
تثير الدراجات النارية المستوردة من الصين جدلاً واسعاً في المجتمعات التي شهدت تزايداً كبيراً في استخدامها، مصحوبة بتحديات عدة تتعلق بالسلامة والقانون والاقتصاد، وهو ما استدعى تدخل الحكومات واتخاذ قرارات صارمة للحد من تداعياتها. فقد لاقت هذه الدراجات رواجاً بسبب أسعارها المنخفضة وتوفرها السهل، لكن ذلك صاحبه قلق متزايد لدى الجهات المختصة، خاصة مع انتشار مركبات غير مطابقة للمواصفات أو مخالفات لقوانين السير، الأمر الذي أدى إلى فرض غرامات مالية ضخمة على المستوردين وصلت إلى مليارات الدراهم، مما ساهم بشكل ملحوظ في إيرادات الدولة.
هذا الواقع أثار على نطاق واسع استياء المواطنين، لا سيما بين مالكي هذه الدراجات الذين اعتبروا أنفسهم ضحايا نقص الرقابة وضعف التطبيق القانوني، وطرحوا تساؤلات حول المسؤولية الحقيقية عن السماح بدخول دراجات غير متوافقة مع المعايير، حيث يشكل ذلك تهديداً مباشراً لسلامتهم على الطرقات في ظل غياب الحماية القانونية الكافية. وبرزت أصوات تطالب بحلول جذرية، منها أن تتدخل الدولة لشراء الدراجات من المواطنين، في محاولة لتفادي اتساع المشكلة، مؤكدين أن الوضع الحالي يعكس حالة من الفوضى القانونية وعدم وجود رقابة فعالة.
على الجانب الحكومي، تصاعدت الدعوات إلى مساءلة الجهات المختصة بمنح تصاريح الاستيراد ومحاسبتها على التقصير في وضع ضوابط واضحة تحمي المستخدمين والمجتمع ككل. يرى الكثيرون أن استمرار اختراق القانون عبر هذه الدراجات يُظهر هشاشة في تطبيق الأنظمة، ويحول مشكلة الدراجات الصينية إلى رمز لضعف الرقابة. في الختام، يبقى السعي إلى حل شامل يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع، يوازن بين المنافع الاقتصادية للاستيراد وضمان الالتزام الصارم بمعايير السلامة والقوانين المرورية، ليعكس حرص الدولة على أمن وسلامة مواطنيها، ويُثبت جدية القرارات الحكومية وفعالية الرقابة المجتمعية في مواجهة هذا التحدي.
ومع تصاعد الانتقادات، تدخلت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد في 30 مارس 2025 بنشر بيان تناولت فيه المشكلة، حيث أكدت على أن الدراجات النارية الصينية الصغيرة (49cc) التي يعتمد عليها الكثير من الشباب وأصحاب الدخل المحدود في المغرب لا تلبي متطلباتهم، مما يدفع إلى تعديلها ورفع سعتها بطريقة مخالفة للقانون. وحملت المنظمة الشركات المستوردة مسؤولية كبيرة في هذه الظاهرة، خاصة تلك التي تقدم دراجات بسعة أقل من الحقيقية أو تلجأ إلى التلاعب في وثائق التسجيل، مما يعقد الوضع القانوني ويزيد من مخاطر التعديلات غير القانونية.
ودعت المنظمة وزارة التجارة إلى تشديد الرقابة على شركات الاستيراد، وفرض عقوبات مالية وقانونية صارمة على المخالفين، مع التنسيق مع وزارة التجهيز والنقل لتفعيل فحص دقيق عند دخول الدراجات إلى السوق وعند تسجيلها. كما أكدت على ضرورة تشجيع توريد دراجات مطابقة للمعايير الدولية، للحد من ظاهرة التعديل غير القانوني التي تهدد السلامة العامة.
إن الشركات المستوردة للدراجات النارية الصينية تتحمل مسؤولية كبيرة في تفاقم هذه المشكلة، فهي تقوم بإدخال دراجات بسعة منخفضة رغم عدم ملاءمتها لاحتياجات المستهلكين، مما يدفع الكثيرين إلى تعديلها بشكل غير قانوني. ويزيد من ذلك التسويق المضلل والتلاعب الوثائقي الذي تمارسه بعض الشركات، ما يستوجب تدخلاً حاسماً من وزارة التجارة لضبط السوق وحماية حقوق المستهلكين.
تشمل التبعات السلبية لهذه التعديلات مخاطر صحية وسلامة عامة كبيرة نتيجة الحوادث المرورية التي قد تنجم عن خلل في أداء الدراجة أو اختلال توازنها، فضلاً عن التبعات القانونية التي قد تلاحق من يجرون هذه التعديلات. كما تضر هذه الممارسات بسمعة سوق الدراجات النارية، وتنعكس سلباً على ثقة المستهلكين فيه.
وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة، تم التشديد على مراقبة الدراجات المعدلة بمحركات، حيث تُستخدم أجهزة قياس السرعة القصوى للتأكد من عدم تجاوزها 58 كيلومترًا في الساعة، فالتغيرات غير القانونية في الخصائص التقنية لهذه الدراجات تسبب ارتفاعاً كبيراً في نسبة حوادث السير. وتشمل المراقبة الدراجة التي تحمل رقم إطار حديدي يتضمن 17 رمزاً تعريفياً (حروف وأرقام) Cyclomoteurs. وتُعتبر أي دراجة تتجاوز السرعة المحددة مخالفة، مما يعرض سائقيها للحجز والغرامات التي تصل إلى 30 ألف درهم، وقد تصل العقوبات إلى السجن.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن التعديلات غير القانونية على مواصفات الدراجات هي السبب في معظم حوادث هذه الفئة، ما يستدعي إتباع إجراءات صارمة تشمل فرض الغرامات المالية، والحجز الفوري للدراجات المخالفة، مع تفعيل حملات توعية لتقليل هذه الظاهرة. كما أن القانون المغربي يحدد عقوبات تبدأ من 5 آلاف درهم وتتصاعد حتى الملايين في حالات التكرار أو وقوع حوادث بسبب هذه التعديلات، ويمكن أن تصل إلى العقوبات السجنية في حالة التسبب بحوادث مميتة أو أضرار جسيمة.
ويشكل هذا الواقع دافعاً للسلطات لاتخاذ قرارات وتصميم آليات رقابة أكثر صرامة، بما في ذلك طلب تراخيص لتعديل الخصائص التقنية من الجهات المختصة مثل وكالة السلامة الطرقية (نارسا)، واشتراط الفحوصات التقنية وإصدار تقارير هندسية قبل السماح بأي تعديل قانوني.
تظل قضية الدراجات النارية الصينية وأوضاع التعديلات عليها اختباراً حقيقياً لقدرة النظام القضائي والرقابي على حماية السلامة العامة وتنظيم السوق، وقدرة الحكومة على تطوير سياسات تعزز التوازن بين الحرص على أمن المواطنين ومراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا المسار، فإن المسؤولية مشتركة بين وزارة التجارة، وزارة التجهيز والنقل، الجهات القضائية، وشركات الاستيراد التي يجب أن تلتزم بمعايير السلامة وتضمن شفافية التعامل مع السوق، حفاظاً على حياة المواطنين وأمن الطرقات.
وفي الختام، يُعد هذا الملف من القضايا الملحة التي تتطلب تعاوناً مستمراً وفعّالاً بين كافة الأطراف المعنية، مع تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية احترام القوانين وعدم التلاعب بالمواصفات، وهو السبيل الوحيد لتحقيق سوق منظم وآمن يلبي حاجات المواطنين ويحميهم من المخاطر الناجمة عن التعديلات غير القانونية للدراجات النارية.