أخبار

“حكومة 2017” بين بنكيران وأخنوش .. تحالف أم تعايش إلى حِين؟

جرت انتخابات 7 أكتوبر 2016 التشريعية في وقتها، وأعلنت النتائج في حينه فوز حزب العدالة والتنمية بالرتبة الأولى بـ125 مقعدا، بعد حصوله على مليون و618.963 صوتا.. بعدها بيومين كلّف رئيس الدولة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة دون سقف زمني، وكل ذلك احتراما وانسجاما مع الفصل 47 من الدستور.. سلاسة مؤسساتية تكشف نضج التجربة الديمقراطية الفتية بالمملكة.

تأسيسا على ما سبق، فكل قول أو حديث (يصل عند البعض إلى حد الهرطقة والهذيان) عن انتخابات سابقة لأوانها قول لا يستقيم وغير منطقي ولا هو بالواقعي. وليس للأمر علاقة بالكلفة المالية بتاتا، بل يتعداه إلى الكلفة السياسية الباهظة. كل حديث عن إعادة الانتخابات اليوم لن يزيد إلا تدني نسبة المشاركة بنسب خطيرة للغاية، أما النتائج فلن تتغير كثيرا عما أعلن يوم 7 أكتوبر. كل حديث أيضا عن “إرجاع بنكيران للمفاتيح”، أو استبداله بشخص آخر أو حزب آخر قول مجانب للصواب، وبعيد كل البعد عن الواقعية.. كلها سيناريوهات غير راجحة ومهزوزة.

بنكيران رئيسا للحكومة

حكومة 2017 سيشكلها السيد عبد الإله بنكيران دون غيره، ولن يستطيع “إعادة المفاتيح” لأن شؤون الدولة منزّهة عن العبث والغوغائية. أمام السيد بنكيران مخرجان وحلان لا ثالث لهما، بعدما خبر الدروب الضيقة للدولة، وهو وحده المسؤول عن الاختيار بعدما قرّر التفاوض مع باقي الفرقاء الحزبيين بمنطق “التكتل أو القطب”، وهذا خطأ إستراتيجي قاتل ارتكبه وستكون كلفته غالية عاجلا أم آجلا؛ فإما أن يعلن حكومة من ثلاثة أحزاب (العدالة والتنمية-الاستقلال- التقدم والاشتراكية) بمجموع 183 مقعدا من أصل 395 التي يتشكل منها مجلس النواب، وسيجد نفسه أمام حكومة أقلية عليه تدبير إكراهاتها، في مواجهة قطب –تكتل مقابل/معارض يقوده عزيز اخنوش، الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، والمشكّل من 5 أحزاب (الأحرار- الحركة الشعبية- الأصالة والمعاصرة- الاتحاد الدستوري- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بـ205 مقاعد.. والحل الثاني هو أن يوسع السيد بنكيران أغلبيته بضم حزب التجمع الوطني للأحرار، وبتعبير أدق بالتفاوض والتفاهم مع السيد عزيز أخنوش.. وهذا الحل لن يتأتى إلاّ بطلب بنكيران من الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للدولة والضامن لاستمرارها، بالتدخل التحكيمي والمساعدة في رفع حالة “البلوكاج”.. وفي هذه الحالة سيعلن حكومة من أربعة أحزاب (العدالة والتنمية- الاستقلال- التقدم والاشتراكية- الأحرار)، ما يعني 183 مقعدا + 37 مقعدا للأحرار، وهو ما مجموعه 220 مقعدا، ما سيضمن للسيد بنكيران أغلبية مريحة، سواء داخل مجلس النواب أو مجلس المستشارين؛ وبذلك يقود حزب “البام” المعارضة إلى جانب أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – الحركة الشعبية – الاتحاد الدستوري بـ168 مقعدا.

عقدة المنشار في تشكيل الحكومة هو إصرار بنكيران على ضم حزب الاستقلال رغم كل خلافاته مع أمينه العام، السيد حميد شباط. وحتى البرنامج الانتخابي لحزب الاستقلال وتصريحات السيد حميد شباط تتناقض كليا مع ما تقدم به حزب العدالة والتنمية.

السيد حميد شباط، الذي خلخل حكومة بنكيران الأولى، وتبادل السب والقذف والتهم أمام أنظار الرأي العام الوطني والدولي، هو نفسه الذي يسبب راهنا للسيد بنكيران أزمة أخرى بعد تحالف بين الطرفين بشكل غريب، وحتى مستفز؛ وتزداد غرابته يوما بعد يوم.. اللهم أن بنكيران يستعمل ويوظّف شباط توظيفا ذكيا في مناوراته السياسية.

ربما أيقن بنكيران بأن حزبه لا يتوفر على العدد الكافي من الأطر المجربة لتدبير قطاعات وزارية إستراتيجية؛ وهو بذلك يراهن على تقاسمها مع حزب الاستقلال، وذلك ما يرفضه حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يتمسك بجل القطاعات الاقتصادية والمالية والتجارية الحيوية، وهي القطاعات التي أصبحت “سيادية” في زمن المال والعولمة.

هو إذن صراع مرير من أجل الظفر بأكبر قسط من “الغنيمة”، ومن هنا تناسلت الكتابات والإشاعات والتحاليل بغرض الضغط والابتزاز ليس إلاّ..

ما ذنب بنكيران؟

هل يمكن لعاقل أن يؤاخذ أو يتّهم السيد عبد الإله بنكيران بتهمة وبجريرة أن له حزبا “حيويا فعالا”. من غير المقبول لا سياسيا ولا أخلاقيا ولا منطقيا أن نتّهم رجل سياسة باستقلاليته ومصداقيته وشعبيته، وبتوفره على تنظيم سياسي حقيقي، منظم، تسوده الديمقراطية الداخلية (وان كان ذلك في حدود) . صحيح أن مليون صوت ونصف لا تعني الهيمنة والاستفراد بالقرار، وصحيح أيضا أن حزب العدالة والتنمية لا يمثل أغلبية المغاربة، بل إنه مجرد جماعة صغيرة، غير أنها منظمة ونشيطة.. من العيب تماما اتهام حزب وأمينه العام بنظافة اليد والشعبية؟. نعم حزب العدالة والتنمية أبان في التجربة والولاية الحكومية السابقة عن فشل كبير في تدبير الكثير من القطاعات الحيوية، وسنّ سياسة ليبرالية متوحشة لم يسبقه لها أي حزب من قبله.. سياسات أتت على العديد من الخدمات والقطاعات الاجتماعية رغم بعض محاولات ذر الرماد في العيون بتوزيع 100 درهم هناك أو 500 درهم هنالك. لا جدال أن حزب العدالة والتنمية ليست له الحلول الضرورية للكثير من الأزمات، ولا يتوفر على الأطر الضرورية لتدبير الشأن العام. كما أن عفوية وطريقة تصرف السيد بنكيران بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية تخلق الكثير من الأزمات والمشاكل التي لا تليق برجل الدولة. نعم أيضا أن السيد بنكيران تجاوز كل الحدود في هجوماته على قيادات حزبية، ولم يكن لبقا بالمرة في الكثير من خرجاته وتصريحاته الإعلامية.. فما قاله مثلا في السيد حميد شباط، والسيد أخنوش، وغيرهما لا يمكن شطبه بين عشية وضحاها..

يتصرف السيد بنكيران كأنه وحده الملاك في الملعب السياسي والباقي شياطين وكومبارس يوزع عليهم صكوك الغفران، ويسوّد صفحة هذا ويبيّض صفحة ذاك حسب أهوائه ومصالحه ومصالح حزبه، وهذا مستهجن ولا يمكن التغاضي عنه أو مسايرته فيه مهما كانت التبريرات. كل هذا وغيره صحيح، لكنه بالمقابل من غير اللائق إطلاقا الإساءة إلى نموذج حزبي مغربي يحظى بالمصداقية والجدية والتفوق التنظيمي والإعلامي والتواصلي. ما ذنب السيد بنكيران وحزبه؟ وبمعنى أوضح هل المشكلة في حزب العدالة والتنمية أم في شخص أمينه العام، أم فقط في طريقة تصرفه التي تستوجب حقا مراجعة وإعادة نظر؟.

بنكيران ملكي حتى النخاع، وغير مستعد أن يغادر “جنة السلطة”، بعدما ذاق حلاوتها، خصوصا أن بداية العد العكسي لنهايته السياسية قرعت أجراسها حزبيا وحكوميا. عيب السيد بنكيران أنه يستغفل الجميع بمكر لما يتوفر عليه من دهاء سياسي حاد، أتعب به خصومه. بنكيران داهية سياسي ولا خلاف في ذلك، ومدرك حق الإدراك ضعف خصومه وتنظيماتهم، من الياس إلى لشكر وحتى شباط ومزوار وبنعبد الله وغيرهم، وعلى هذا الاساس يشتغل بأريحية كبيرة ويبسط نفوذه على أكثر من مجال، وهو ما جعل معارضيه يتوجسون من هيمنته واكتساحه. باختصار هل نلوم السيد بنكيران أم خصومه وطريقة تعاطيهم معه، وهي الطريقة التي يعوزها الكثير من الخيال وتتسم بارتجالية مفرطة؟.

إحياء تكتل – جي 8 –

أمام مناورة السيد عبد الإله بنكيران المنتشي بنتائج الانتخابات، وإعلانه عن قطب-تكتل ثلاثي قبل أي مفاوضات مع باقي الفرقاء، رد الطرف الآخر دون تأخير على مناورة زعيم “حزب المصباح”، وأعلن بدوره إحياء جي 8 بقيادة السيد عزيز اخنوش. وبين عشية وضحاها، وفي زمن قياسي وبشكل فلكلوري وارتجالي، استقال السيد صلاح الدين مزوار وتم انتخاب السيد عزيز اخنوش مكانه.

وفي إطار سياسية ردود الفعل على موقف السيد بنكيران الذي أراد تسييج الحقل الحزبي برمته واللعب فيه وفق ما يفرضه هو من قواعد، بتحالفه مع خصمه السيد حميد شباط، أعلن السيد اخنوش والأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، السيد محمد ساجد، عن تحالف نيابي بين الحزبين؛ ليأخذ هذا التحالف مكانة ورتبة حزب الاستقلال الذي حلّ ثالثا. هكذا يتوفر الأحرار+ الدستوري على 56 مقعدا؛ فيما يأتي حزب الاستقلال رابعا بـ46 مقعدا . في إطار لعبة الأرقام والتحالفات دائما كان لافتا تماهي حزب الحركة الشعبية وأمينه العام، السيد امحند العنصر، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، السيد ادريس لشكر، مع موقف رئيس حزب تجمع الأحرار، إلى جانب السند الضمني لحزب الأصالة والمعاصرة.

إذا كان تشبث السيد بنكيران بالسيد حميد شباط يثير علامات استفهام غامضة إلى درجة ربط مصير حكومته بالسيد شباط، فإن علامات الاستفهام والغرابة تنطبق أيضا على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي وجد نفسه متناقضا مع كل ما سوّقه خلال السنوات الخمس الأخيرة، فتحالفه مع حزب “البام” مجهول وميثاقه مع حزب الاستقلال ضرب عرض الحائط، وتوافقه مع حزب العدالة والتنمية مجرد كلام للاستهلاك، وفضّل الارتماء كليا في حضن القطب-التكتل الذي يقوده السيد اخنوش. مع الإشارة إلى أن الحزب الاشتراكي والحزب العمالي، اللذين كان يقودهما كل من عبد المجيد بوزوبع وعبد الكريم بنعتيق، واللذين اصطفا إلى جانب جي 8، هما اليوم عضوان قياديين في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد عملية التحاق وحل الحزبين (العمالي والاشتراكي). وحتى حزب اليسار الأخضر الذي كان عضوا في تجمع جي 8، والذي له مقعد واحد بمجلس النواب بعد الانتخابات الأخيرة سينظم إلى أحد هذه الأحزاب المشكلة لتجمع جي 8، وعليه فلا ينقص تحالف جي 8 في نسخته- القديمة- الجديدة سوى حزب النهضة والفضيلة، الذي لا يمثل أي قيمة انتخابية.

المسألة إذن مسألة وقت ليس إلاّ. فلا بد للبلد من حكومة، ولا بد من حكومة يقودها الحزب الفائز بالانتخابات، بعد التكليف الملكي، وبعيدا عن كل السيناريوهات الملتبسة.

يبق فقط القول في هذا الصدد أن الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات ستجد نفسها في نهاية المطاف مجرد أرانب سباق، وخارج مربع اللعب، ومستبعد جدا أن يكون لها حضور في الحكومة المقبلة؛ وعليه ستلقى مصير حزب التقدم والاشتراكية، الذي خسر كل شيء وكان ارتباطه (دون تحفظ ولا مسافة) مع حزب “المصباح” مكلفا للغاية.

ولا شك أن أكبر المتضررين بعد حزب التقدم والاشتراكية لن يكون سوى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي فقد كل ريشه وانتهى به الأمر إلى مجرد “ذكرى” بعدما أكمل دورته وانعطافته نحو إحزاب “الإدارة”.

عور دستوري وخطورة نخبة الريع

خلافا لكل ما قيل فإن الزمن المستقطع إلى حدود الساعة لتشكل الحكومة الجديدة عادي جدا، ولا يمكن أن نحمّله ما لا يحتمل. وهذا لا يعني مطلقا أن البلد في أزمة سياسية، فهذا قول فيه مجازفة كبيرة.

الإسهاب في الحديث عن الفصل 47 من الدستور مشروع للغاية لأنه يكشف عورا دستوريا في وثيقة 2011 في كليتها، وهي الوثيقة التي تعج بالثغرات بسبب ظروف تحريرها المتسمة بالتسرع والضغوط الداخلية والخارجية. أصبحنا أمام وثيقة هشة ومفتوحة على كل تأويل في جل فصولها، وليس فقط الفصل 47، وهو ما يطرح مدى جدية ومصداقية الطبقة السياسية طيلة الخمس سنوات الماضية، والتي فضلت إهدار الزمن السياسي والتشريعي في تقنين الريع والاهتمام بالقوانين الانتخابية بدل التركيز على الأصل والصالح العام.

الاهتمام المبالغ فيه لبعض النخبة في الرباط والدار البيضاء بمصير مفاوضات تشكيل الحكومة، أكثر من اهتمام الأحزاب المعنية بها، أمر مثير حقا للاستغراب ويضمر تهافتا ورهانات مصالحية نفعية شخصية مكشوفة ومفضوحة، غايتها التهويل والحرب النفسية والضغط على الطرفين. حتى إنهم لا يتورعون في نسج السيناريوهات البليدة والنفخ فيها ونشر الإشاعات، فيما الناس..عامة الناس ..الأغلبية الساحقة من الناس في جهات المملكة غارقون في معيشهم اليومي وأمور الدولة تصرف بشكل روتيني ويومي.. الماء والكهرباء في كل بيت، والتموين في الأسواق، وأجور الموظفين ومعاشات المتقاعدين تصرف، والمؤسسات الأمنية تقوم بواجبها.. إضرابات واعتصامات وآراء متباينة ومختلفة، ورئيس الدولة يواصل الاختراقات الدبلوماسية للمملكة وتوقيع عشرات الاتفاقيات، حتى إن قمة “كوب 22” مرت كما تم التخطيط لها ودون مشاكل، وواقعة مقتل محسن فكري تمت معالجتها بمرونة كبيرة.

الحقيقة التي تم تغييبها بعد انتخابات 7 أكتوبر هي كون 30 حزبا شارك في الانتخابات فشل زعماءها في إقناع المغاربة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة. حوالي 42 في المائة فقط كانت نسبة المشاركة ووزارة الداخلية إلى اليوم تتسر عن الأصوات الملغاة. محقّق أننا أمام نسبة مشاركة متدنية وتسائل طبقة سياسية مفلسة سياسيا، تافهة فكريا، عقيمة تنظيميا، وبعيدة كل البعد عن الانشغالات الحقيقية للمغاربة. طبقة سياسية بيمينها ويسارها ووسطها بدون فعالية وتأثير ولا تأطير. هذه الكائنات السياسية العجائبية نفرّت المغاربة من السياسية بسبب لا مصداقيتها وكذا بشطحاتها وبهلوانيتها وانتهازيتها الفجة، حتى تحوّل البرلمان الجديد بغرفتيه إلى رهينة بيد عائلات بعينها.

ويشكل مجلس النواب الحالي ومجلس المستشارين بجل أعضائه أخطر مظاهر الإفلاس السياسي والحزبي والنقابي في البلد، حيث قمة الريع وتوزيع الغنائم بمنطق عائلي فج وبمستويات غير مسبوقة من الانحلال والتحول من كل قيم العمل السياسي النبيل في أدنى مستوياتها وتجلياتها، وهو ما سيطرح إشكالات كبيرة غدا أثناء بداية العمل التشريعي والرقابي. الحس السياسي للمغاربة وارتفاع منسوب الوعي لدى الرأي العام هو سبب مقاطعة كتلة ناخبة من المغاربة للانتخابات الأخيرة، وهجرها للأحزاب السياسية والنقابات ولا مبالاتها بمصير الحكومة ولا البرلمان.. والمسؤولية كل المسؤولية تقع على عاتق الفاعل الحزبي في المقام الأول؛ ما يطرح الحاجة الماسة إلى تجديد المشهد الحزبي المغربي .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!