
في تدوينة حديثة نشرها وزير الثقافة مهدي بنسعيد على صفحته الرسمية في الفضاء الأزرق، أكد على أن فضاءات الشباب تشكل القلب النابض لأي سياسة شبابية ناجحة، مشيراً إلى أنها ليست مجرد أماكن مادية بل بيئات حيوية توفر للشباب فرص التعبير عن الذات وتنمية المواهب في ظروف آمنة ومحفزة.
وأوضح الوزير أن الإنجازات التي تحققت خلال الأربع سنوات الماضية تعكس التزام الوزارة بدعم الشباب عبر تجديد عشرات المراكز الثقافية وتجهيزها بوسائل عصرية وابتكارية تواكب تطلعات الأجيال الجديدة وتعزز من قدراتهم الإبداعية. لكنه شدد على أن الهدف من وراء هذه المبادرات لا يقتصر على وجود المراكز فقط، بل يتعدى ذلك إلى ضمان أن يجد كل شاب في المغرب مركزاً قريباً منه يلبي طموحاته ويوفر مناخاً مناسباً للإبداع والتطور، وهو توجه يحمل رؤية شاملة لمستقبل الشباب باعتبار الاستثمار في فضاءاتهم ركيزة أساسية لبناء مجتمع ينبض بالحيوية والطاقة الإيجابية بما يتوافق مع احتياجاتهم ورغباتهم في المشاركة الفعالة في التنمية الثقافية والاجتماعية.
وفي تعليق مهم على هذه التدوينة، عبّر أحد المتابعين عن أهمية توسيع هذا الاهتمام ليشمل كذلك الشباب في المناطق القروية والجبلية، مشيراً إلى ضرورة توفير فضاءات قريبة وآمنة لهم لأن طاقاتهم وإبداعاتهم لا تقل عن تلك الموجودة في المدن. وأضاف أن غياب البنية التحتية في هذه المناطق يشكل عائقاً كبيراً يمنع الشباب من الاستفادة من البرامج الثقافية والمراكز الإبداعية، مما قد يحجب فرصهم في تطوير مواهبهم وتحقيق أحلامهم.
هذا المطلب يؤكد على ضرورة شمولية السياسات الثقافية وتوجيه الاستثمارات ليس فقط نحو المراكز الحضرية وإنما أيضاً إلى المناطق النائية لضمان عدالة التوزيع وعدم تهميش فئة هامة من الشباب. ويأتي هذا الموقف كدعوة لتعزيز الجهود الرامية إلى بناء بنية تحتية ملائمة تدعم الشباب في مختلف مناطق المغرب، مما يجعل فضاءات الشباب نقاط انطلاق حقيقية لتحقيق الطموحات وآفاق الإبداع أينما تواجدوا.
وفي هذا السياق ،وعلى مستوى إقليم بنسليمان، شهدت البنية الثقافية تطوراً ملحوظاً مع افتتاح المركز الثقافي ببنسليمان الذي بات يشكل معلماً هاماً يحتضن أنشطة فنية وثقافية متنوعة. يحتوي المركز على قاعة عروض كبيرة ومرافق متعددة تلبي حاجيات المسرح والرسم والفنون التشكيلية، مما يسهم في تشجيع الشباب على التعبير عن إبداعاتهم وتطوير مهاراتهم.
ومع ذلك، ثمة مطالبات متواصلة بتحريك النشاط الثقافي داخل المركز ليشمل برامج موسعة تجمع بين مختلف الفعاليات المحلية لجعله فضاءً ديناميكياً يعكس حيوية المجتمع الشبابي في الإقليم.
هذا المركز يمثل خطوة استراتيجية ضمن جهود الوزارة لتقليص الفوارق بين المناطق، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من التفعيل والتنسيق مع الجمعيات والهيئات المجتمعية لضمان مشاركة أكبر وعدالة مجالية في تقديم الخدمات الثقافية.
أما فيما يتعلق بمراكز الشباب والفضاءات الشبابية ببنسليمان، فتتواجد في المدينة وحدة مركزية واحدة تابعة لوزارة الشباب والرياضة وعلى الرغم من أهمية مركز الاستقبال كفضاء حيوي، هناك حاجة ملحة لخلق وحدات جديدة متمركزة في أحياء مختلفة من المدينة لضمان العدالة المجالية وتوسيع فرص الاستفادة بين الشباب المحلي والاقليمي والجهوي.
هذه المراكز يجب أن توفر خدمات متنوعة للأنشطة الرياضية والثقافية والتعليمية، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات المحلية والهيئات التنموية لضمان استمرارية النشاط وتعزيز المشاركة المجتمعية الشبابية، خاصة مع تطور البنية التحتية الرياضية في المدينة والتي تشهد مشاريع مهمة مثل” ملاعب القرب” والقاعة المغطاة.
من جانبها، تقدم دار الشباب ببنسليمان برامج وأنشطة متنوعة تهدف إلى تنمية مهارات الشباب وتعزيز تفاعلهم الثقافي والاجتماعي من خلال تنظيم فعاليات فنية ورياضية وتربوية تدعم تنمية المواهب والمبادرات الشبابية.
لكن مع التحديات العمرانية والديموغرافية أصبحت الحاجة ماسة لإعادة هيكلة وتجديد هذه الدار بما يسهل الوصول إليها ويزيد من فعاليتها، بحيث تستجيب لمختلف توجهات وإمكانات الشباب. تشمل الخطوط العريضة لخطة تجديد دار الشباب إجراء تشخيص دقيق للبنية التحتية الحالية مع استشارة الشباب والمجتمع المحلي، ثم تحديث التجهيزات بناءً على ذلك لتعزيز الوظائف الثقافية والتربوية والرياضية في فضاء حديث مزود بتقنيات عصرية.
كما يشمل التجديد توفير أنشطة ثقافية ورياضية متنوعة بمشاركة الجمعيات المحلية، مع تطبيق آليات تدبير شفافة بمشاركة الشباب في المتابعة والتقييم لضمان تحقيق الأهداف التنموية.
يُضاف إلى ذلك ضرورة إنشاء وحدات جديدة في أحياء مختلفة من المدينة تماشياً مع التوسع العمراني الذي شهدته المدينة، ما جعل دار الشباب الحالية غير كافية لتلبية كل الحاجيات،وذلك بهدف ضمان العدالة المجالية وتسهيل النفاذ للخدمات الثقافية والاجتماعية. كما يجب تأهيل الموارد البشرية وتطوير قدراتهم لتقديم خدمات خلاقة تشجع على الابتكار والتفاعل الإيجابي، مما يجعل دار الشباب مركزاً متكاملاً يعكس تطلعات شباب بنسليمان في إطار مستدام.
تُعتبر هذه الرؤية في بنسليمان جزءاً من مشروع أكبر لتحديث وتوسيع شبكات المراكز الشبابية والثقافية عبر المغرب، سعياً لتحقيق تنمية متوازنة وإتاحة الفرص لجميع الفئات السكانية، مع دعم مستمر للطاقات الشبابية ليكونوا فاعلين رئيسيين في بناء مستقبلهم ومجتمعاتهم.