أخبارصحةمجتمع

طنجة في قبضة موجة حر قياسية… تحديات صحية وسبل الوقاية من تداعيات الحرارة المرتفعة

كيف تؤثر درجات الحرارة العالية على الفئات الأكثر هشاشة وآليات تنظيم حرارة الجسم للحفاظ على الصحة والسلامة

تشهد مدينة طنجة حالياً موجة حر غير مسبوقة وصلت فيها درجات الحرارة إلى 43 درجة مئوية، مما يقترب من الرقم القياسي الأعلى المسجل عند 43.5 درجة. هذه الظاهرة تعكس بشكل جلي تأثير التغيرات المناخية السريعة التي يشهدها العالم، إذ أصبحت موجات الحر أكثر حدة وطولاً وتكراراً مما يؤثر بشكل مباشر على الصحة العامة ويهدد سلامة السكان. تنبه الجهات المختصة إلى خطورة هذه الظروف الجوية، حيث تحذر من موجات حر شديدة قد تؤدي إلى مضاعفات صحية خاصة للفئات الضعيفة والمتأثرة، ما يدعو إلى ضرورة اتخاذ تدابير وقائية عاجلة.

من بين الفئات الأكثر تعرضاً لمخاطر موجات الحر، كبار السن الذين تتراجع في أجسامهم قدرة التنظيم الحراري مع التقدم في العمر، فضلاً عن تعرضهم لأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري وأمراض الجهاز التنفسي. هؤلاء يعانون بشكل خاص من ضعف آليات تبريد الجسم الطبيعية كالتعرق، كما أن بعض الأدوية التي يتناولونها قد تزيد من صعوبة تنظيم الحرارة في الجسم، مما يجعل التعرض المباشر للحرارة القصوى أمراً خطيراً للغاية عليهم. بالإضافة إلى ذلك، الأطفال الرضع والصغار والنساء الحوامل والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة والعاملون في الهواء الطلق يعانون من مخاطر صحية عالية خلال موجات الحر، الأمر الذي يتطلب من المجتمع والجهات الصحية توفير الرعاية المناسبة والدعم الوقائي لهم على مدار الساعة.

ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بشكل سلبي على المرضى المصابين بأمراض مزمنة، حيث تفاقم الحرارة من أعراضهم وتزيد من خطر المضاعفات لديهم. فمرضى القلب والأوعية الدموية معرضون بشكل خاص لخطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية بسبب الحمل الإضافي على القلب نتيجة ارتفاع حرارة الجسم وضعف تدفق الدم. كذلك يعاني مرضى الجهاز التنفسي من تفاقم الربو وأمراض الانسداد الرئوي المزمن نتيجة لجفاف الهواء وارتفاع درجات الحرارة. مرضى الكلى يواجهون مشاكل إضافية بسبب الجفاف واحتباس السوائل الذي يؤثر مباشرة على وظائف الكلى، فيما يصعب على مرضى السكري التحكم في مستويات السكر نظراً لتغير امتصاص الأنسولين وتأثير الجفاف على الجسم، مما يستدعي مراقبة مستمرة وإجراءات وقائية مشددة.

وللوقاية من هذه المخاطر، يجب على مرضى القلب والسكري وكبار السن والأطفال الالتزام بوسائل الحماية مثل تجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة خلال ساعات الذروة، ارتداء ملابس خفيفة وفضفاضة، والحرص على الترطيب المستمر بشرب الكميات المناسبة من المياه وتجنب المشروبات التي تسبب فقدان السوائل كالكافيين والكحول. ينصح كذلك بتقليل النشاط البدني في أوقات الحر الشديد، ومراقبة الأعراض الصحية بدقة مع مراجعة الطبيب فور ظهور أي علامات غير طبيعية، وذلك لتفادي المضاعفات التي قد تهدد الحياة.

يُعد التعرق الآلية الحيوية الأساسية التي يستخدمها الجسم للحفاظ على التوازن الحراري عندما ترتفع درجة الحرارة. إذ تعمل الغدد العرقية على إفراز العرق الذي يبرد الجلد عند تبخره، مما يؤدي إلى خفض حرارة الجسم الداخلية. كما يساعد توسع الأوعية الدموية السطحية على زيادة تدفق الدم إلى الجلد وفقدان الحرارة من خلال الإشعاع والتوصيل. ومع تفعيل هذه الآليات الفسيولوجية، يلجأ الإنسان إلى سلوكيات وقائية طبيعية مثل البحث عن الظل وارتداء الملابس المناسبة وتقليل النشاط الجسدي وشرب المزيد من السوائل. لكن في حالة ارتفاع الحرارة أو الرطوبة بشكل مفرط، قد تفشل هذه الآليات، مما يرفع من خطر الإصابة بالإجهاد الحراري وضربة الشمس التي تشكل تهديداً مباشراً على الصحة.

في ظل هذه الظروف المناخية الصعبة، يتعين إيلاء اهتمام خاص لتدابير الوقاية من الجفاف، خاصة لمرضى السكري الذين يعانون من تحديات في ترطيب أجسامهم، إذ يتسبب الجفاف في ارتفاع نسبة السكر في الدم وتفاقم الأعراض المرضية. لذلك من الضروري الحفاظ على استهلاك كميات كافية من الماء يومياً وتجنب المشروبات التي تزيد من فقدان السوائل والالتزام بعلاجات السكري ومتابعة مستويات السكر بانتظام. كما يجب الانتباه لجفاف الفم وتوفير العناية المستمرة لصحة الفم والأسنان لتفادي المضاعفات الصحية.

علاوة على ذلك، هناك أدوية محددة يجب توخي الحذر معها أو تجنب تناولها في الطقس الحار، إذ يمكن أن تزيد من خطر الجفاف أو تقلل من قدرة الجسم على تنظيم حرارته. من أبرز هذه الأدوية مدرات البول، حاصرات بيتا، مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين، وبعض مضادات الاكتئاب والذهان. كما تؤثر الحرارة على تركيبة وفعالية بعض الأدوية، مما يستدعي الحرص على تخزينها بشكل صحيح واتباع تعليمات الأطباء بدقة خلال موجات الحر.

تمثل موجات الحر وتزايدها الناجم عن التغيرات المناخية تحدياً حقيقياً للصحة العامة يتطلب جهداً متواصلاً من السلطات الصحية والمجتمعية لوضع استراتيجيات استباقية تضمن حماية الفئات الضعيفة وتحافظ على سلامة الأفراد. تبني سلوكيات الوقاية، الوعي بالمخاطر، واستخدام الآليات البيولوجية الطبيعية للجسم هي الخطوات الأساسية للحفاظ على التوازن الحراري والحد من مضاعفات الحرارة العالية، خاصة في المدن والمناطق التي تشهد ارتفاعاً متكرراً في درجات الحرارة. بذلك، يمكن مواجهة تداعيات هذه الظاهرة المناخية السريعة وتأمين بيئة صحية آمنة للجميع.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!