
صادق مجلس الحكومة المغربي مؤخراً على أربعة مراسيم هامة تنظم الصناعة السينمائية في المغرب، وتعيد تنظيم المركز السينمائي المغربي، وذلك تطبيقاً لمقتضيات القانون رقم 18.23. وتشمل هذه المراسيم مرسوم رقم 2.25.482 الذي يحدد شروط وكيفيات تقييد العقود في السجل الوطني للسينما والتشطيب عليها، ومرسوم رقم 2.25.483 الذي يحدد كيفيات مزاولة نشاط الإنتاج السينمائي، بالإضافة إلى مرسوم رقم 2.25.484 الذي ينظم توزيع الأفلام السينمائية وتصديرها واستيرادها وتأشيرة استغلالها التجاري والثقافي كما ينظم استغلال قاعات السينما، وأخيراً مرسوم رقم 2.25.485 الذي يتعلق بعلامة الاستوديو، وبطاقة المهني السينمائي، وتصنيف الأصناف المهنية المرتبطة بالصناعة السينمائية. وقد أرسى اعتماد هذه المراسيم قواعد قانونية وتنظيمية متكاملة تغطي كل مراحل الصناعة السينمائية المغربية من تسجيل العقود والإنتاج، إلى التوزيع والعرض، وحتى تنظيم الموارد البشرية، وهو ما يعد دعامة أساسية لتطوير القطاع اقتصادياً وثقافياً.
تأتي هذه الإجراءات في سياق إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي، الذي يستهدف توسيع اختصاصاته وتحسين إدارته وتدبيره بما يعزز من دوره كرافعة لتنمية الاقتصاد والإبداع الفني في المغرب. فالمرسومات الجديدة تفرض على شركات الإنتاج والمهنيين السينمائيين الحصول على تراخيص وبطاقات مهنية، إضافة إلى توظيف تقنيين مغاربة، ما يسهم في رفع مستوى الكفاءات وتشجيع التدريب العملي. كما تفرض المراسيم شروطاً صارمة في برمجة الأفلام الوطنية داخل القاعات السينمائية، بهدف دعم الإنتاج المحلي وتعزيز حضوره أمام الجمهور المغربي.
تنعكس هذه التنظيمات على ميادين الإنتاج السينمائي والتوزيع والأسواق حيث توفر البيئة القانونية إطاراً مشجعاً للاستثمارات الوطنية والدولية، وتحفز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص شغل مستدامة لشباب المهنيين في القطاع. فتنظيم عمليات الترخيص والإنتاج يرفع من الاحترافية ويؤكد على احترام القوانين والثوابت الثقافية، ما يعزز تنافسية السينما المغربية في السوق العالمية ويجعل المغرب وجهة مميزة لتصوير الأعمال السينمائية الدولية، وهو ما أسهم في السنوات الأخيرة في زيادة المداخيل وعدد المشاهدين داخل القاعات.
وعلى صعيد البنية التحتية للعروض السينمائية، تفرض المراسيم الجديدة معايير فنية وتقنية دقيقة لضمان جودة العرض السينمائي وراحة الجمهور، من حيث وضوح الصوت والصورة وجودة المقاعد وتنظيم القاعات، إضافة إلى ضمان حقوق الجمهور وعدم منعه من الحضور بطريقة غير مبررة. هذه المعايير تساهم في تعزيز تجربة المشاهدة ومحفز للاستثمار في تجديد أو بناء قاعات عرض جديدة تواكب التطور المتنامي للقطاع السينمائي المغربي.
ترافق هذه الخطوات مجموعة مبادرات ترويجية تهدف إلى جذب المواهب والمستثمرين. فالمغرب يقدم حوافز ضريبية ولوجستية متقدمة لشركات الإنتاج الأجنبية، مع استغلال جغرافي وثقافي فريد يجذب أصحاب الأفكار السينمائية المختلفة. بالإضافة إلى مشاركة وطنية ودولية في مهرجانات سينمائية كبرى، وتوفير فرص تواصل مستمر بين صناع السينما المغاربة ونظرائهم الأجانب، مما يفتح آفاق تعاون وإنتاج مشترك يرتقي بالصناعة الوطنية. كما أن التزام الدولة بدعم تطوير الكوادر المحلية وتوفير التدريب العملي يعزز من قدراتها التنافسية في سوق العمل.
النتائج العملية لهذه السياسة الجديدة بدأت تظهر على أرض الواقع؛ إذ سجلت السينما المغربية خلال السنوات القليلة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المشاهدين وإيرادات القاعات، كما ازداد حجم الإنتاج المحلي والدولي، ما أدى إلى طفرة اقتصادية وثقافية في القطاع. وفي ظل الاهتمام الحكومي المستمر، تشهد صناعة السينما في المغرب حالة من الانتعاش الديناميكي، يواكب التطورات التقنية والفنية العالمية، ويجسد الطموح في رفع جودة الإنتاج وتوسيع انتشار السينما المغربية محلياً وعالمياً.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة، منها ضرورة زيادة عدد القاعات السينمائية وتأهيلها للحفاظ على الزخم، فضلاً عن تعزيز جودة المضمون الفني إلى جانب النجاح التجاري. ويظل الحفاظ على توازن بين السينما الشعبية التي تجذب الجمهور العام وسينما المؤلف المستقلة ذا الأهمية الكبيرة لضمان تنوع ثري ومتوازن للنتاج السينمائي المغربي.
هذه السياسات والمراسيم تمثل تصميماً جديداً لجعل صناعة السينما بالمغرب قاطرة للنمو الاقتصادي والإبداع الفني مع توفير فرص عمل متزايدة وشاملة، وتحويل البلد إلى منصة إقليمية ذات سمعة ثقافية وفنية مقبولة وواعدة. كل هذه الجهود تصب في إطار هدف أوسع يتمثل في ترسيخ الهوية الثقافية المغربية والتأكيد على مكانتها في المشهد السينمائي العالمي.
وكالات