
شهدت الساحة السياسية في شمال إفريقيا تحولات ملموسة بعد إعلان جبهة البوليساريو في أغسطس 2025 استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب تحت رعاية الأمم المتحدة، في خطوة تؤشر إلى انفتاح ظاهر نحو التوصل إلى حل سياسي للنزاع الطويل حول الصحراء المغربية، الذي ظل لسنوات محط توتر بين الأطراف المعنية. جاء إعلان رئيس وزراء “الجمهورية الصحراوية” خلال فعاليات بالجزائر، معبراً عن تمسك الحركة بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في مسار التفاوض، كما شدد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، مركّزاً على أن الحل السياسي يجب أن يحافظ على السلام والاندماج الإقليمي في إطار العدالة والتكامل المغاربي.
في المقابل؛ ظل المغرب متمسكاً بخطته المعروفة لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها منذ عام 2007، باعتبارها الحل الواقعي والأكثر قابلية للتنفيذ. يؤكد المغرب على أن حله للتسوية هو توافقي يحترم سيادته على المناطق المعنية، ويركز على بناء استقرار إقليمي، معتبرًا أن الحل “لا غالب ولا مغلوب” يعيد الحياة السياسية والاقتصادية إلى المنطقة. هذا الموقف المغربي تلقى دعماً واضحاً من بعض القوى الدولية مثل بريطانيا وفرنسا، التي وصفت المبادرة بأنها “براغماتية” و”حل عملي”.
على الجانب الآخر، لا تزال الجزائر تلعب دوراً حيوياً في هذا النزاع، حيث عبّرت في عدة بيانات رسمية عن دعمها الثابت لجبهة البوليساريو وحق الشعب الصحراوي في حق تقرير المصير، معتبرة قضية الصحراء مسألة تصفية استعمار لم يُستكمل، وترفض أي حلول تعتزم تغيير هذا الإطار أو التنازل عن استقلال الإقليم. وتصريحات وزارة الخارجية الجزائرية جاءت بلهجة حادة تجاه الدعم الأمريكي الأخير لمقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي وصفته بأنه خروج عن مبدأ احترام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. وأكد بيان الخارجية الجزائرية أن الصحراء الغربية لا تزال مصنفة كمنطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي، يستحق شعبها حق تقرير المصير، وأن أي تنازل عن هذه المبادئ لا يخدم النزاع ولا يغير من الواقع القانوني والسياسي المعترف به دولياً.
الموقف الجزائري الرسمي جاء بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الحاسم للحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد لحل النزاع، حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال لقائه مع نظيره المغربي ناصر بوريطة أن واشنطن تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، وتدعم مبادرة مرتبطة بالحكم الذاتي الجاد والموثوق، داعياً إلى بدء مفاوضات قائمة على هذا الأساس بهدف التوصل إلى حل مقبول للطرفين. هذا التصريح أثار ردود فعل جزائرية غاضبة اعتبرته انحيازاً أحادي الجانب يقوض جهود التسوية السلمية ويقلل من مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه، رغم أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا حرصهم على إيجاد حل توافقي يرضي جميع الأطراف.
داخل الجزائر، تتسم ردود الفعل بالحدة والحساسية الوطنية الكبيرة تجاه قضية الصحراء؛ حيث تعتبر قضية السيادة وحق تقرير المصير رمزا وطنياً وشعبياً، وتثير توترات سياسية وإعلامية واسعة. النظام الجزائري يتخذ مواقف متشددة، وتستمر الدعوات الشعبية والأحزاب السياسية في دعم البوليساريو ورفض أي تنازلات، فيما الإعلام المحلي يعكس نبرة قوية ضد المواقف المغربية والداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، محذراً من تداعيات أي تحولات قد تضعف من موقف الجزائر في القضية. هذه الزخم الداخلي يأتي في سياق تاريخي معقد شهد صراعات داخلية بين الفصائل السياسية والعسكرية، وهو ما يعكس تعددية وتباين المواقف رغم وجود موقف رسمي موحد.
في ظل هذه التطورات، يظل ملف الصحراء الغربية محوراً حيوياً في الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر، مع تصاعد التدخل الدولي، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تسعى بقوة لدعم الحل المغربي، بينما الجزائر تحاول الحفاظ على مواقفها الرافضة، داعية إلى احترام القوانين الدولية والقرارات الأممية التي تضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. هذا التوازن الهش يستدعي جهداً دولياً مضاعفاً للضغط على الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات الجدية، بما يضمن استدامة السلام في المنطقة وتحقيق حل عادل يحفظ حقوق الجميع ويعزز استقرار المغرب العربي بأسره.
وكالات