أخبار

تلاميذ مجموعة مدارس اقرأ يشعلون وهج الوعي البيئي في كوب 30 ممثلين للمديرية الإقليمية بسطات ضمن فعاليات الأكاديمية الجهوية بالدار البيضاء – سطات.

*بقلم حبيل رشيد*.

في مشهد تربوي راقٍ يعكس نضج الجيل الجديد واستيعابه لقضايا العصر، شاركت مجموعة مدارس اقرأ ممثلةً للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بسطات، في فعاليات ورشة محاكاة مؤتمر الأطراف كوب 30 برسم الموسم الدراسي 2025-2026، التي احتضنتها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء – سطات.

الحدث، الذي جمع مؤسسات تعليمية من مختلف أقاليم الجهة، شكل مناسبة لإبراز القدرات الفكرية واللغوية للتلاميذ، وإتاحة المجال أمامهم للتعبير عن رؤيتهم تجاه التحديات البيئية الراهنة، في سياق تربوي يربط التعليم بالتنمية المستدامة ويغرس في الناشئة روح المسؤولية المشتركة تجاه الكوكب.

 

وقد قدّم تلاميذ المؤسسة عرضًا متميزًا باللغة الفرنسية تحت عنوان «L’économie circulaire au Canada»، تناولوا فيه تجربة الاقتصاد الدائري كنموذج رائد في حماية الموارد الطبيعية والحد من النفايات عبر إعادة التدوير والاستثمار المستدام.

العرض لم يكن مجرد تمرين لغوي أو نشاط عرضي، بل تجسيد حيّ لتقاطع المعرفة العلمية مع الحس البيئي والقدرة التواصلية، حيث أبان المشاركون عن كفاءة لغوية عالية ووعي بيئي متقدم، إضافة إلى روح مبادرة خلاقة تليق بمستقبل التعليم المغربي في زمن التحول الأخضر.

 

الحضور التربوي والبيئي البارز الذي رافق مشاركة “مجموعة مدارس اقرأ” لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية مؤسساتية واضحة تؤمن بأن التربية على القيم البيئية ليست نشاطًا مكمّلاً، بل أساسًا لبناء جيل مسؤول قادر على الموازنة بين التقدم الاقتصادي والحفاظ على التوازن الإيكولوجي.

ولعل اختيار موضوع الاقتصاد الدائري دليل على وعي عميق بضرورة الانتقال من منطق الاستهلاك غير المحدود إلى منطق الإنتاج المسؤول، حيث يتحول كل مورد إلى فرصة جديدة بدل أن يكون مجرد نفاية، في انسجام تام مع أهداف التنمية المستدامة وأجندة المناخ العالمية.

 

ولأن اللغة هي جسر التواصل بين الثقافات، فقد برهن تلاميذ المؤسسة على إتقانٍ لغويٍ رفيعٍ في عرضهم، مما أضفى على مداخلتهم بعدًا حضاريًا يعكس انفتاح المدرسة المغربية على التجارب الدولية، دون أن تفقد أصالتها أو انتماءها المحلي.

كان التفاعل مع العرض لافتًا، إذ لمس الحاضرون في كلمات التلاميذ حسًا نقديًا ناضجًا وقدرة على التحليل والمقارنة بين السياسات البيئية في مختلف الدول، مما جعل مشاركتهم واحدة من أبرز لحظات الورشة وأكثرها تأثيرًا.

 

الورشة التي تنسجم مع روح كوب 30 ، تهدف إلى إعداد جيل قادر على التفكير المناخي، يتجاوز التلقين إلى الابتكار في الفهم والتفاعل مع الواقع البيئي.

وفي هذا السياق، أكدت المؤسسة من خلال مشاركتها التزامها الراسخ بتفعيل التربية البيئية كمحور رئيسي ضمن مشروعها البيداغوجي، وبأن التعلم لا يقتصر على الفصول الدراسية بل يمتد إلى ميادين الحياة الواقعية التي تصنع المواطن الفاعل لا المتلقي.

 

ولم يفت إدارة المؤسسة توجيه شكرٍ خاص للأطر التربوية التي رافقت التلاميذ خلال فترة الإعداد والمشاركة، إذ مثّل إشرافهم نموذجا للعمل الجماعي والتأطير الهادف الذي يعزز ثقة المتعلمين في أنفسهم ويفتح أمامهم آفاق الإبداع والتعبير الحر. كما ثمّنت المؤسسة جهود اللجنة المنظمة التي سهرت على إنجاح هذه المبادرة التربوية الطموحة، معتبرة أن مثل هذه الفعاليات تشكل مدرسة موازية تزرع في المتعلمين حبّ المعرفة والإحساس بالانتماء إلى قضايا البشرية.

ما ميّز مشاركة “مجموعة مدارس اقرأ” هو ذلك التوازن الدقيق بين الجدية الأكاديمية والبعد الإنساني، بين اللغة والفكر، بين العلم والإحساس. فالتلميذ المغربي اليوم لم يعد مجرد متلقٍ للمعرفة، بل فاعلٌ بيئيٌّ قادر على التفكير النقدي والمساهمة في بناء نموذج مجتمعي أكثر عدلاً واستدامة.

ومن خلال هذا الحضور المشرّف، أكدت المؤسسة أن الاستثمار الحقيقي لا يكون في الحجر ولا في البنايات، بل في العقول التي تُدرَّب على التفكير والإبداع والمواطنة المسؤولة، لتكون شريكا فاعلا في مواجهة التحديات البيئية التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.

هكذا، خرجت مشاركة تلاميذ “مجموعة مدارس اقرأ” من نطاق النشاط التربوي المحدود إلى فضاء أرحب، حيث تتحول المدرسة إلى ورشة مواطنة بيئية، ويتحوّل التلميذ إلى سفيرٍ للوعي الأخضر يحمل رسالة الأمل والمسؤولية.

ولأن “اقرأ” كانت دائمًا عنوانًا للتميز والاستمرارية، فإن حضورها في هذا الحدث الإقليمي يأتي امتدادًا لمسارٍ حافلٍ يمتد لأكثر من ثلاثين سنة من العطاء، حيث تتجدد رسالتها في تكوين أجيالٍ تعلّم وتبدع وتؤمن بأن حماية الأرض ليست شعارًا، بل التزامًا أخلاقيًا ومعرفيًا تجاه الوطن والعالم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!