بوشعيب نفاح: رحلة شغف وإبداع من الرسم إلى مجسمات شاحنات المسيرة الخضراء
شغف لا ينطفئ وإبداع يتجاوز الحدود

في قرية نائية، حيث تلتقي الأرض بالسماء في بساطة الطبيعة، وُلد بوشعيب نفاح، الطفل الذي حمل في قلبه شعلة لا تنطفئ من الشغف بالرسم. بريشته الصغيرة وألوانه المتواضعة، كان يرسم أحلامه على الورق وعلى جدران البيت الطيني، وكأنها نافذته إلى عالم أوسع وأجمل.
كانت معلمته تراه بعينين ملؤهما الأمل، تشجعه بحنان وتصر على أن يمنحه فرصة لتطوير موهبته، حتى دفعت بوالده إلى التفكير في إرساله إلى الدار البيضاء، حيث تفتح مدرسة الفنون الجميلة أبوابها للمبدعين الصغار.
لكن الأب، الذي ربط مصير ابنه بقطعان الغنم وأرض الضيعة، رفض ذلك بحزم، مفضلاً أن يرعى بوشعيب الأغنام ويساعده في تدبير شؤون البيت.
وبالرغم من ذلك الرفض، لم يخمد بوشعيب شعلة حبه للفن. ترك مقاعد الدراسة مبكراً، لكنه لم يترك حلمه. وتوجه إلى مدينة بنسليمان، حيث تعلم صنعة الطولوري، وعاش بين ألوان الحياة وأدوات الحرف، يرسم في أوقات فراغه، ويغزل من خياله لوحات تروي قصة صموده وأحلامه.
تزوج واستقر بالحي الحسني ببنسليمان، وفتح محلاً صغيراً أثته بمجسمات الشاحنات لتعكس روحه الفنية النابضة.
كان خياله لا يفارقه، خاصة فكرة “روبوت” التي تراوده في يقظته وأحلامه، كصديق سري يعيش معه في عالم من الإبداع والخيال اللامحدود. وفي لحظة حاسمة، قرر أن يحول هذا الحلم إلى حقيقة ملموسة. فأبدع في صنع الروبوت من خياله، حتى تجاوز صدى ابتكاراته حدود مدينته الصغيرة، ووصل إلى ألمانيا، حيث أثارت أعماله إعجاب المهتمين بالفن والتقنية، وفتحت له آفاقاً جديدة من التقدير والاحترام.
وبما أن حرفته الأساسية كانت صيانة هياكل السيارات وصباغتها، راودته فكرة فريدة: “صنع شاحنات مصغرة”، مستوحاة من تلك التي شاركت في المسيرة الخضراء، ليجمع بين مهارته الحرفية وشغفه الفني في مشروع ينبض بالذاكرة الوطنية ويخلد لحظات تاريخية عظيمة.
ولا يزال بوشعيب يبدع في صناعة مجسماته الفنية، خاصة المجسمات المصغرة للشاحنات ، آملاً في عرضها في ذكرى هذه المناسبة الوطنية العزيزة، يواصل العمل بشغف وإتقان، ليخلد من خلال فنه إرث الوطن ويشارك في إحياء ذكراه عبر إبداعاته التي تجمع بين الحرفية والفن.
هكذا، رسم بوشعيب نفاح طريقه الخاص، متجاوزاً رفض الواقع بإصرار القلب، ليصبح فناناً وحرفياً ينسج من خياله ألوان الحياة، ويثبت أن الشغف لا يعرف حدوداً، وأن الإبداع يولد من رحم التحديات.