
أفادت مصادر إعلامية وطنية أن وزارة الداخلية المغربية أقدمت على خطوة حاسمة بإيفاد لجنة تفتيش من المفتشية العامة للإدارة الترابية للتحقيق في الخروقات الجسيمة التي طالت قطاع التعمير وجماعة المدينة. حيث أُوفدت لجنة تفتيش تابعة لوزارة الداخلية المغربية إلى جماعة بني ملال بناءً على تعليمات وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت للتحقيق في خروقات خطيرة في قطاع التعمير بالمدينة. هذه الخطوة جاءت استجابة مباشرة للادعاءات التي طرحها المستشار البرلماني عبد الله المكاوي أمام البرلمان، والتي كشفت عن منح رخص بناء فردية خارج القانون، إضافة إلى تلاعب بتصاميم مخططات التهيئة العمرانية وتزوير محاضر استلام المشاريع، ما أثار قلقاً واسعاً حول جودة التخطيط العمراني ونزاهة تدبير الجماعات الترابية.
بدأت اللجنة عملها بمراجعة دقيقة للملفات المعنية بمنح رخص البناء غير القانونية والتي شملت إنشاءات سكنية وتجزئات بعد تجاوز الأطر القانونية المعمول بها، فضلاً عن منح رخص لزيادة بناء طوابق دون سند قانوني واضح، بالإضافة إلى خروقات في مشاريع كبرى كالشارع الرئيسي محمد السادس.
هذا الفساد التنظيمي لم يقتصر على كونه إخلالاً بالقوانين فحسب، بل شكل عائقاً حقيقياً أمام التنمية المحلية، مما عطل تنفيذ المشاريع التنموية والاستثمارية، وزاد من الكلفة والبيروقراطية، وأضعف ثقافة المساءلة في إدارة القطاع الحضري في بني ملال.
وفي تصريحاته أكد وزير الداخلية أن منح رخص البناء الفردية ممنوع قانونياً، وأن كل من يثبت تورطه سيعرض للمحاسبة القانونية بما في ذلك العزل من المناصب، مشدداً على شفافية التحقيق وضرورة عرض نتائجه أمام البرلمان والرأي العام، في خطوة تهدف إلى تعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل يعكس إرادة الدولة في مكافحة الفساد الإداري والمالي على مستوى الجماعات الترابية. كما أوضح أن الغاية ليست التشهير بالمنتخبين بقدر ما هي اتخاذ الإجراءات القانونية في حالة ثبوت المخالفات، مؤكدًا على أهمية احترام القنوات القانونية.
تعكس هذه الخطوة الرسمية محاولة جادة لوضع حد لفوضى التعمير التي تسببت في انهيار حكامة الجماعات الترابية في بني ملال، وهي أزمة تتجلى في تعطيل المشاريع التنموية وتراجع الثقة بين المواطنين والمؤسسات المحلية، حيث ينعكس الفساد على تدهور التخطيط العمراني، وخلق نماذج تنموية عشوائية غير مستدامة. ولا يخفى أن هذه الظاهرة تؤثر سلباً على صورة المدينة واستقطاب الاستثمارات، وتزيد من حدة التفاوتات المجالية، فضلاً عن تحميلها كلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة على سكان بني ملال.
وفي ظل هذا الواقع فإن مكافحة الفساد في التعمير ليست مجرد مطلب إداري بل ضرورة حتمية لضمان تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة تعكس حاجات المواطنين، وتعزز من سيادة القانون واستقرار التنمية الاجتماعية والاقتصادية. يضاف إلى ذلك التوجه الحكومي الرامي لإصلاح منظومة التعمير من خلال إلغاء الوكالات الحضرية واستبدالها بوكالات جهوية تعنى بالرقابة والتتبع بشكل أكثر دقة، في محاولة لتقليص فضاءات الفساد وتعزيز إدارة جيدة للقطاع.
في الختام، تبدو تحركات وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت وإيفاد اللجنة التفتيشية خطوة فارقة تعكس الإصرار على إحقاق القانون وكبح جماح الممارسات التي عرقلت تنمية بني ملال وأضرت بمصالح سكانها. رغم ذلك تبقى المهمة معقدة وتستوجب استمرار اليقظة والتقييم النقدي لتكوين تصور شامل عن مدى فاعلية هذه الإجراءات وقدرتها على تحقيق نقلة نوعية حقيقية في تدبير الشأن المحلي والحفاظ على المكتسبات التنموية، ليس فقط في بني ملال بل في مختلف الجماعات التي تشكو من نفس التحديات على الصعيد الوطني.