أخباررأيفن وثقافة

المغرب العظيم: صمود تاريخي وحكم علوي متجدد في قلب حضارة وثقافة نابضة

من معارك التحرير إلى عصر النهضة.. رحلة المغرب بين إرث المقاومة والتطور السياسي والثقافي

يُعتبر المغرب من الدول التي تتمتع بتاريخ عريق من المقاومة والصمود في وجه مختلف الغزاة والمحتلين، وشعبه مثقف وواعٍ يحمل إرثاً حضارياً وثقافياً غنياً. عبر العصور، خاض المغاربة معارك بطولية مثل معركة الزلاقة التي أوقفت تقدم الإسبان في الأندلس، ومعركة وادي اللبن التي كسرت أطماع الدولة العثمانية، إلى جانب مقاومة المجاهد عبد الكريم الخطابي للاحتلال الفرنسي والإسباني، ومساهمات المغرب البطولية في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء. إلى جانب هذا التاريخ المجيد، حكم المغرب منذ القرن السابع عشر سلالة العلويين الشريفة، التي أسست دولة قوية وموحدة، وأحدثت تطورات سياسية واقتصادية هامة، ما جعل المغرب بلداً ذا هوية متفردة تجمع بين الماضي العريق والحاضر الواعد.

👈🏼تاريخ المغرب في مقاومة الغزاة وبداية الدولة العلوية
شهد المغرب معارك فاصلة مثل معركة الزلاقة في القرن الحادي عشر، حيث تمكن المرابطون من هزيمة القوات الإسبانية، مما أخر سقوط الأندلس لأكثر من أربعة قرون. وفي عام 1558، حقق المغاربة بقيادة السلطان عبد الله الغالب انتصاراً حاسماً في معركة وادي اللبن ضد القوات العثمانية، مما أوقف أطماع الدولة العثمانية في المغرب وأكد استقلال الدولة السعدية. بعد فترة من الانقسامات والصراعات، صعدت سلالة العلويين الشريفة إلى السلطة في القرن السابع عشر، حيث أسس مولاي الرشيد دولة علوية جديدة ووحد البلاد، ثم جاء أخوه مولاي إسماعيل الذي بسط نفوذه على كامل التراب المغربي وعزز الدولة بقوة عسكرية وإدارية، مستعملاً مهارته السياسية والقساوة في آن معاً.

👈🏼حكم الدولة العلوية والتطورات السياسية والاقتصادية
تولى العلويون الحكم منذ عام 1640، ووضعوا أسس دولة قوية، حيث عمل مولاي الرشيد على توحيد البلاد وإعادة الاستقرار بعد فترة من الفوضى. في عهد مولاي إسماعيل، شهد المغرب أزهى أيام الدولة العلوية، إذ توسعت الدولة حتى تخوم السودان، وتم تحديث المؤسسات العسكرية والإدارية. كما شهدت فترة حكم مولاي الحسن الأول إصلاحات اقتصادية وسياسية هامة، منها تحديث العملة الوطنية وتعزيز الاقتصاد، إضافة إلى تطوير البنية التحتية ونشر التعليم. رغم التحديات الداخلية والخارجية، خاصة الاستعمار الأوروبي، حافظ العلويون على استقرار الدولة وأسسوا نظام حكم مركزي قوي، معززين شرعية الحكم عبر انتسابهم إلى نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما منحهم لقب “أمير المؤمنين” ورمزاً دينياً وسياسياً هاماً.
وقد كان لحكم الملك محمد الخامس رحمه الله دور بارز في قيادة المغرب نحو الاستقلال، حيث قاد نضالاً وطنياً حاسماً ضد الحماية الفرنسية والإسبانية، ونجح في استعادة السيادة الوطنية عام 1956. وتلاه الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي قاد المغرب في مرحلة البناء والتنمية، وعمل على تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي، وواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة بحكمة وشجاعة. وها هو ابنه الملك محمد السادس، حفظه الله، يواصل مسيرة الإصلاح والتحديث، معززاً مكانة المغرب إقليمياً ودولياً، ومكرساً التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.

👈🏼مساهمات المغرب في الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية، جند المغرب حوالي 350 ألف جندي في صفوف الجيش الفرنسي الحليف، وشاركوا في معارك حاسمة لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي، مثل معركة خط غوستاف وتحرير مدن مثل مرسيليا وتولون. أظهر الجنود المغاربة شجاعة كبيرة، مما أكسبهم احترام القادة الألمان، وشكلت هذه المساهمات شهادة على تضحيات المغرب في الدفاع عن الحرية والكرامة.

👈🏼تنوع وثراء الثقافة المغربية:
يتميز المغرب بثقافة غنية ومتنوعة تعكس تمازج مكوناته العربية والأمازيغية، ويظهر ذلك في المأكولات التقليدية الشهيرة مثل الكسكس، وخصوصاً بداز أو كسكس الذرة الأمازيغي الخاص بسهل سوس ومناطق الصويرة وآسفي، الذي يُحضّر من دقيق الذرة مع الحمص والخضروات واللحوم، وغالباً بزيت الأركان والأسماك. إلى جانب ذلك، تُعد العصيدة أو “تاروايت” طبقاً أمازيغياً قديماً يصنع من دقيق القمح أو الذرة، ويُقدم في المناسبات الاجتماعية ورأس السنة الأمازيغية، ويرمز إلى ارتباط الإنسان الأمازيغي بالأرض والزراعة. كما يشتهر المطبخ الشاوي بـ”بركوكش القمح البلدي”، وهو طبق صحي تقليدي يُحضّر من دقيق القمح الكامل المحلي، ويُعتبر من الأطعمة الأساسية في المنطقة. ويضاف إلى هذه الأطباق الشهيرة في إقليم بنسليمان طبق الزيادية، وهو نوع من الرفيسة أو المدهوسة التي تُقدم عادة في طاولة الإفطار، وتُعد من الأطباق المميزة التي تعكس خصوصية المطبخ المحلي في المنطقة، وتتميز بمذاقها الغني وقيمتها الغذائية العالية.

وعلى صعيد الموسيقى، يبرز الطرب الأندلسي كأحد أعرق الفنون الموسيقية في المغرب، حيث يمتاز بالنوبة الإيقاعية التي تجمع بين الطابع الديني والفني، ويعكس عبق التاريخ الأندلسي الذي انتقل إلى المغرب عبر الموريسكيين بعد سقوط غرناطة. إلى جانب ذلك، توجد المدرسة الغرناطية التي تطورت في المغرب وارتبطت بمدينة فاس وتطوان، وهي من المدارس الأساسية في الموسيقى الأندلسية المغربية. كما تشتهر الموسيقى المغربية بأشكال أخرى مثل الرݣادة، وهي موسيقى وطقوس شعبية تعبر عن الفرح والاحتفالات في مناطق متعددة بالمغرب، والغيوان، فرقة موسيقية معروفة تعكس التراث الشعبي المغربي من خلال أغانيها التي تحمل رسائل اجتماعية وثقافية عميقة. ولا يمكن إغفال موسيقى الأحيدوس، التي تمثل تراثاً أمازيغياً أصيلاً، وتُؤدى في المناسبات الجماعية والاحتفالات، حيث تتمازج فيها الأغاني والرقصات الجماعية التي تعكس روح التضامن والفرح في المجتمع الأمازيغي.

كما تظل قيم الكرم والضيافة من أبرز السمات الاجتماعية التي تعكس عمق الروابط الإنسانية والتقاليد الأصيلة في المجتمع المغربي.

وفي الختام ،لا يسعنا إلا أن نقول أن المغرب يمثل نموذجاً فريداً في الصمود والكفاح من أجل الحرية والاستقلال، إذ يجمع بين إرث حضاري عريق وحكم دولة علوية شريفة أثمرت استقراراً وتطوراً، وثقافة غنية ومتنوعة. إن
تاريخ المغرب الحافل بالمقاومة والبطولات، إلى جانب ثقافته الأصيلة وأكلاته التراثية وموسيقاه الشعبية، يشكل مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن مغربي، ويؤكد للعالم أن هذا الشعب العظيم لا يُقهَر ولا يُهان.

المصادر المعتمدة:
👈🏼الدولة العلوية المغربية: النشأة والاستقرار والاستمرار، موقع دعوة الحق
👈🏼Maroc1، “تاريخ المملكة العلوية الشريفة بالمغرب
👈🏼العُمق، “مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”، 2024.
👈🏼محمد بن عبد الله، “تاريخ المغرب القديم والحديث”، دار النشر المغربية، 2015
👈🏼عبد الله العروي، “الثقافة المغربية: الهوية والتنوع”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!