
أعلنت الزاوية القادرية البودشيشية ببركان، يوم السبت 16 أغسطس 2025، في أول بيان رسمي منذ وفاة الشيخ سيدي جمال الدين القادري البودشيشي، تثبيت الدكتور مولاي منير القادري بودشيش كمشايخها الشرعي ووارث سر الطريقة الصوفية، مؤكدة تمسك المريدين بالوصية الشرعية التي تركها الشيخ الراحل.
البيان، الذي صدر عن الزاوية نفسها كممثل رسمي لمريديها، جاء ليقطع الطريق أمام أي ادعاءات تشكيكية ووصف تلك المحاولات بـ«الافتراء والإفك المبين»، في خطوة تؤكد حرص الزاوية على وحدة صفوفها واستقرارها الروحي والاجتماعي والسياسي.
وكشف البيان عن ثقة المريدين في حكمة أمير المؤمنين الملك محمد السادس في تدبير هذا الملف الحساس، مشددين على ولائهم المطلق للعرش العلوي والتشبث بأهداب البيعة، ما يعكس التداخل العميق بين المشيخة الصوفية والمؤسسة الملكية في المغرب. واختُتم بالدعاء للملك وولي عهده، مع تمنيات صادقة بحفظ وبركة الشيخ مولاي منير، الذي يُتوقع أن يرتقي بدوره في توسيع النفوذ الروحي والاجتماعي للزاوية القادرية البودشيشية.
غير أن المشهد لم يخلُ من توترات، فقد أعلن الدكتور منير القادري بودشيش في 17 أغسطس 2025 تنازله رسمياً عن مشيخة الزاوية لصالح شقيقه معاذ القادري بودشيش، في خطوة وصفت بالتاريخية من قبل رابطة “الشرفاء البودشيشيين” التي قامت بتزكية معاذ شيخاً جديداً للطريقة، مما أطفأ حالة الجدل واستعاد وحدة الصف.
كما أكدت الرابطة في بيانها أن التزكية جاءت بناءً على استخارة شرعية وعلى قيم التضحية والتفاني في خدمة الطريقة، مع تجديد الولاء للعرش العلوي الشريف والتزام المبادئ الأصيلة للطريقة القادرية.
ويأتي هذا التطور الحاسم بعد أسبوع من تصاعد الخلافات الداخلية التي هزت أكبر زاوية صوفية في المغرب، مما دفع إلى سلسلة بيانات وتصريحات متبادلة عكست صراع النفوذ داخل الزاوية. ومع إعلان تنازل منير لصالح معاذ، تتجه الأمور نحو طي صفحة الخلافات عبر إرساء قيادة جديدة تضطلع بمسؤولياتها الروحية والاجتماعية، مع دعوة الجماعة إلى الوحدة وقطع الطريق أمام الانقسامات.
رغم هذه الخطوة الواعدة نحو الاستقرار، يبقى المراقبون يترقبون مدى قدرة القيادة الجديدة على إدارة التحديات الداخلية والخارجية، ومدى استمرار تماسك الزاوية في وجه تحولات المشهد الصوفي المغربي. وبذلك، يُعتبر هذا الإعلان بمثابة نهاية مرحلة طويلة من البيانات المتضادة، وبداية عهد جديد لقيادة معاذ القادري بودشيش، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على إرث الزاوية القادرية البودشيشية ومكانتها المرموقة داخل المجتمع المغربي.
في المجمل، تعكس هذه التطورات تعقيدات المشيخة الصوفية في المغرب، حيث تتداخل الأبعاد الروحية مع السياسية والاجتماعية، وتبرز الحاجة إلى حكمة قيادية تضمن وحدة الصف واستمرارية العمل من أجل ترسيخ القيم الأصيلة للطريقة القادرية البودشيشية وللقطاعات الصوفية بوجه عام.