
في أقل من 24 ساعة، شهدت مدينة طنجة مأساة مزدوجة هزت أركانها، حين أقدم اثنان من أبنائها على إنهاء حياتهم، تاركين خلفهم فراغاً وألماً لا يُحتمل. آخر هذه الحوادث المؤلمة وقعت في حي كرزيانة، حيث عُثر على شاب في الثلاثينات من عمره داخل منزله، في مشهد يعكس عمق المعاناة التي قد لا تظهر للعيان.
هذه الحوادث ليست مجرد أرقام أو أخبار عابرة، بل هي نداء صامت ينبعث من أعماق النفوس المثقلة بالهموم. كثيرون يعيشون في صمت، يحملون أعباء نفسية واجتماعية لا يبوحون بها، ربما بسبب الخوف من وصمة العار أو نقص الدعم النفسي والاجتماعي. هنا يكمن التحدي الأكبر: كيف نفتح أبواب الحوار ونكسر جدار الصمت؟
لا يمكن اختزال هذه الظاهرة في سبب واحد؛ فهي نتاج تداخل عوامل متعددة، منها الضغوط الاقتصادية، والانعزال الاجتماعي، والمشاكل النفسية التي قد تتفاقم في غياب الدعم المناسب. كما أن ضعف التوعية حول الصحة النفسية يجعل الكثيرين غير مدركين لخطورة حالتهم أو طرق طلب المساعدة.
إن ما حدث في طنجة يدعونا جميعاً إلى إعادة النظر في كيفية تعاملنا مع قضايا الصحة النفسية. فالمجتمع بحاجة إلى تعزيز ثقافة الاستماع والتفهم، وتوفير بيئة آمنة تسمح للمتألمين بالتعبير عن معاناتهم دون خوف أو حكم مسبق. كما أن على المؤسسات الصحية والاجتماعية أن تبادر بتقديم الدعم اللازم، وتفعيل برامج التوعية التي تصل إلى كل الفئات.
في الوقت الذي تستعد فيه المملكة المغربية لاستضافة تظاهرات إفريقية وعالمية، تشكل هذه الفعاليات منصة لتعزيز التضامن والتنمية الاجتماعية على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومن هنا تبرز أهمية أن تتوازى هذه الطموحات مع معالجة القضايا الاجتماعية والصحية النفسية المحلية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، لتكون صورة المملكة متكاملة بين الإنجازات الدولية والاهتمام العميق بمشاكل مواطنيها.
رحم الله من فقدناهم، وألهم ذويهم الصبر والسلوان. وفي الوقت ذاته، يجب أن تكون هذه المآسي جرس إنذار يدفعنا إلى العمل الجاد، ليس فقط للحد من هذه الظاهرة، بل لبناء مجتمع أكثر رحمة وتفهماً، حيث يجد كل إنسان الدعم الذي يحتاجه قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.