أخبارجهاترأيسياسةمجتمع

رأي: كراء القاعات بالجمهور: ابتكار انتخابي يعكس أزمة الثقة في الأحزاب المغربية

كيف تحولت الحملات السياسية إلى عروض مدفوعة الثمن بين شراء الأصوات واستئجار الحضور؟

في ظاهرة سياسية مثيرة للدهشة، باتت بعض الأحزاب المغربية تلجأ إلى استئجار قاعات كبيرة مملوءة بجمهور “مؤجر” يحمل أعلام الحزب ورموزه، رغم أن عدد مناصريها الحقيقيين لا يتجاوز العشرات أو المئات، في محاولة لإيهام الرأي العام بقاعدة شعبية واسعة. هذا الابتكار الانتخابي يطرح تساؤلات عميقة حول مدى صدقية المشهد السياسي في المغرب، حيث يمكن لحزب لا يملك حتى 100 مناصر أن يملأ قاعة تضم آلاف الأشخاص مقابل أجر مالي، وهو ما يرفع تكلفة كراء القاعة بشكل كبير مقارنة بالقاعة الخاوية.
هذه الممارسة تكشف عن أزمة عميقة في المشهد الحزبي المغربي، حيث تتحول الأحزاب إلى أدوات انتخابية بحتة تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية وسياسية، وليس إلى بناء قاعدة شعبية حقيقية أو تقديم برامج تنموية حقيقية. فشراء الأصوات واستئجار الجمهور يعكسان واقعاً مؤسفاً يعزز من انعدام الثقة في الأحزاب السياسية، ويزيد من حدة الاستقطاب السياسي الذي قد يصل أحياناً إلى العنف الخطابي.
من جانب آخر، يعاني المواطن المغربي من غلاء معيشة متزايد وتدهور في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، في ظل أحزاب تركز على مصالحها الشخصية والمالية، دون أن تقدم حلولاً حقيقية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد. هذا الواقع يدفع الكثيرين إلى مقاطعة الانتخابات أو الامتناع عن التصويت، معبرين عن رفضهم لما يرونه فساداً واستغلالاً سياسياً.
في ظل هذه المعطيات، يبرز سؤال جوهري حول جدوى الانتخابات في ظل غياب برامج سياسية واضحة وتحالفات حزبية حقيقية، حيث يظل النظام الانتخابي المغربي يتطلب تحالفات بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة، مما يعكس هشاشة المشهد السياسي وغياب الاستقرار الحزبي. كما أن الحملات الانتخابية تتسم أحياناً بسلوكيات غير تقليدية تثير الجدل والسخرية، مثل إطلاق حملات من أماكن غير رسمية كالسرير، مما يعكس حالة من التهافت والافتقار إلى الجدية في العمل السياسي.

ختاماً، يبدو أن المشهد السياسي المغربي يمر بمرحلة حرجة تتطلب إعادة بناء الثقة بين الأحزاب والمواطنين، من خلال شفافية أكبر، ومصداقية في التعبئة الجماهيرية، وبرامج تنموية حقيقية تركز على خدمة المواطن وليس على مصالح النخبة السياسية فقط. وإلا فإن الابتكارات الانتخابية مثل “كراء القاعات بالجمهور” ستظل رمزاً لسقوط السياسة في السوق الانتخابي، حيث كل شيء يُباع ويُشترى.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!