أخبار

سباقٌ يصنع الحلم: مؤسسة اقرأ تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء بعرس رياضي استثنائي*

رشيد حبيل

تحوّلت مدينة ابن أحمد بإقليم سطات إلى فضاء نابض بالحركة ،يوم الإثنين 10 نونبر 2025م، الذي احتضنت فيه مؤسسة اقرأ فعاليات مسابقة العدو الريفي، المنظمة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة. حدثٌ رياضي تربوي جمع بين رمزية الذاكرة الوطنية وروح المنافسة، واستطاع أن يبعث حياة جديدة في الشوارع المحيطة بمؤسسة اقرأ، حيث تجمع الأطفال، والأسر، والمربون، وشركاء المؤسسة في لوحة احتفالية تنبض بالحماس والانخراط.

منذ الساعات الأولى، بدأت ترتيبات التنظيم تظهر بوضوح، فقد سعت اللجنة المشرفة إلى توفير كل ظروف النجاح، من مسارات مؤمنة، وإشراف تربوي منضبط، وتهيئة اللوجستيك الكفيل باحتضان حدث يليق بهذه المناسبة الوطنية الخالدة. بدا المشهد وكأن المدينة تعيد تمثّل لحظة من لحظات المسيرة نفسها، لكن بشكل رمزي، حيث يمشي الصغار على أثر تاريخٍ صنعه الكبار، ويعيدون قراءته بطريقتهم، عبر ركضٍ يحمل القيم نفسها: الإصرار، الجماعية، والروح الوطنية.

وشهدت المسابقة مشاركة عدد كبير من الأبطال الصغار الذين برهنوا على أن الرياضة ليست منافسة فقط، بل سلوك وتربية. يركض الأطفال بخطوات سريعة، لكنّ الأجمل كان في تلك العفوية التي جمعتهم: تشجيع بعضهم البعض، احترام قواعد التباري، وتقبل النتائج بروح رياضية راقية. لحظات جعلت المدرسين والحاضرين يشعرون بالفخر، لأن الهدف الأسمى للتربية هو أن تمنح جيلاً يعرف كيف ينافس دون أن يفقد إنسانيته.

وفي كل محطة من الحدث، كانت ملامح الاحترافية التنظيمية حاضرة. عملت اللجنة التنظيمية على ضبط التوقيت، توزيع الأدوار، والإشراف على مسارات العدو بدقة تستحق الإشادة. جهود واضحة لا يمكن تجاهلها، لأنه من الصعب جمع عدد كبير من المشاركين الصغار، والتحكم في مجريات المنافسة بسلاسة، دون أن يضيع الإيقاع. ومع ذلك، بدا كل شيء متناسقاً، وكأن التحديات غير موجودة أصلاً.

ولا يمكن الحديث عن نجاح أي نشاط ميداني دون الإشارة إلى جهود عناصر الأمن الوطني الذين رافقوا الحدث من بدايته إلى نهايته. حضورهم لم يكن شكلياً، بل أساسياً، إذ حرصوا على تأمين المكان، تنظيم حركة السير، وضمان مرور المنافسة في أجواء آمنة ومطمئنة. هذا الحضور أعطى للحدث طابعاً رسمياً، ورسخ فكرة أن تربية الأجيال مسؤولية مجتمعية مشتركة تتقاطع فيها المدرسة، الأسرة، والسلطات بكل مكوناتها.

كما عبّر منظمو المسابقة عن امتنانهم العميق لكل الشركاء الداعمين، الذين ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر في إنجاح هذه الفعالية. الدعم لم يكن مادياً فقط، بل معنوياً، يظهر في الحضور والمواكبة والحرص على أن يخرج هذا السباق في صورة تليق بمدينة ابن أحمد وبمؤسسة اقرأ التي أصبحت رمزاً للتجديد التربوي والمبادرات المجتمعية الهادفة. مثل هذه الأحداث تأكيد إضافي على أن العمل التربوي حين ينفتح على المجال العمومي يصبح أكثر قوة وتأثيراً.

أما الجمهور الذي تابع أطوار المنافسة، فقد شكّل بدوره جزءاً من المشهد. أولياء الأمور كانوا يهتفون لأبنائهم، وبعضهم يرافقهم من بعيد بخوف جميل يختلط بالفخر. وهناك من جاء فقط ليرى كيف تصنع المدرسة قيماً في الهواء الطلق، بعيداً عن مقاعد الدراسة وأروقة الفصول. كانت ملامح البهجة واضحة على الوجوه، وكأن المدينة بأكملها قررت أن تمنح نفسها استراحة من كل الضجيج اليومي لتعيش لحظة فرح جماعي.

وانتهى السباق، لكن رسائله لم تنته. فوز بعض الأطفال كان احتفالياً، لكن الجميع خرج رابحاً. الربح الحقيقي يكمن في زرع قيم الانضباط، تقوية اللياقة البدنية، تعزيز روح الانتماء للوطن، وفتح باب الأنشطة الرياضية أمام المتعلمين باعتبارها جزءاً من التربية الشاملة لا مجرد نشاط جانبي. وهذا بالضبط ما تراهن عليه مؤسسة اقرأ في مشاريعها ومبادراتها، إذ تحاول الجمع بين التكوين الأكاديمي وصناعة شخصية متوازنة وقادرة على الإبداع والمبادرة.

إن تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء عبر نشاط رياضي للأطفال ليس تفصيلاً بسيطاً، بل اختيار يحمل دلالات رمزية عميقة. فالمسيرة نفسها كانت فعلاً جماعياً ضخماً شارك فيه المواطنون من مختلف الفئات، بروح الإيمان والانتماء. اليوم، يعيد الأطفال إنتاج الروح نفسها من خلال الجري، وكأنهم يركضون نحو المستقبل، حاملين قِيماً لا تشيخ، متصالحة مع ذاكرتها ومعتزة بانتمائها.

وتختتم مؤسسة اقرأ هذا الحدث بعبارات شكر لكل من ساهم في إنجاحه: اللجنة التنظيمية، الأمن الوطني، الشركاء، الأسر، والأبطال الصغار الذين منحوا اللون للحدث. لم يكن السباق مجرد عدو رياضي، بل كان احتفاءً بالحياة، بالتاريخ، وبالأمل الذي يمشي على قدمين صغيرتين، لكنه قادر على حمل ذاكرة وطن بأكمله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!