انسحبت بريطانيا من فلسطين يوم 14 مايو/أيار 1948، وأعلن ديفيد بن غوريون في اليوم نفسه قيام الدولة الإسرائيلية وعودة الشعب اليهودي إلى ما أسماه أرضه التاريخية. وفيما يلي نص إعلان الدولة، ونحن ننشره هنا لأغراض التوثيق التاريخي بصرف النظر عما فيه من تشويه متعسف للتاريخ والجغرافيا.
نص الإعلان
“أرض إسرائيل هي مهد الشعب اليهودي، هنا تكونت شخصيته الروحية والدينية والسياسية، وهنا أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيما حضارية ذات مغزى قومي وإنساني جامع، وفيها أعطى للعالم كتاب الكتب الخالد.
بعد أن نفي عنوة من بلاده حافظ الشعب على إيمانه بها طيلة مدة شتاته، ولم يكف عن الصلاة أو يفقد الأمل بعودته إليها واستعادة حريته السياسية فيها.
سعى اليهود جيلا تلو جيل مدفوعين بهذه العلاقة التاريخية والتقليدية إلى إعادة ترسيخ أقدامهم في وطنهم القديم، وعادت جماهير منهم خلال عقود السنوات الأخيرة.. جاؤوا إليها روادا ومدافعين، فجعلوا الصحارى تتفتح وأحيوا اللغة العبرية وبنوا المدن والقرى، وأوجدوا مجتمعًا ناميا يسيطر على اقتصاده الخاص وثقافته.. مجتمعاً يحب السلام لكنه يعرف كيف يدافع عن نفسه، وقد جلب نعمة التقدم إلى جميع سكان البلاد وهو يطمح إلى تأسيس أمة مستقلة.
انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في سنة 5657 عبرية (1897 ميلادية) بدعوة من ثيودور هرتزل الأب الروحي للدولة اليهودية، وأعلن المؤتمر حق الشعب اليهودي في تحقيق بعثه القومي في بلاده الخاصة به.
واعترف وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 بهذا الحق، وأكده من جديد صك الانتداب المقرر في عصبة الأمم، وهي التي منحت بصورة خاصة موافقتها العالمية على الصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل واعترافها بحق الشعب اليهودي في إعادة بناء وطنه القومي.
وكانت النكبة التي حلت مؤخرا بالشعب اليهودي وأدت إلى إبادة ملايين اليهود في أوروبا دلالة واضحة أخرى على الضرورة الملحة لحل مشكلة تشرده عن طريق إقامة الدولة اليهودية في أرض إسرائيل من جديد.. تلك الدولة التي سوف تفتح أبواب الوطن على مصراعيه أمام كل يهودي، وتمنح الشعب اليهودي مكانته المرموقة في مجتمع أسرة الأمم حيث يكون مؤهلا للتمتع بكافة امتيازات تلك العضوية في الأسرة الدولية.
لقد تابع الذين نجوا من الإبادة النازية في أوروبا وكذلك سائر اليهود في بقية أنحاء العالم عملية الهجرة إلى أرض إسرائيل غير عابئين بالصعوبات والقيود والأخطار، ولم يكفوا أبدا عن توكيد حقهم في الحياة الحرة الكريمة وحياة الكدح الشريف في وطنهم القومي.
وساهمت الجالية اليهودية في هذه البلاد خلال الحرب العالمية الثانية بقسطها الكامل في الكفاح من أجل حرية وسلام الأمم المحبة للحرية والسلام وضد قوى الشر والباطل النازية. ونالت بدماء جنودها ومجهودها في الحرب حقها في الاعتبار ضمن مصاف الشعوب التي أسست الأمم المتحدة.
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1947 مشروعا يدعو إلى إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل. وطالبت الجمعية العامة سكان أرض إسرائيل باتخاذ الخطوات اللازمة من جانبهم لتنفيذ ذلك القرار.
إن اعتراف الأمم المتحدة هذا بحق الشعب اليهودي في إقامة دولة هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه أو إلغاؤه.
إن هذا هو الحق الطبيعي للشعب اليهودي في أن يكون سيد نفسه ومصيره مثل باقي الأمم في دولته ذات السيادة.
وبناء عليه نجتمع هنا نحن أعضاء مجلس الشعب ممثلي الجالية اليهودية في أرض إسرائيل والحركة الصهيونية في يوم انتهاء الانتداب البريطاني على أرض إسرائيل. وبفضل حقنا الطبيعي والتاريخي وبقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، نجتمع لنعلن بذلك قيام الدولة اليهودية في أرض إسرائيل والتي سوف تدعى “دولة إسرائيل”.
ونعلن أنه منذ لحظة انتهاء الانتداب هذه الليلة عشية السبت في السادس من مايو (أيار) سنة 5708 عبرية (الموافق الخامس عشر من مايو سنة 1948 ميلادية) وحتى قيام سلطات رسمية ومنتخبة للدولة طبقا للدستور الذي تقره الجمعية التأسيسية المنتخبة في مدة لا تتجاوز أول أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1948.. منذ هذه اللحظة سوف يمارس مجلس الشعب صلاحيات مجلس دولة مؤقت وسوف يكون جهازه التنفيذي الذي يدعى “إسرائيل”.
وسوف تفتح دولة إسرائيل أبوابها أمام الهجرة اليهودية لتجميع شمل المنفيين، وسوف ترعى تطور البلاد لمنفعة جميع سكانها دون تفرقة في الدين أو العنصر أو الجنس.
وسوف تضمن حرية الدين والعقيدة واللغة والتعليم والثقافة، وسوف تحمى الأماكن المقدسة لجميع الديانات وسوف تكون وفية لمبادئ الأمم المتحدة.
إن دولة إسرائيل مستعدة للتعاون مع وكالات الأمم المتحدة وممثليها على تنفيذ قرار الجمعية العامة في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، وسوف تتخذ الخطوات الكفيلة بتحقيق الوحدة الاقتصادية لأرض إسرائيل بكاملها.
وإننا نناشد الأمم المتحدة أن تساعد الشعب اليهودي في بناء دولته..
ونناشد السكان العرب في دولة إسرائيل وسط الهجوم الذي يشن علينا ومنذ شهور أن يحافظوا على السلام، وأن يشاركوا في بناء الدولة على أساس المواطنة التامة القائمة على المساواة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة المؤقتة والدائمة.
إننا نمد أيدينا إلى جميع الدول المجاورة وشعوبها عارضين السلام وحسن الجوار، ونناشدهم إقامة روابط التعاون والمساعدة المتبادلة مع الشعب اليهودي صاحب السيادة والمتوطن في أرضه. إن دولة إسرائيل على استعداد للإسهام بنصيبها في الجهد المشترك لأجل تقدم الشرق الأوسط بأجمعه.
وإننا نناشد الشعب اليهودي في جميع أنحاء المنفى الالتفاف حول يهود أرض إسرائيل ومؤازرتهم في مهام الهجرة والبناء والوقوف إلى جانبهم في الكفاح العظيم لتحقيق الحلم القديم.. ألا وهو خلاص إسرائيل.
إننا نضع ثقتنا في الله القدير ونحن نضيف توقيعنا على هذا الإعلان خلال هذه الجلسة لمجلس الدولة المؤقت على أرض الوطن في مدينة تل أبيب عشية هذا السبت اليوم الخامس من مايو (أيار) سنة 5708 عبرية (الموافق الرابع عشر من مايو 1948)”.
أسماء الموقعين
ديفيد بن غوريون – دانيال أومستر – مردخاي بنتوف – إسحق بن زفي – إلياهو برلن – برتز برنشتين – حاخام ذيف غولد – مائير غرايوفسكي غوينباوم – إبراهام غرانوفسكي – إليوهو دوبكن – مائير فلز – زوراه واراهافيغ – هرزل شاري- راشيل كوهين – كالمان كاهان – س كوثاش- إسحق مائير ليفن – م. د. ليفنشتاين – زفي لوريا – غولدا مايرسن – ناحوم نير- راف لكس- زفي سيغال- يهودا ليب – كوهين فشمان – ديفد نلسون – زفي بنحاس – أهرون زيلخ – موشي كولورني – أ. كابلان – أ. كاتز – فيلكس روزنبلت – د. ديمبر – ب. ريبتور – موردخاي شامير بن زيون سنتيرنبرغ – بيخور شطربت – موشي شابيرا – موشي شرتوك.
مؤرخ إسرائيلي : معلومات استخباراتية فرنسية شجعت بن غوريون على إعلان قيام إسرائيل في 15أيار 1948
يقول باحث إسرائيلي في دراسة جديدة بمناسبة الذكرى السنوية للنكبة، إن ديفيد بن غوريون أقدم على إعلان قيام إسرائيل في 15.05.1948 رغم علمه بأن ذلك سيقود لحرب مع دول عربية، مرجحا أن القادة العرب ما كانوا سيرسلون جيوشهم لفلسطين لولا هذا الإعلان لاسيما أنهم كانوا مترددين.
ويدعي أن جهات بريطانية في المنطقة وخلافا لسياسات الاستعمار البريطاني الذي تبنى الصهيونية وساعدها في احتلال البلاد، قد شجعّت بدوافعها الذاتية قادة عربا على دخول البلاد والحرب مع المنظمات الصهيونية.
وتحت عنوان “أسرار ديفيد بن غوريون” يقول المؤرخ الإسرائيلي البروفيسور مئير زمير إن “مديرية الشعب “(الحكومة المؤقتة لدولة الاحتلال) قد اجتمعت في 12 مايو/ أيار 1948 لاتخاذ قرار مصيري : هل تقبل الطلب الأمريكي بوقف النار أو الإعلان عن دولة يهودية مستقلة تستند لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29.11.1947 ؟.
وكان واضحًا للمشاركين العشرة في اجتماع ” مديرية الشعب ” سيؤدي إلى حرب شاملة مع جيوش الدول العربية،” هم، هي هل هم مخولون باتخاذ قرار يضع الشعب اليهودي أمام محرقة أخرى؟ » ا لمقال نشره المؤرخ العسكري الإسرائيلي ، البروفيسور مئير زامير، ونشره في صحيفة “هآرتس” اليوم، الجمعة.
الاعتبارات التي دفعت بن غوريون إلى حض المجتمعين على ات خاذ قرار إقامة دولة إسرائيل، لافتا إلى أن هذه الدوافع كانت محاطة بضبابية. “هل كان متسرعا واتخذ قراره من شعور غيبي يكاد يكون خلاصي، مثلما ادعى مؤرخ ون كثر، أم أنه ربما استند إلى معلومات استخبارية دقيقة وجديدة وبحث دقيق لقدرات قوات الييشوف على لجم الهجوم العربي؟”.
ويبدو أن بن غوريون استند في قراره إلى الإمكانية الثانية، بحسب وثائق اك تشفت مؤخرا في أرشيفات فرنسية وإسرائيلية. “مديرية الشعب” بن غوريون معلومات سرية من الاستخبارات الفرنسية. “لقد اتضح لبن غوريون أن قادة الدول العربية المجتمعون في دمشق قد قرروا، بدعم بريطاني سري، شن حرب خاطفة في جميع الأحوال”، حسب زامير.
” 15 أيار/م ايو، وقررت ذلك حتى لو أن الأمر منوط بخطر الفشل. يعتمدون على عدم وجود سلاح ثقيل وغطاء جوي عبري. وستهاجم تل أبيب من الجو مباشرة”.
مئير زمير المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بئر السبع يشير إلى أن عشرة قادة صهاينة شاركوا في الاجتماع المذكور وكافتهم اعتقد أن إعلان قيام دولة يهودية سيفضي بالضرورة لحرب شاملة مع جيوش عربية. ويوضح أن ذاكرة المحرقة التي تمت للتو والأنباء عن الواقع الصعب لمستوطنات “غوش عتسيون “زادت من مخاوف هؤلاء العشرة الذين” وقفوا أمام معضلة أخلاقية صعبة: هل يسمح لهم باتخاذ قرار يعرضّ الشعب اليهودي لكارثة إضافية ؟ ويقول زمير إن الاعتبارات التي أخذها بن غوريون وقتها بالحسبان لطالما كانت غامضة رغم أن قراره كان تاريخيا، وإنه لطالما تساءل مؤرخون كثر هل أن بن غوريون تصرف باستعجال منطلقا من إحساس بشعور خلاص شبه غيبي أم أنه اعتمد على معلومات استخباراتية دقيقة وكان على علم مؤكد بقدرة القوات الصهيونية على صد أي هجمة عربية؟
ويشير في الدراسة التي نشرت أمس في صحيفة ” هآرتس ” والمجلة البريطانية” انتيليجانس أند ناشيونال سيكوريتي” أن وثائق تاريخية جديدة عثر عليها في أرشيفات فرنسية وإسرائيلية تدعم الاحتمال الثاني. موضحا أن هذه الوثائق تظهر أن بن غوريون حاز على معلومات سرية من المخابرات الفرنسية حيث اتضح له أن رؤساء وملوكا عربا اجتمعوا في دمشق قد قرروا وبدعم أوساط بريطانية الخروج بكل الأحوال لحرب خاطفة ووضعوا لها خطة.
خطة الهجوم العربية
وتقول واحدة من الوثائق الفرنسية التاريخية ” لقد علمنا من مصدر موثوق أن دولا عربية قررت نهائيا الخروج بحملة عسكرية موحدة في 15 مايو/ أيار رغم مخاطر فشلها. العرب يعتمدون على فقدان أسلحة ثقيلة بيد المنظمات الصهيونية وخططوا لقصف تل أبيب من الجو”.
ويقول زمير إن البرقية الفرنسية التي وصلت عن طريق القنصلية الفرنسية في مدينة القدس تستند لتقرير سري أرسل من الملحق العسكري للجيش الفرنسي في بيروت لقيادته العامة في باريس.
وحسب زمير فقد تطرقت البرقية لتفاصيل خطة الهجوم العربية”، ويشير الى أنها قدمت لبن غوريون معطيات سرية تمتاز بأهمية استراتيجية عالية، مرجحا أن بن غوريون لم يطلع معظم المشاركين في تلك الجلسة الحاسمة عندما تلقى هذه المعلومات خلال انعقادها. زاعما أنه حاز في يوليو/تموز 1947 على معلومات مفادها أن جهات بريطانية وعراقية تخطط لإلغاء قرار بريطانيا بالانسحاب من فلسطين من خلال إشعال حرب شاملة بين اليهود والعرب. ويضيف “لكن بن غوريون وعشية الاجتماع الحاسم المذكور أدرك أن النجاحات العسكرية للصهيونية خاصة احتلال حيفا ويافا قد وحدت القادة العرب وأقنعتهم لتوحيد قواهم والخروج في حرب من أجل منع إقامة دولة يهودية أو تقليص مساحتها وحصرها في منطقة الساحل على الأقل “.
كما يشير زمير لبرقية خرجت عن الانتداب البريطاني لقيادة الجيش في لندن في السابع من مايو/أيار 1948 تقدّر أن العرب سيحاولون استغلال تفوقهم بالعدد والعتاد من أجل السيطرة على المناطق المخصصة للدولة العربية حسب قرار التقسيم الأممي وعلى النقب الذي خصص بمعظمه للدولة اليهودية، علاوة على مناطق في شرق وشمال البلاد تحت السيطرة اليهودية.
وحسب هذه البرقية البريطانية تم التقدير بأن اليهود سيضاعفون عدد مقاتليهم بسرعة بواسطة هجرة متزايدة لشباب مهاجرين مؤهلين للقتال واستعجال استيراد سلاح وذخيرة وسط تجاهل الحظر الأمريكي. وفي المرحلة الثانية وفقا للبرقية المذكورة سيتحول اليهود للهجوم المضاد وإحراز التفوق نتيجة نقص السلاح والعتاد لدى العرب ونتيجة المساس بمعنوياتهم.
وتتابع البرقية “من المرجح أن يستغل اليهود الفرصة في المرحلة الثانية واحتلال مناطق عربية مجددا وربما مهاجمة دول عربية، أما المرحلة الثالثة فستكون حرب استنزاف بحال صمد العرب في المرحلة الثانية، وفي الثالثة تكون الغلبة للعرب بسبب مواردهم الأكبر مع احتمال نشوب قلاقل داخل الدول عربية نتيجة صعود قوى سياسية متطرفة”.
ويقول الباحث الإسرائيلي إن البرقية البريطانية تظهر أربع خلاصات عملياتية سيتبناها البريطانيون خلال وبعد الحرب: الخلاصة الأولى مفادها أن الجيوش العربية ستدير حربا خاطفة بغية إحراز مكاسب سريعة على الأرض، والثانية ضرورة منع هجوم مضاد إسرائيلي من خلال فرض وقف إطلاق نار وتثبيت المكاسب العربية.
ويزعم الباحث الإسرائيلي أن السفير الفرنسي في الأمم المتحدة الكسندر فارودي أفاد في 19 أيار بأن السفير البريطاني فيها عمل من أجل إفشال مبادرته في الأمم المتحدة لفرض وقف نار، وهو نفسه عاد وأبدى حماسا لاتخاذ قرار أممي بفرض وقف نار في نهاية الشهر حينما كانت القوات العربية في حالة انسحاب. أما الخلاصة الثالثة فتفيد بأن بريطانيا تدارست إمكانية القيام بتدخل عسكري في حال غزت إسرائيل مناطق عربية مجاورة استنادا لاتفاقات تحالف بينها وبين مصر والمملكة الأردنية.
ويقول زمير إن بريطانيا هددت فعلا بالتدخل حينما قامت إسرائيل بهجمة في سيناء في ديسمبر/ كانون الأول 1948( عملية حوريب) وحينما خشيت من مهاجمة قوات إسرائيلية الأردن. ويقول إنه على خلفية ذلك يمكن فهم إسقاط خمس مقاتلات بريطانية من طراز ” سبيتفايير ” على يد سلاح الجو الإسرائيلي، وكذلك إيصال أسلحة للعقبة من قبل الأسطول البريطاني وتقدم بوارج عسكرية بريطانية نحو سواحل بيروت بناء على طلب رئيس الحكومة اللبنانية. أما الخلاصة الرابعة فتفيد بتأمين احتلال النقب على يد قوات عربية.
من أجل فهم هذه المزاعم الواردة في الخلاصات المذكورة يقول الباحث الإسرائيلي إن قراءة الوثيقة البريطانية المذكورة تدفع للسؤال: لماذا شجع ضباط مخابرات بريطانيون وضباطهم الكبار في مصر على خروج العرب لحرب رغم توقعاتهم بهزيمتهم؟
زمير الذي سبق ونشر مقالات حول تواطؤ جهات بريطانية مع العرب قبيل 1948 يزعم أن بعض هؤلاء الضباط البريطانيين لم يقدروا جيدا قدرات القوات الصهيونية على مواجهة حملة عسكرية عربية.
ويضيف “آمن آخرون أن دولا عربية في حال انتصرت أم خسرت في الحرب فستزيد تبعيتها لبريطانيا وستزيل رفضها لتوقيع اتفاقات تحالف معها كانت لندن تريدها جدا على خلفية توتر متصاعد بينها وبين موسكو، وخوف من اندلاع حرب بينهما تكون منطقة الشرق الأوسط إحدى جبهاتها “.
الإخوان المسلمون
ويدعي زمير أن بن غوريون علم مبكرا بوجود جهات بريطانية تسعى لإحباط قيام دولة يهودية، ولذا شرع في 1945 بالبحث عن أسلحة في الولايات المتحدة وعن وسائل تصنيع محلي لأسلحة ثقيلة. كما يدعي أن مصادر فرنسية أبلغت بن غوريون أن جهات عسكرية بريطانية في مصر أقنعت ملكها فاروق بالانضمام للدول العربية في حربها في فلسطين رغم معارضة أوساط مصرية، ورغم أن رئيس حكومتها محمود فهمي النقراشي توصل بعد اجتماعات سرية أن الجيش المصري غير مؤهل للمشاركة في حرب وتنقصه المعدات.
ويقول الباحث الإسرائيلي إن وكلاء بريطانيين استخدموا “الإخوان المسلمين” التي هاجم آلاف من أتباعها ممتلكات اليهود وتظاهروا في الشوارع مطالبين الملك بـإصدار الأوامر من أجل إنقاذ المسجد الأقصى وفلسطين وسكانها المسلمين. ويضيف “كما قالوا لفاروق إن احتلاله للنقب سيمكّن الجيش البريطاني من تلبية دعوته بخروجه من أرض مصر والانتقال للنقب”. لكن وسيلة التحفيز أو الإغواء المركزية لإقناع فاروق بذلك حسب زمير استنادا لتقارير استخباراتية فرنسية، كانت تزويد الجيش المصري بالسلاح خلسة دون علم الحكومة البريطانية التي حظرت تصدير السلاح للشرق الأوسط وقتها.
كذلك يقول الباحث الإسرائيلي إن بن غوريون علم وقتها عن طريق وكلاء فرنسيين أن قادة عربا اجتمعوا في دمشق خلال الأسبوع الثاني من أيار 1948 من أجل التباحث فيما إذا سيقبلون بالطلب الأمريكي بتمديد الانتداب البريطاني على فلسطين عشرة أيام. وحسب هذه المعلومات الفرنسية فقد فرض البريطانيون على الملك الأردني عبد الله وعلى ولي العهد في العراق عبد الإله القيام بإقالة الجنرال العراقي إسماعيل صفوت واستبداله بجنرال عراقي آخر هو نور الدين محمد الذي كان خنوعا أكثر للمطالب البريطانية.
ويتابع زمير: “بناء على المعلومات الفرنسية فقد كان أمين عام الجامعة العربية عبد الله عزام ورئيسا حكومتي سوريا ولبنان ومفتي القدس الحاج أمين الحسيني مستعدين لقبول المقترح الأمريكي لكنهم رضخوا لإملاء الملك الأردني الذي قال رسله في اجتماع دمشق إن الجيش الأردني سيغزو فلسطين بكل الأحوال وقد اضطر موقف عبد الله بقية القادة العرب لدعم قرار الغزو كي لا يظهروا بعيون الشارع العربي أقل التزاما بالدفاع عن عرب فلسطين. وكان القادة العرب الذين تعاون بعضهم سرا مع المخابرات البريطانية لا يساورهم شك بأن عبد الله يتحرك وفق توجيهات أسياده البريطانيين”. ومن هنا يستنتج الباحث الباحث الإسرائيلي أن إرسال غولدا مئير للقاء الملك الأردني في 11 مايو/أيار في محاولة لإقناعه بالامتناع عن المشاركة في الحرب لم يكن لديها احتمال بنجاحها.
مذكرة للجيش البريطاني
1948 قا لزامير، الذي اعتبر أن المذكرة تجاهلت الوساطة الأميركية وتخوفات قادة ال دول العربية من الحرب. وقدّرت المذكرة أنه في المرحلة الأولى ستسغل الجيوش العربية تفوقها بالق وات النظامية والسلاح الثقيل والذخيرة، من أجل السيطرة من خلال هجوم خاطف ع المناطق التي خصصها قرار تقسيم فلسطين للدولة العربية والنقب، وأنهم سن جحون بالاستيلاء على منطقة في شمال شرق البلاد، خصصها القرار للدولة اليهودية.
الهجوم العر بي، بواسطة تكثيف الهجرة إلى فلسطين وتجنيد قوى مؤهلة للحرب، في موازاة تكثيف استيراد السلاح والذخيرة، وتجاهل الحظر الأميركي. المرحلة الثانية، ستسرع القوات اليهودية الهجوم المضاد، وسيتغلبون في هذه المرحلة بسبب نقص السلاح والذخيرة لدى الجيوش العربية والمس بروحهم القتالية.
” عادة احتلال مناطق عربية ومهاجمة دول عربية أيضا”. “استنزاف”، ويتفوق فيها العرب بسبب مواردهم. وتوقعت المذكرة البريطانية أيضا، أن تواجه الأنظمة العربية أزمات داخلية ومواجهة صعود حركات سياسية “متطرفة”.
رسالة بن غوريون التي كذّبت غولدا مائير
في الثاني من يونيو 2015، تمر على رسالة كتبها رئيس وزراء إسرائيل الأول ديفيد بن غوريون، ونشرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليسارية ، 75 سنة، حيث تنسف الرسالة الرواية الصهيونية حول “خروج” الفلسطينيين من أرضهم عام 48، في الفترة التي عرفت لاحقاً بـ”النكبة”.
وفق الرسالة المطبوعة التي ستباع الأسبوع المقبل في مزاد “كيدم” بمدينة القدس، فإن بن غوريون أصدر أوامره إلى السكرتير العام لعمال حيفا آبا حوشي، بمنع عودة العرب إلى المدينة التي أصبح الأخير رئيساً لبلديتها فيما بعد من 1951 إلى 1969، عام وفاته.
لكن مضمون الرسالة سبق نشره عام 2002 في كتاب “آبا حوشي.. رجل حيفا”، الشخصية الإسرائيلية الذي عرف بسيرة قمعية إزاء معارضيه من أبناء دولته الناشئة آنذاك، علاوة على العرب الذين ساقتهم الأقدار للوقوع تحت حكمه.
ومما طلبه بن غوريون في الوثيقة العبرية، مترجمة بالإنجليزية على موقع “تايمز أوف إسرائيل”، تحويل المدرسة المهنية التي أنشأها الانتداب البريطاني للسكان العرب إلى ملكية سلاح الجو الإسرائيلي، الناشئ حينذاك.
وكما تؤكد “هآرتس”، فإن الرسالة تتناقض وما كتبته غولدا مائير، رابع رئيس وزراء لإسرائيل، في مذكراتها أن بن غوريون طلب منها إقناع العرب بعدم الفرار من حيفا.
وذهبت مائير إلى أبعد من ذلك، في مذكراتها التي سمتها “حياتي” فكتبت تقول إنها توسلت إلى العرب الذين وصلوا البحر فارين طوعاً، العودة إلى ديارهم لكنهم رفضوا.
وتتبنى إسرائيل رواية أن الفلسطينيين هربوا من ديارهم طائعين خلال الحرب عام 1948، بينما يوثق المؤرخون ارتكاب مجازر على يد العصابات التي شكلت لاحقاً جيش إسرائيل.
وستباع الرسالة في مزاد “كيدم” في القدس، الذي تأسس عام 2008 لبيع المخطوطات القديمة التي تخص التاريخ الإسرائيلي والحركة الصهيونية، والتحف كذلك، والوثائق والكتب العتيقة.
و”كيدم” في العبرية من الأضداد، أي أنها تعني القديم والجديد معاً، فالمزاد مختص ببيع الأشياء القديمة، ومنها رسالة بن غوريون ووثائق أخرى تخص ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية المعاصرة، في وقت تشير الكلمة إلى معنى التقدم والمستقبلية.
تبدأ المزايدة من 1800 دولار أميركي، السعر الذي يعد زهيداً مبدئياً، بالنسبة لوثيقة تخص أحد مؤسسي إسرائيل، لكن المجهول هو المبلغ الذي ستباع به الرسالة فعلاً.
المصادر: الجزيرة،العربية هارتز ،تايمز أوف الاسرائيلية ،القدس العربية +وكالات