
حذرت النقابات المغربية من وجود فراغات وثغرات في قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، خصوصًا في القانون رقم 54.23، الذي يهدف إلى تغيير وتتميم القانون رقم 65.00، وينص على توحيد تدبير التأمين الإجباري عبر دمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. جاء هذا التحذير بعد مراقبة مستفيضة لمشروع القانون الذي يسعى إلى تحديث منظومة التغطية الصحية الأساسية في المغرب، في ظل توجيهات ملكية سامية وإطار قانوني جديد للحماية الاجتماعية.
ينطوي هذا المشروع على عدة تعديلات وتشريعات تهدف إلى تعزيز الفعالية والشفافية من خلال نقل مهمة تدبير التأمين الصحي الخاص بالقطاع العام إلى الهيئة الموحدة، وتحقيق شمولية أكبر للحماية عبر تحسين شروط الاستفادة من نظام “أمو تضامن” الموجه للأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك. كما ينص على تنظيم مالي ومحاسبي دقيق، وتحديد صلاحيات مجلس الإدارة مع وضع قواعد واضحة للمحاسبة والمساهمات، إضافة إلى السماح للهيئة بتمويل البرامج الصحية الوقائية ذات الأولوية الوطنية. ويشمل المشروع نقل الأصول والخصوم بشكل كامل لضمان وحدة التدبير المالي، وتأطير تسجيل المؤسات ومساهماتها ضمن النظام الجديد.
غير أن النقابات أبدت تخوفات جدية من أن ينجم عن هذا الدمج إلغاء دور الجمعيات التعاضدية دون وجود بدائل واضحة، مما يهدد مبدأ التعددية والتنافسية في تحسين الخدمات، كما ينتقدون غياب الحوار الجاد مع الشركاء الاجتماعيين مما يؤثر على مشروعية الإصلاح ويخلق حالة من الاحتقان والرفض. بالإضافة إلى ذلك ثمة قلق من أن يفتح القانون أبوابًا واسعة لتفويض مهام قد تحوّل التأمين الاجتماعي إلى قطاع ربحي يتجاهل الدور الاجتماعي الأساسي. يضاف إلى ذلك التشويش التشريعي الناتج عن كثرة الإحالات إلى مراسيم تنظيمية غير صادرة، مما يزيد من غموض النصوص ويعقد تطبيق القانون. ولم تغب كذلك انتقادات التمييز في تطبيق الانتقال الإجباري بين المستفيدين من العقود الجماعية لشركات التأمين والمستفيدين من التعاضديات مما يثير الشكوك حول تأثير لوبيات التأمين الخاص على القانون. وخشية النقابات من فقدان الموظفين لامتيازاتهم المكتسبة داخل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي تعكس خوفًا مشروعًا من انتكاسات في الحقوق رغم مبدأ عدم رجعية القوانين.
على ضوء هذه التحديات، تدعو النقابات إلى فتح حوار وطني شامل يجمع جميع الأطراف المعنية بهدف تعديل مواد محددة من القانون لضمان العدالة في التدبير، حماية المكتسبات، وضمان استدامة التمويل للحفاظ على جودة التغطية الصحية. وتؤكد على ضرورة إيجاد توازن دقيق بين تحديث المنظومة والحرص على الحقوق والحماية الاجتماعية، ما يستوجب استراتيجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة واحترام مكتسبات المؤمنين.
وبذلك يظل مشروع القانون رقم 54.23 خطوة مهمة نحو تحديث منظومة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في المغرب، لكنه بحاجة إلى مراجعة وتعديلات لإزالة الثغرات القانونية والتنظيمية التي قد تؤثر سلبًا على جودة الخدمات والمكتسبات الاجتماعية، وهو ما يستوجب جهداً تشاركياً ومسؤولية مشتركة من جميع الفاعلين لضمان نظام صحي تأميني مستدام وشامل يعكس تطلعات المجتمع ويحقق العدالة الاجتماعية.
وكالات