات المتتالية بهدف بناء التنمية الاقتصادية على أسس صلبة وتحسين الظروف الاجتماعية، وتسريع وتيرة الإنجازات البيئية عبر اعتماد الإجراءات الوقائية والعلاجية.
والتنمية المستدامة تهدف إلى تحقيق توازن بين الاحتياجات المختلفة وأحيانا المتضادة من جهة، وبين الوعي بالمحدودية البيئية والمجتمعية والاقتصادية التي نوجهها كمجتمع من جهة أخرى.فالتنمية المستدامة هي أسلوب للتغيير يكون فيه كل من: ـــ استغلال الموارد؛ توجيه الاستثمارات؛ توجيه التطور التكنولوجي ؛ التغيير المؤسساتي ؛ وذلك في انسجام لتعزيز الامكانيات الحالية والمستقبلية لتلبية احتياجات الناس وتطلعاتهم.*7*
إذن ؛ التنمية المستدامة يمكن أن تكون مفيدة على المستوى القريب والمتوسط للأجيال الحالية، ومفيدة على المدى البعيد للأجيال المستقبلية، على سبيل المثال: الحث على السير على الأقدام أو استخدام الدراجات الهوائية بدل السياقة، لا يحقق فقط توفيرا ماليا وتحسين الحالة الصحية للجيل الحالي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الحفاظ على البيئة للأجيال المستقبلية. كوتها يشترك فيها الجميع (المواطنون، الحكومات، المؤسسات الغير حكومية، المؤسسات الدولية، …إلى آخره).
إن مفهوم التنمية المستدامة من المفاهيم التي يكتنفها الكثير من الغموض واللبس من حيث صعوبة تقديم تعريف عملي لهذا المفهوم، وقد تم ملاحظة أن هذا المفهوم يحمل كل معنى يود المؤلفون عرضه في قضاياهم المختلفة مهما كان نوع وخلفية تلك القضايا. بل وقد سخر البعض الآخر من أن غموض مفهوم التنمية المستدامة ربما كان السبب الرئيسي وراء شيوع وانتشار استخدام مفهوم التنمية المستدامة وبأن الاتفاق على هدف غير محدد قد يضفي المزيد. و من الغموض واللبس على الاختلافات المفهومة ضمنا وفي هذا الصدد، فقد قام العديد من الاقتصاديين، ومع زيادة الاهتمام بهذا المفهوم، بمحاولات كثيرة لتقديم تعريف أو تفسير لمفهوم التنمية المستدامة.
1-2الأبعاد الاجتماعية للتنمية المستدامة :
تعمل التنمية المستدامة على تحقيق أهداف عدة وذلك بناءا على ابعاد إجتماعية تبرز في:
تثبيت النمو الديموغرافي: العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا استحالة واضحة فقط، بل كذلك لأن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات، كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما يحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن.*8*
مكانة الحجم النهائي للسكان: وللحجم النهائي الذي يصل إليه السكان في الكرة الأرضية أهميته أيضا، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة، وتوحي الإسقاطات الحالية، في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي 11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين، وضغط السكان، حتى بالمستويات الحالية، هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى؛ لأن نمو السكان يؤدي بهم إلى الأراضي الحدية، أو يتعين عليهم الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
أهمية توزيع السكان: كما أن لتوزيع السكان أهميته: فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق الحضرية، ولاسيما تطور المدن الكبيرة لها عواقب بيئية ضخمة، فالمدن تقوم بتركيز النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها، ومن هنا، فإن التنمية المستدامة تعني النهوض بالتنمية القروية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، وتعني اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر.
الاستخدام الكامل للموارد البشرية: كما تنطوي التنمية المستدامة على استخدام الموارد البشرية استخداما كاملا، وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الجوع، ومن المهم بصورة خاصة أن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية؛ ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني إعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصها لضمان الوفاء أولا بالاحتياجات البشرية الأساسية مثل تعلم القراءة والكتابة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، والمياه النظيفة، والتنمية المستدامة تعني –فيما وراء الاحتياجات الأساسية- تحسين الرفاه الاجتماعي، وحماية التنوع الثقافي، والاستثمار في رأس المال البشري- بتدريب المربين والعاملين في الرعاية الصحية والفنيين والعلماء وغيرهم من المتخصصين الذين تدعو إليهم الحاجة لاستمرار التنمية.
الصحة والتعليم: ثم إن التنمية البشرية تتفاعل تفاعلا قويا مع الأبعاد الأخرى للتنمية المستدامة، من ذلك مثلا أن السكان الأصحاء الذين نالوا من التغذية الجيدة ما يكفيهم للعمل، ووجود قوة العمل الحسنة التعليم، أمر يساعد على التنمية الاقتصادية، ومن شأن التعليم أن يساعد المزارعين وغيرهم من سكان البادية على حماية الغابات وموارد أهمية دور المرأة: ولدور المرأة أهمية خاصة، ففي كثير من البلدان النامية يقوم النساء والأطفال بالزراعات المعيشية، والرعي وجمع الحطب ونقل الماء، وهم يستخدمون معظم طاقتهم في الطبخ، ويعتنون بالبيئة المنزلية مباشرة، والمرأة بعبارة أخرى هي المدبر الأول للموارد والبيئة في المنزل –كما أنها هي أول من يقدم الرعاية للأطفال- ومع ذلك فكثيرا ما تلقى صحتها وتعليمها الإهمال الصارخ مقارنة بصحة الرجال وتعليمهم، والمرأة الأكثر تعليما، لديها فرص أكبر في الحصول على وسائل منع الحمل، كما أن معدلات خصوبتها أقل في المتوسط، وأطفالها أكثر صحة، ومن شأن الاستثمار في صحة المرأة وتعليمها أن يعود على القابلية للاستدامة بمزايا متعددة.*9*
الأسلوب الديمقراطي الاشتراكي في الحكم: ثم إن التنمية المستدامة على المستوى السياسي تحتاج إلى مشاركة من تمسهم القرارات، في التخطيط لهذه القرارات وتنفيذها، وذلك لسبب عملي هو أن جهود التنمية التي لا تشرك الجماعات المحلية كثيرا ما التربة والتنوع البيولوجي حماية أفضل، يصيبها الإخفاق، لذلك فإن اعتماد النمط الديمقراطي الاشتراكي في الحكم يشكل القاعدة الأساسية للتنمية البشرية المستدامة في المستقبل.
2-3البعد الثقافي للتنمية المستدامة
شكلت جدلية العلاقة بين الثقافة والتنمية إحدى أهم القضايا التي طرحت إبان اهتمام العالم بالتنمية بمفاهيمها الشاملة (البشرية والانسانية والمستدامة ) وإذا كانت علاقة الثقافة بالتنمية علاقة عضوية بحكم أننا لايمكن أن نتحدث عن مشروع تنموي بدون حضور البعد الثقافي حيث أن التنمية لايمكن تحقيقها إلابأبعادها الثلاثة البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي والبعد الثقافي ،وإذا كانت أطروحات التنمية لم تركز على البعد الثقافي فإن المنظمات الدولية التي تعنى بالتربية والثقافة (اليونيسكو ،الإيسيسكو ..)لا تكاد تؤكد في اجتماعاتها ومؤتمراتها على أهمية الثقافة كعنصر محدد لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية ،وقد لانبالغ إذا ما قلنا أن هناك توافق في الرأي بين علماء الاجتماع حول العلاقة بين الثقافة والتنمية وكما أكد المفكر محمد سيد محمد في كتابه الاعلام والتنمية أن للثقافة في التنمية الشاملة دورا مميزا وموازيا للبعد الاجتماعي والاقتصادي وأن الثقافة تعتبر ركيزة مهمة من ركائز التنمية الشاملة ،حيث وإذا كان الانسان هو محور وهدف التنمية في ان واحد وأن التنمية هي إعطاء الناس الفرص والقدرات فإن الثقافة كما أكدها إعلان مكسيكو أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة سنة 1982 هي التي تمنح الانسان قدرته على التفكير في ذاته وهي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد والالتزام الأخلاقي وعن طريق الثقافة نستطيع تحقيق قيم مركزية بواسطتها يستطيع الانسان التعبير عن نفسه والتعرف على ذاته والبحث عن مدلولات الإبداع ، وقد اكدت بيانات المؤتمر العالمي للتربية لسنة 1992 ان التنمية تقاس بالتغير من الحالة القائمة ،التقدم ،الاغتناء والتمتع و ليس بازدياد الإنتاج كما ونوعا بل أيضا بالتحسن الذي تحمله إلى الإنسان وإلى طريقة حيث ان البعد الثقافي يلعب دورا كبيرا في نجاح التنمية البشرية والمستدامة حيث أن هاته الاخيرة همها الوحيد هو خدمة الانسان وتحقيق احتياجاته والثقافة همها الوحيد هو الحفاظ على الثراث الانساني والعمراني والهوية الجماعية وترسيخ قيم المشاركة والتسامح والاختلاف والحفاظ على ثقافات المجتمع والتواصل والتفاعل والتماثل الاجتماعي.
إن المجتمعات التي حققت مؤشرات تنموية مرتفعة لعب فيها التنوع الثقافي دورا كبيرا حيث أنه ساهم في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسياعبر سياسات متعددةالثقافات وعبر احترامهالثقافة الأقليات وخياراتهم وقد أكد المفكر صامويل هنتغتون في كتابه قضایاثقافية وهو كتاب ألفه إلى جانب لورنس هارسون، على أنه في أوائل سبعينات القرن العشرين (20) وقعت على بيانات اقتصادية لكل من غانا وكوريا الجنوبيةوذهلت عند ما رأيت أوجه التشابه بعد ثلاثين عاماأصبحت كوريا الجنوبيةعملاقا صناعيا يحتل المرتبة 14 على مستوى العالم، بينمالم تبلغ هذا الأمر غانا، هذاالاختلاف سببه بالدرجةالأولى أن الكوريين يقدرون التنظيم وحسن التدبيروالانضباط.
صحيح أن الديمقراطيةوالتنمية وتماسك الدولةأمور جوهرية، لكن الدولةالتي لا تهتم بخلق سياسات متعددة الثقافات لا تكرس ثقافة الاختلاف والتي تعتبرجوهر الديمقراطيةالمعاصرة. وقد عملت الحضارة الغربية التي بفضل نضالات مثقفيهاومفكريها أن تجعل من حقوق الإنسان وقيم الحداثة والديمقراطية سلوكا يوميا يوفر للفردوالجماعة الدفاع عن مؤسسات وترتيبات اجتماعية معينة تعملان على إنجاحها. وإذا أخذنا ميدان حقوق الإنسان نجد أن التنوع الثقافي من المواضيع التي حظي بها هذا الميدان وأصبح ينظر إليه كحق من حقوق الإنسان.*10*
إن المجتمع الديمقراطي الحداثي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء الفرصةللجميع لدراسة وإنجازاختياراتهم الكبرى والمتنوعة، وبواسطة ثقافةالمشاركة هاته، يمكن تحقيق الاندماج الوطني والوحدة الوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلا بخلق سياسات متعددة الثقافات تكون مدخلا أساسيا لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية التي بواسطتها يمكن تحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية على اختلاف تلاوين هوياتها وثقافاتها.
المراجع والهوامش :
تقارير التنمية البشرية- 1
2- تقاريرالتنمية الإنسانية في الدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي 2021/2022 لسنة– 3- تقرير التنمية البشرية لسنة الصادر عن برنامج الامم المتحدة للأنماء الاقتصادي والاجتماعي بعنوان “أوقات غير مؤكدة ،تغيرت الحياة تشكيل مستقبلنا في عالم متغير “
– 4- صحفي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان المجتمعات المفككة تضع الناس في مساراتها تقرير مع الكوكب حول تحليل تقرير التنمية البشرية
– مقالة لي حول المغرب في تقارير التنمية الإنسانية 2002-2003 – 2004- 2005 5-انظر الموقع الرئيسي لمؤسسة الحوار المتعددة العدد 1884-2007-/04/13
6-مدحت أبو النصر، ياسمين مدحت محمد، التنمية المستدامة، المجموعة العربية للتدريب والنشر، القاهرة، مصر، 2017، ص 67.
7- الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في أفق 2030، ص 6.
8- Bruno Boidin, Développement humain, développement durable et «pays en développement » : comment articuler et mesurer les différentes dimensions ?, in, Revue Développement Durable et Territoires, Dossier 3, 2004, (en ligne).
9- معتصم محمد اسماعيل، 2015: دور الاستثمارات في تحقيق التنمية المستدامة “سوريا نموذجا”، الصفحات 70، 72، 73،75.إعداد جميل سالم 6/2018 معهد الحقوق جامعة بيرزيت ،فلسطين.
10 – أديب عبد السلام، أبعاد التنمية المستدامة، ص 4، 6، 7،8.