
تُعد الفروسية التقليدية في المغرب موروثاً ثقافياً شعبياً عميق الجذور، يعكس تاريخ وهوية الأمة، ويُوليها جلالة الملك محمد السادس رعاية خاصة، لما لها من دور في تعزيز الروح الوطنية والحفاظ على التراث المغربي الأصيل. ومن هذا المنطلق، تأتي بطولة كأس الحسن الثاني للفروسية التقليدية (التبوريدة) كواحدة من أبرز التظاهرات التي ترسخ هذا الإرث، حيث تجمع نخبة الفرسان والسربات من مختلف أنحاء المملكة في منافسة سنوية تحت الرعاية الملكية السامية.
تأسست هذه الجائزة العريقة منذ أكثر من ربع قرن، وتُنظمها الجامعة الملكية المغربية للفروسية، وقد أصبحت منصة وطنية يحتفى من خلالها بفنون الفروسية التقليدية التي توارثتها الأجيال، وتم إدراجها عام 2021 ضمن التراث الثقافي اللامادي للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو، مما عزز مكانتها الرمزية والثقافية. الدورة الرابعة والعشرون التي أقيمت في الرباط بين 26 مايو و1 يونيو 2025، شهدت مشاركة 24 سربة من مختلف الفئات العمرية، حيث تنافست السربات في مراحل تأهيلية ونهائية حامية لتحديد بطل المغرب.
وفي إطار هذه المنافسات، جاءت النتائج النهائية لتؤكد قوة وتنوع المنافسة بين السربات المشاركة، حيث فازت سربة المقدم رشيد سيكاس من جهة الدار البيضاء-سطات (عمالة برشيد) بالميدالية الذهبية في فئة الكبار، تلتها سربة المقدم المهدي أنجار من جهة مراكش-آسفي (عمالة مراكش) بالميدالية الفضية، بينما حصلت سربة المقدم دحمان حسناوي من جهة الشرق (عمالة وجدة أنكاد) على الميدالية البرونزية.
أما في فئة الشبان، فقد أحرزت سربة المقدم بدر زريزع، ممثلة إقليم بنسليمان، الميدالية الذهبية للمرة الثانية على التوالي، في إنجاز يكرس مكانتها ويبرز مهارات الفارس عمر زردي، الذي ورث عشق الفروسية ومهاراتها عن أجداده. كما نالت سربة جهة بني ملال-خنيفرة (المقدم محمد غربو) الميدالية الفضية، وسربة جهة مراكش-آسفي (المقدم بدر الدين الخادي) البرونزية.
الشاب عمر زردي، ابن عبد الفتاح زردي رئيس مجلس إقليم بنسليمان، فارس أبا عن جد، نشأ في كنف عائلة عريقة في تربية وتقديم الخيول العربية الأصيلة، وهو ما ساهم في صقل مهاراته ووضعه في مصاف الفرسان المتميزين على الصعيدين المحلي والوطني.
وتُعد بطولة كأس الحسن الثاني منصة التميز والاحتراف في الفروسية التقليدية، حيث تجمع أفضل الفرق والفرسان في منافسة شديدة، إلا أن سربة بدر زريزع استطاعت بفضل التنظيم المحكم وبراعة الفارس عمر زردي أن تحرز الذهب للمرة الثانية، مؤكدة استمرارية التفوق والاحترافية.
لذا ،يستحق الفارس عمر زردي والسربة بدر زريزع كل التهاني والتبريكات على هذا الإنجاز الرائع الذي يرفع اسم إقليم بنسليمان عالياً في سماء الفروسية التقليدية. هذا الفوز ليس فقط تتويجاً للجهود المبذولة، بل هو أيضاً رسالة واضحة بأن التراث المغربي في الفروسية ما زال ينبض بالحياة والتألق بفضل الأجيال الجديدة من الفرسان المخلصين.
وفي الختام، يثبت هذا الإنجاز أن الفروسية التقليدية المغربية تسير بخطى ثابتة نحو المزيد من النجاحات، وأن الرعاية المولوية المستمرة والجائزة المرموقة لكأس الحسن الثاني تلعبان دوراً محورياً في الحفاظ على هذا الموروث الثقافي وتعزيزه، ليظل فخراً لكل المغاربة، وخاصة إقليم بنسليمان الذي يزخر بالمواهب الفروسية الأصيلة.