جدل أكاديري حول اقتراح إعادة تسمية الشوارع بأسماء شخصيات يهودية مغربية
مبادرة حقوقية تثير نقاشًا حول الهوية الوطنية والتنوع الثقافي في الفضاءات العمومية

أݣادير :
في خطوة أثارت نقاشًا واسعًا حول الهوية الوطنية والذاكرة الجماعية، قدمت المؤسسة المغربية لحقوق الإنسان اقتراحًا رسميًا إلى مجلس جماعة أكادير يقضي بإعادة تسمية بعض الشوارع الشهيرة بأسماء شخصيات يهودية مغربية، مثل استبدال شارع علال الفاسي وشارع عبد الرحيم بوعبيد بأسماء رموز يهودية بارزة. تهدف هذه المبادرة إلى الاعتراف بالمكون العبري كجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، وتعزيز التعددية الثقافية التي ينص عليها دستور المغرب.
أكدت المؤسسة في مذكرتها أن المبادرة تأتي في إطار احترام التنوع الثقافي والعرقي الذي يعترف به الدستور المغربي، وأنها تسعى لإعادة الاعتبار لشخصيات يهودية ساهمت في بناء ذاكرة الوطن، خصوصًا في مدن مثل أكادير التي كانت نموذجًا للتعايش والتسامح بين مختلف المكونات الدينية والثقافية. كما أكدت على ضرورة أن تعكس الفضاءات العامة هذا التنوع، بما يعزز الوحدة الوطنية ويكرم تاريخ المغرب المتعدد الأوجه.
لم يمر الاقتراح دون أن يثير جدلاً حادًا بين مؤيدين يرون فيه خطوة جريئة نحو الاعتراف بالتاريخ المشترك، ومعارضين يخشون أن يؤدي إلى المساس برموز وطنية تحمل عبق التاريخ وتضحيات لا يمكن محوها بسهولة. بعض المواطنين عبروا عن مخاوفهم من تبعات تغيير أسماء الشوارع على حياتهم اليومية، خاصة من الناحية الإدارية، إذ يتطلب الأمر تحديث العناوين في الوثائق الرسمية، ما قد يسبب إرباكًا وتكاليف إضافية.
وعلى صعيد الرد الرسمي، استقبل مجلس جماعة أكادير المراسلة التي تقدم بها المعهد المغربي لحقوق الإنسان، معبرًا عن احترامه للمبادرة التي تتماشى مع الدستور، لكنه لم يتخذ قرارًا فوريًا بشأن تغيير أسماء الشوارع أو المرافق. بدلاً من ذلك، أكد المجلس على أهمية إشراك الساكنة وهيئات المجتمع المدني في اختيار الأسماء، تماشيًا مع مبادئ المشاركة المواطنة في تدبير الشأن المحلي.
هذا الموقف يعكس حرص الجماعة على التوازن بين الاعتراف بالتنوع الثقافي واحترام مشاعر السكان، مع تجنب إثارة جدل أو انقسامات قد تؤثر على النسيج الاجتماعي للمدينة. ولم تصدر عن المجلس تصريحات حاسمة تؤكد الموافقة أو الرفض النهائي، ما يشير إلى أن الموضوع لا يزال مفتوحًا للنقاش والتشاور.
يشكل تغيير أسماء الشوارع عبئًا إداريًا وتكاليف إضافية على المواطنين، إذ يُلزمهم بتحديث عناوينهم في مختلف الوثائق الرسمية مثل بطاقة الهوية، جواز السفر، الحسابات البنكية، المدارس، والضرائب، ما يسبب إرباكًا وجهدًا متزايدًا. هذا العبء الإداري قد يتفاقم ليشمل أزمات قانونية وعقارية، خاصة إذا لم يتم التنسيق الجيد بين الجماعات المحلية والمحافظة العقارية ووكالات الخدمات، حيث يؤدي اختلاف العناوين المسجلة في الوثائق الرسمية عن الأسماء الجديدة إلى تعقيدات في معاملات البيع والشراء.
إلى جانب ذلك، يحمل تغيير أسماء الشوارع أبعادًا نفسية واجتماعية، إذ قد يشعر بعض السكان بالإحباط أو الاستياء نتيجة إزالة أسماء شخصيات وطنية أو رموز تاريخية عميقة الارتباط بالذاكرة الوطنية، ما قد يُنظر إليه كمساس بهويتهم وتراثهم. ومن هنا تبرز أهمية التنظيم والتخطيط الحضري المدروس، الذي يضمن تسمية الشوارع بشكل يسهل التنقل داخل المدن ويعكس مستوى التطور الحضري، في حين أن التغييرات العشوائية قد تؤدي إلى فوضى في التسميات وتكرار الأسماء، مما يزيد من التعقيدات.
لذلك، يصبح من الضروري أن تتم عمليات تغيير أسماء الشوارع وفق إجراءات قانونية واضحة، تراعي مشاركة السكان والمجتمع المدني، وتحترم القوانين المحلية، بهدف تفادي النزاعات وضمان توازن بين الاعتراف بالتنوع الثقافي والحفاظ على النظام الاجتماعي والإداري.
وختاما ،يبقى موضوع إعادة تسمية الشوارع بأسماء شخصيات يهودية مغربية حساسًا ومفتوحًا للنقاش، حيث تتقاطع فيه قضايا الذاكرة، والهوية، والحقوق المدنية، والتعايش بين مكونات المجتمع المغربي، وأي قرار في هذا الشأن يتطلب توازنًا دقيقًا بين الاعتراف بالتنوع واحترام ذاكرة الوطن، مع إشراك فعلي للمجتمع المدني والسكان المحليين لتفادي الإشكالات القانونية والاجتماعية.
في ظل هذه المعطيات، تبدو الحاجة ملحة لوضع إطار تشاركي يراعي جميع الأطراف، ويحول هذا النقاش إلى فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي، بدلًا من أن يكون مصدرًا للانقسام.