أخبارجهاتحقوق الإنسانسياسةمجتمع

بين التزام الدولة وواقع الطفولة.. قراءة في اللقاء الوطني لتفعيل البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة

من الصخيرات إلى أرض الواقع: كيف يعزز المغرب حماية أطفاله الأكثر هشاشة؟

في أجواء رسمت ملامحها المسؤولية الوطنية والإنسانية، احتضن قصر المؤتمرات بالصخيرات يوم 26 ماي 2025 لقاءً وطنياً استثنائياً، جمع بين صناع القرار القضائي والاجتماعي، وممثلي المنظمات الدولية والجمعيات المدنية، لمناقشة تتبع تفعيل البروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة. هذا الحدث الذي جاء تزامناً مع اليوم الوطني لحقوق الطفل، لم يكن مجرد اجتماع روتيني، بل انعكاس حقيقي لاهتمام المغرب المتزايد بقضايا الطفولة، وحرصه على بناء منظومة حماية متكاملة، تعكس رؤية ملكية سامية.

في افتتاح اللقاء، استهل السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة كلمته بنداء إنساني ووطني، رحب فيه بالحضور وشكرهم على تفاعلهم مع قضية تمس جوهر المجتمع المغربي، ألا وهي حماية الأطفال في وضعية هشاشة. وأكد أن هذا اللقاء الوطني ليس سوى تجسيد لالتزام المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من الطفولة أولوية وطنية لا تقبل المساومة.
وأضاف السيد الوكيل العام أن حماية الطفولة مسؤولية مشتركة تتطلب تنسيقاً متكاملاً بين مختلف المتدخلين، من القضاء إلى القطاعات الاجتماعية، ومن المنظمات الدولية إلى المجتمع المدني. وأشار إلى أن البروتوكول الترابي الذي تم تبنيه هو ثمرة جهد وطني شامل، يهدف إلى وضع إطار مؤسساتي واضح لتوحيد جهود الجميع، وضمان استجابة فعالة تراعي خصوصية وضعية الطفل وحفظ مصلحته الفضلى.

📍البروتوكول الترابي: خارطة طريق متجددة
يُعد البروتوكول الترابي ثمرة المناظرة الوطنية التي نظمتها رئاسة النيابة العامة في 2023، وهو يحدد مراحل التكفل بالأطفال بدءاً من الوقاية الأولية، مروراً بالتدخل الاستباقي، وصولاً إلى مراحل التشخيص والتأهيل والإدماج، مع توفير دعم نفسي واجتماعي متكامل. ويعتمد البروتوكول على آليات تنسيق بين المستويات الترابية والجهوية، ما يعزز فعالية التدخلات ويضمن عدم تشتت الجهود.

وفي تصريح خاص، قالت السيدة نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل: “هذا اللقاء يمثل فرصة ذهبية لتوحيد الرؤى وتعزيز التعاون بين مختلف الفاعلين، فالطفولة ليست مسؤولية قطاع واحد، بل هي مشروع وطني يتطلب تضافر كل الطاقات.”
ومن جهته، عبر ممثل منظمة اليونيسيف بالمغرب عن تقديره للدعم المغربي المستمر لقضايا الطفولة، مشيراً إلى أن “التنسيق الذي يرسخه البروتوكول يعكس التزاماً حقيقياً بتحقيق حقوق الطفل على أرض الواقع، وهو نموذج يحتذى به في المنطقة.”
أما بعض ممثلي الجمعيات المدنية، فقد أبدوا تفاؤلهم بهذا التوجه، مؤكدين أن “وجود خلايا التكفل بالنساء والأطفال في المحاكم يشكل نقلة نوعية في تسهيل ولوج الأطفال إلى العدالة، ويعزز من حمايتهم القانونية والاجتماعية.”

لا شك أن اللقاء الوطني يُعد خطوة مهمة على طريق بناء منظومة حماية شاملة للطفولة، لكن الواقع يفرض الاعتراف بوجود تحديات عدة، منها ضعف الموارد البشرية المؤهلة، والتفاوتات الجهوية في توفير الخدمات، وأحياناً تعقيدات التنسيق بين القطاعات المختلفة.
ومع ذلك، فإن التزام القيادة العليا والجهود المبذولة من رئاسة النيابة العامة، التي أعدت وثائق إرشادية متخصصة ودعمت خلايا التكفل، يشكلان قاعدة صلبة يمكن البناء عليها. كما أن إشراك المجتمع المدني والمنظمات الدولية يعزز من فرص النجاح ويضفي بعداً تشاركياً على العملية.

يبقى الأطفال في وضعية هشاشة الحلقة الأضعف في نسيج المجتمع، وهم بحاجة إلى حماية متكاملة تجمع بين الحزم والرحمة، بين القانون والإنسانية. اللقاء الوطني لتفعيل البروتوكول الترابي هو تجسيد لهذا التوازن، ورهان على مستقبل أكثر إشراقاً لأطفال المغرب.
وكما قال السيد الوكيل العام في ختام كلمته: “إننا على يقين بأن هذا اللقاء سيثمر مخرجات عملية تعزز من منظومة الحماية، وتضعنا على طريق استشراف مستقبل واعد لأطفالنا، في ظل توجيهات جلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من حماية الطفولة أولوية وطنية لا تقبل التأجيل.”

في النهاية، يبقى السؤال: هل ستنجح هذه المبادرات في تجاوز العقبات وتحقيق الأهداف المنشودة؟ الإجابة تحتاج إلى متابعة مستمرة، وإرادة جماعية صادقة، لتكون حقوق الطفل في المغرب واقعاً ملموساً، لا مجرد شعارات تُرفع في مناسبات وطنية.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!