أخبارإقتصادسياسة

عزيز أخنوش يقود السياسات المالية المغربية تحت التوجيهات الملكية: تقشف مدروس لتحقيق تنمية مستدامة

ترشيد نفقات الحفلات والسيارات ودعم القطاعات الإنتاجية لتعزيز الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه المغرب، برزت التوجيهات الملكية السامية كمنارة توجه الحكومة نحو ضبط الإنفاق العمومي وترشيد الموارد المالية بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة وبناء الدولة الاجتماعية القوية. ففي هذا الإطار، دعا رئيس الحكومة عزيز أخنوش الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى تبني سياسة تقشفية صارمة تركز على تقليص نفقات غير ضرورية مثل الحفلات والمؤتمرات والدراسات، إلى جانب ترشيد اقتناء السيارات الحكومية وتخفيض نفقات السفريات والفنادق. جاءت هذه الدعوة ضمن إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، مؤكدة على أن ضبط النفقات يشكل ركيزة أساسية تمكن الاقتصاد الوطني من النمو المستمر وخلق هوامش مالية تسمح بتمويل السياسات القطاعية المختلفة.
وفي تفاصيل أكثر، تُظهر مقارنة بين نفقات الحفلات واقتناء السيارات الحكومية أن الأولى غالباً ما تُعتبر مصدراً للإنفاق غير الضروري المطلوب تقليصه بشكل جذري، بينما يتم التعامل مع نفقات السيارات عبر تحسين الكفاءة وترشيد عملية الاقتناء من خلال الاعتماد على السيارات الاقتصادية والكراء مع التركيز على الصيانة الوقائية. إلا أن هناك انتقادات داخلية تُشير إلى أن هذه الدعوات رغم أهميتها، لا تزال مهددة بالبقاء شعارات إعلامية ما دامت بعض الوزارات تستمر في الإنفاق على اقتناء سيارات فاخرة أو الاستعانة بمكاتب دراسات مصاريفها مرتفعة.
هذا التوجه التقشفي لا يقتصر فقط على ضبط الإنفاق على العناصر الاستهلاكية، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوجهات الملكية التي وجهت الحكومة إلى إعطاء الأولوية للمشاريع التنموية والاجتماعية مع المحافظة على استقرار المالية العمومية. فقد نجحت السياسات المالية الأخيرة في تقليص عجز الميزانية من مستويات مرتفعة إلى أقل من 4% المتوقع في السنوات المقبلة، مع تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحسين النظام الضريبي وتعزيز إدارة النفقات، ما عزز قدرة الدولة على مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، خصوصاً من خلال دعم الفئات المعوزة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين. كما يبرز في هذا السياق استخدام التمويلات المبتكرة والإصلاحات المستمرة في المؤسسات العمومية لضمان شفافية وفعالية الإدارة المالية.
وفيما يتعلق بنفقات السيارات والنقل الحكومي، تشير الدراسات إلى أن تكلفة اقتناء السيارات الحكومية تشكل عبئاً كبيراً بسبب ارتفاع تكاليف الشراء والصيانة، بعكس النقل الجماعي الحكومي الذي يوزع التكلفة على عدد أكبر من المستخدمين ويعد أكثر فعالية من حيث الكلفة. لذلك، تم تبني سياسة تشجع على استخدام السيارات الاقتصادية وأيضاً التوجه إلى الكراء بدلاً من الشراء المباشر، مع تحسين صيانة السيارات والتخفيض بقدر الإمكان في اقتناء سيارات فاخرة، ما ينعكس إيجاباً على ترشيد الميزانية.
إلا أن هذه الإجراءات لا تخلو من التأثير على الموظفين حيث أن تقليل نفقات السيارات قد يؤثر على مستوى راحتهم في التنقل والرضا الوظيفي، خصوصاً إذا لم يتم توفير بدائل فعالة مثل النقل الجماعي أو الدعم بمجموعة من المزايا الأخرى أو حتى العمل عن بعد.
في المقابل، قد يحمل هذا التقشف أبعاداً إيجابية من حيث تخفيف الأعباء المالية للحكومة، مما قد يتيح فرصاً لتحسين جوانب أخرى في بيئة العمل أو تقديم حوافز مختلفة.
تتلخص استراتيجية تقليل نفقات الدولة في مجموعة متكاملة من الإجراءات تشمل ضبط الإنفاق غير الضروري، تطبيق الموازنة على أساس الأداء وربط التمويل بنتائج قابلة للقياس، تبني الموازنة الصفرية التي تتطلب تبرير كل بند مالي، بالإضافة إلى تحسين إدارة الموارد والعقود الحكومية. وتسعى هذه الاستراتيجية أيضاً إلى استهداف الدعم لمستحقيه وتطوير القطاعات الإنتاجية التي تساهم في تحسين الميزان التجاري وخلق مصادر دخل دائمة للدولة، مع التركيز على ترشيد استهلاك الطاقة والمياه وإعادة هيكلة الدين العام لضمان استدامة المالية العمومية.
وفي مراجعة شاملة للسياسات المالية تحت القيادة الملكية، نجد التزاماً متواصلاً بتنفيذ إصلاحات طموحة تهدف إلى خلق توازن دقيق بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فالقوانين التنظيمية الحديثة تعمل على إدخال المؤسسات العمومية ضمن منظومة مالية شفافة ومنظمة، فيما يعزز القانون الإطاري للإصلاح الضريبي العدالة الجبائية ويوسع من القاعدة الضريبية دون تحميل المقاولات الوطنية أعباء إضافية تقيد نموها. ويهدف مسار هذه الإصلاحات إلى تقليص عجز الميزانية تدريجياً، والحفاظ على الدين العام في مستويات آمنة، مع ضمان تخصيص موارد مالية كافية لتمويل البرامج الاجتماعية والاستثمارية الحيوية.
لقد برزت هذه السياسات المالية الموجهة بتوجيهات ملكية باعتبارها حجر الزاوية في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة التي تراعي المستويات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة وتحفز الاستثمار وخلق فرص الشغل، وفي الوقت نفسه تحافظ على استقرار المالية العامة للدولة.
ويرتكز النهوض الاقتصادي والاجتماعي على هذه الرؤية المتكاملة التي تجمع بين ضبط النفقات وتعزيز الموارد مع ضمان العدالة الاجتماعية ودعم الشرائح الأكثر هشاشة.

وفي النهاية، تبدو السياسات المالية المغربية مقبلة على مرحلة جديدة تتسم بالتوازن والحكمة في إدارة الموارد العامة، حيث يُنظر إلى التقشف ليس فقط كإجراء ضروري لضبط الميزانية، بل كفرصة لترسيخ أسس التنمية المستدامة التي تمكن الدولة من بناء مجتمع أكثر عدلاً وازدهاراً، مستندة في ذلك إلى توجيهات ملكية سامية توجه السير نحو المستقبل بخطى ثابتة وواضحة.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!