أخبار

*صرخة قرى منسية: رجال وشيوخ دواوير أولاد احمامة والكويطات وأولاد عبد الله يحتجون على التهميش والإقصاء في جماعة مكارطو*

حبيل رشيد

أول أمس الخميس، اجتمع عشرات الرجال والشيوخ من دواوير أولاد احمامة، الكويطات، أولاد الكبير، أولاد عبد الله، وأولاد لحسن التابعة لجماعة مكارطو بدائرة ابن أحمد، أمام مقر القيادة ورئاسة الدائرة، في مشهدٍ إنساني مؤلم يختزل سنوات من الإقصاء والتهميش. رجال جاوز بعضهم السبعين من العمر، خرجوا بجلابيبهم البسيطة وملامحهم المتعبة، لا ليطلبوا صدقةً ولا عطية، بل ليطالبوا بحقوقهم في الكرامة، والطرق، والماء، والإنارة، والنقل المدرسي لأبنائهم الذين يقطعون الكيلومترات بين الوحل والتراب.

أحد الشيوخ قال بصوتٍ متهدّج وهو يلوّح بيده نحو الطريق الترابية الممتدة بين الدواوير: “منذ سنين ونحن نسمع عن المشاريع، لكننا لا نرى سوى الغبار… أطفالنا يتعلمون السير أكثر مما يتعلمون القراءة، والنساء ينتظرن الماء أكثر مما ينتظرن المطر.”

تلك الكلمات التي خرجت من قلبٍ أرهقه الانتظار، لخّصت مأساة ممتدة عبر أجيال. فبينما تتحدث الجهات الرسمية عن برامج التنمية القروية، يظل رجال مكارطو يقيسون المسافة بين الوعود والواقع بخطواتٍ متعبة. فهنا الطرق لا تُعبَّد إلا على الورق، والماء لا يصل إلا عبر صهاريج تُشترى بالدرهم، والإنارة العمومية لا تضيء إلا في الخطابات الانتخابية.

وأيضا؛ أحد الشيوخ الذين حضروا الوقفة، كان يردد بمرارة: “نحن لا نريد المستحيل، فقط أن نرى طريقاً صالحة تمر منها سيارة الإسعاف حين يمرض أحدنا، وأن نشرب ماءً نظيفاً دون أن نمدّ أيدينا للغرباء.”

ومن حوله وقف رجال بأعينٍ تفيض غضباً وصمتاً، كأنهم يحمّلون الأرض أسرارهم الطويلة مع العطش والطين.

الوقفة التي امتدت لساعات، لم تكن سوى ترجمةٍ لوجعٍ مزمن. فالسكان يؤكدون أن دواويرهم تُقصى كل مرة من مشاريع فك العزلة، رغم قربها من المراكز الحضرية. الطريق المؤدية إلى أولاد احمامة مثلاً، لم تعرف إصلاحاً منذ عقود، والمرضى يُنقلون في عربات تقليدية، فيما تلاميذ القرى المجاورة يقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام في غياب النقل المدرسي، ما تسبب في انقطاع عددٍ منهم عن الدراسة.

الناس هنا يعيشون بالنوايا أكثر مما يعيشون بالماء. الوعود كثيرة، لكن الواقع قاسٍ، التهميش المستمر، والعزلة التي طالت، والرجال الذين تعبوا من الكلام دون أن يملّوا من الأمل.

وأمام القائد ورئيس الدائرة، علت أصوات المحتجين بشعارات قوية تعبّر عن سخطٍ صادق: “كرامة المواطن فوق كل اعتبار”، “الطريق حقّ لا فضل”، “لا تنمية بدون عدالة مجالية.”

كانت الشعارات بسيطة لكنها موجعة، تصدر من صدورٍ أنهكها العمل في الحقول دون أن ترى مقابل ما تقدمه للوطن.

مصدر محلي أشار إلى أن السلطات وعدت بدراسة المطالب ورفعها إلى الجهات الإقليمية، غير أن المحتجين يؤكدون أن وعوداً مماثلة سمعوها من قبل، وأن الزمن وحده كفيل بكشف صدقها أو زيفها.

في المقابل، يرى بعض المتتبعين أن مشكل جماعة مكارطو ليس استثنائياً، بل هو مرآة لما تعانيه كثير من الجماعات القروية في المغرب العميق، حيث تتراكم الاختلالات، وتتأخر المشاريع، وتُهمّش الفئات البسيطة التي لا تملك صوتاً يصل إلى المنابر العليا.

رجال مكارطو الذين وقفوا أول أمس الخميس أمام القيادة، لم يأتوا لافتعال ضجة، بل جاؤوا يطالبون بحقّهم في العيش كما يعيش غيرهم، في أن يشربوا ماءً صافياً، ويسلكوا طريقاً آمنة، ويضيئوا لياليهم بإنارة عمومية لا تنتظر الانتخابات لتُشعل مصابيحها.

كانت وجوههم، وهي تتجه إلى بيوتهم بعد نهاية الوقفة، تحمل مزيجاً من الغضب والرجاء. غضبٌ من واقعٍ طال أكثر مما يجب، ورجاءٌ في أن يسمع أحدٌ هناك، في المكاتب الفخمة، صدى صرختهم البسيطة: نريد العيش بكرامة… لا أكثر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!