أخبارحوادثدولي

حريق مسجد-كاتدرائية قرطبة التاريخي في إسبانيا: حريق يهدد إرثًا حضارياً عريقاً

عطل كهربائي يشتعل في آلة تنظيف ويثير مخاوف على سلامة أحد أعظم معالم الأندلس بين تاريخه العريق وحوادث الحرائق العالمية

شهدت الساحة الثقافية والتاريخية في إسبانيا يوم الجمعة حدثًا يحمل في طياته الكثير من القلق والحسرة، وهو اندلاع حريق ضخم في مسجد-كاتدرائية قرطبة التاريخي، ذلك المعلم العريق الذي يرمز للتلاقح الحضاري بين الإسلامي والمسيحي ويعتبر من أعظم التحف المعمارية في الأندلس. هذا الصرح الذي بدأ بناؤه عام 784 على يد الأمير عبد الرحمن الداخل، وُصف عبر العصور بأنه شاهد على حقبات كثيرة من التاريخ، تعرض مساء ذلك اليوم لحادثة تؤكد هشاشة التراث أمام عوامل الخراب.
اندلع الحريق في جزء من الكاتدرائية قرب مصلى الروح القدس، تحديدًا في منطقة الأروقة التي تعرف باسم “المنصور”، حيث يوجد مخزن معدات التنظيف والتشغيل. وأشارت التحقيقات الأولية إلى أن سبب اشتعال النار كان عطلًا كهربائيًا في آلية كانت تُستخدم لتنظيف أرضية المسجد، وهو ما أدى إلى انتشار الحريق بسرعة على سطح المبنى. على الرغم من خطورة الموقف، تدخلت فرق الإطفاء بسرعة وتمكنت من السيطرة على النيران وإخمادها، مما حال دون وقوع كارثة كبيرة تدمّر المعلم الأثري الذي يحتفظ بآلاف السنين من التاريخ والثقافة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الحريق جاء في سياق سلسلة من الكوارث التي طالت معالم تاريخية عديدة حول العالم عبر العصور، فليس بعيدًا عن قرطبة، شهدت العالم أمثلة مؤلمة مثل حريق روما الكبير عام 64 ميلادي الذي دمّر أغلب أحياء العاصمة زمن الإمبراطور نيرون، أو الحريق الكبير في لندن عام 1666 الذي استغرق ثلاثة أيام وحوّل المدينة إلى رماد. كما لا يمكن نسيان الحريق الكبير في نيويورك عام 1776 الذي أربك مجريات الحرب الأمريكية، وحتى حرائق الغابات الضخمة التي ضربت كاليفورنيا وأستراليا في القرن العشرين والحادي والعشرين، والتي كشفت هشاشة الإنسان أمام الطبيعة رغم التقدم التكنولوجي.
هذه الحرائق تتباين في أسبابها بين الحوادث البشرية والصراعات أو أعطال تقنية وربما عوامل طبيعية، لكنها جميعًا تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على المعالم الثقافية والتاريخية التي تشكل جزءًا من هوية الأمم وأرثها المشترك. وتذكرنا حادثة المسجد-كاتدرائية في قرطبة بأهمية اتخاذ كافة التدابير الوقائية وتطوير وسائل الحماية من الحرائق لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث التي قد تمحو صفحات تاريخية لا تعوض.
وفي الختام، تبقى الآثار التاريخية ليست مجرد حجارة وجدران، بل هي روايات حية تحكي قصة حضارات وتلاقح ثقافات، وأي تهديد يصيبها هو تهديد للذاكرة الإنسانية جمعاء، ولذا يتعين علينا جميعًا العمل بجد للحفاظ عليها وألا ندعها تذهب سدى بين ألسنة اللهب أو عوامل الإهمال، فهذه المعالم تحمل عبء الزمن وجماله في آن معًا.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!