
على ضوء التصريحات الخطيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول رؤيته المعروفة بـ”إسرائيل الكبرى”، برزت أزمة جيوسياسية وقانونية جديدة تهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتلقي بظلالها على العلاقات العربية الإسرائيلية التي شهدت قبل سنوات طفرة في مسارات التطبيع مع بعض الدول العربية.
فقد وصف نتنياهو مهمته بأنها تاريخية وروحية، معبراً عن تمسكه برؤية توسعية تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأجزاء من الدول العربية المجاورة مثل الأردن ولبنان وسوريا ومصر، وهو موقف يؤدي إلى تصعيد التوترات السياسية، ويثير رفضاً واسعاً على المستويات العربية والدولية.
هذا التطور يزيد من تعقيد العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، خاصة في ظل صعود التيارات اليمينية داخل إسرائيل التي تعلن مواقف عدائية وترفض السلام، مما يجعل من تعاون بعض الدول مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في مسار التطبيع محل تساؤل بخصوص استمراريته ومستقبله. فالدول العربية ترفض هذه الرؤية إذ تراها تهديداً للسيادة الوطنية وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وترى فيها تعميقاً للأزمة الفلسطينية وتراجعاً ملموساً في فرص تحقيق السلام الشامل في المنطقة، وهو ما يفاقم حالة الانقسام داخل المجتمعات العربية حول كيفية التعامل مع هذه التطورات، ويصعب من بناء موقف عربي موحد تجاه إسرائيل.
من الناحية القانونية، تتعرض رؤية “إسرائيل الكبرى” لرفض قاطع من المجتمع الدولي الذي يلتزم بمبادئ عدم جواز التوسع على حساب أراضي دول أخرى بالقوة، وتؤكد قرارات الأمم المتحدة وميثاقها على احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها. إذ تعتبر هذه الرؤية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وللشرعية الدولية التي تحظر ضم الأراضي المحتلة أو فرض تغييرات في الحدود عبر القوة، وهو ما يجعل مثل هذه الخطوات غير قانونية ويتعرض أصحابها لإدانات دولية. الدول العربية، مثل العراق ومصر والفلسطينيين، أدانت تلك التصريحات وصنفتها تهديداً خطيراً يستوجب موقفاً موحداً وحازماً لمواجهتها.
أما مجلس الأمن الدولي فلم يصدر حتى اللحظة رد فعل رسمي مباشر على تصريحات نتنياهو لكن المنظمات العربية والدول المعنية طالبت بضرورة تحمل المجلس مسؤولياته في مواجهة هذه التصريحات التوسعية التي تزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة. ويُتوقع أن يكون التعامل مع هذه القضية من خلال دعوات للحوار أو اجتماعات خاصة، لكنها لم تتطور بعد إلى قرارات حازمة، ما يثير تساؤلات عن قدرة المجتمع الدولي على منع تفاقم الأزمات المرتبطة بهذه الرؤية.
التاريخ القانوني لمفهوم “رؤية إسرائيل الكبرى” مرتبط بالتوسع الإقليمي الذي بدأ مع حروب عام 1948 و1967، حين سيطرت إسرائيل على أراضٍ خارج حدودها المعترف بها دولياً، مثل القدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. هذه التوسعات لم تحظَ باعتراف دولي وأُعتبرت احتلالاً غير شرعي، والضم أو محاولة ضم هذه الأراضي يشكل مخالفة لقواعد القانون الدولي. من الناحية الداخلية، تدعم بعض القوانين الإسرائيلية هذه الرؤية، مثل قانون “الدولة القومية” الذي يؤكد الطبيعة اليهودية للدولة، ما يعزز الطموحات التوسعية داخلياً لكنه يزيد من تعقيد الموقف القانوني والسياسي إقليمياً وعالمياً.
وفي هذا السياق، يبقى موقف المملكة المغربية متوازناً وفي غاية الدقة. صحيح أن المغرب أجرى تطبيعاً رسمياً مع إسرائيل عام 2020 وعزز التعاون، لا سيما بعد حصوله على اعتراف إسرائيلي بسيادته على الصحراء الغربية، إلا أن تصريحات نتنياهو أدت إلى إثارة مخاوف وانتقادات داخلية، وعبّرت جهات سياسية عن تخوفها من تعزيز الخطط التوسعية التي تهدد استقرار المنطقة وأمن الدول العربية.
تحاول الرباط الموازنة بين الحفاظ على علاقات التطبيع مع تل أبيب ودعم القضية الفلسطينية والالتزام بالقانون الدولي، غير أن التطورات الأخيرة هزت هذا التوازن وأثارت تساؤلات حول جدية الأطراف في الحفاظ على استقرار المنطقة.
تصريحات نتنياهو المستفزة تمثل أيضاً مادة حيوية لمناهضي التطبيع داخل الدول العربية، حيث شكلت فرصة كبيرة للضغط على الحكومات لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل أو التراجع عن سياسات التطبيع القائمة.
الغضب الشعبي والسياسي تجاه هذه التصريحات يمدح شرعية المطالب الداعية لوقف التطبيع وقطع العلاقات الدبلوماسية، إذ أن هذه الرؤية التوسعية تزيد من تراجع الثقة في نوايا إسرائيل لحل عادل للقضية الفلسطينية، وتفاقم المخاوف الأمنية والسياسية في المنطقة.
الحركات السياسية والشعبية تستغل هذا السياق لتعزيز حملاتها ضد التطبيع، وهو ما يؤكد بأن تصريحات “إسرائيل الكبرى” لا تؤثر فقط في العلاقات الدبلوماسية بل تثير جدلاً داخلياً واسعاً في الدول المعنية، وتدفع إلى تعزيز التضامن العربي الرافض لأي توسع إسرائيلي يهدد السيادة الوطنية وحقوق الشعوب.
هكذا، تشكل تصريحات نتنياهو حول “رؤية إسرائيل الكبرى” أزمة متعددة الأبعاد، تجمع بين السياسة، القانون الدولي، والاستراتيجية الإقليمية، وتضع المجتمع الدولي والعربي أمام تحديات كبيرة تواجه فرص السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. هذه الرؤية التوسعية لا تقف عند حدود طموحات سياسية داخلية وإنما تمتد لتشمل تهديد السيادة الوطنية وحقوق الشعوب، ما يستدعي موقفاً عربياً ودولياً موحداً وحازماً لمجابهتها والحفاظ على الأمن الإقليمي والمبادئ القانونية التي تحمي الشعوب والدول، كما تفتح الباب أمام مناهضي التطبيع لتعزيز موقفهم وللاستثمار في الضغط الداخلي على الحكومات العربية من أجل إعادة تقييم أو مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، بما يعكس عمق الأثر السياسي والشعبي الذي أحدثته هذه التصريحات التوسعية الخطيرة.