
شهد قطاع تحويل الأموال في المغرب فضيحة مالية غير مسبوقة ترتبط بشركة MEA Finance المالكة للعلامة التجارية Canal M والمرخصة من بنك المغرب حيث انهارت أكثر من 60 وكالة تابعة للشركة تاركة مئات الأسر في وضع اجتماعي حرج نتيجة تجميد أموالهم واحتجاز تحويلاتهم المالية لفترات طويلة وفي قلب الأزمة فرار المدير العام للشركة إلى الخارج ما أعاق استرجاع الأموال وأدى إلى شكاوى جماعية تتهم الشركة بالاحتيال وخيانة الأمانة وسط صمت رسمي مثير للجدل من الجهات الرسمية بما فيها بنك المغرب الذي لم يصدر أي بيان رسمي مباشر حتى الآن مما أثار تساؤلات حول رد الفعل المؤسسي إزاء الأزمة وفق تقرير نشرته “الأخبار بريس”.
وقد بدأت الوكالات المتضررة في رفع شكاوى جماعية استهدفت إدارة شركة MEA Finance، مما يشير إلى تحرك قضائي جارٍ رغم غياب تفاصيل واضحة حول ملاحقة المدير العام أو فتح تحقيق قضائي معلن، بينما طالبت الجهات المتضررة وزارة الاقتصاد والمال بالتدخل العاجل لإنقاذ الوضع المالي الذي أصبح مهدداً بالإفلاس بسبب الديون وأوامر الإفراغ وتهديد العاملين بفقدان وظائفهم، الأمر الذي دفع مؤسسات وشخصيات برلمانية إلى المطالبة بتحرك عاجل وحاسم لحماية الحقوق المالية للمواطنين وحماية استقرار القطاع المالي.
في المقابل يلعب بنك المغرب دوراً أساسياً في مراقبة وتنظيم مؤسسات الائتمان للخدمات المالية في المغرب وأعلن في السياقات العامة عدة إجراءات لحماية زبناء هذه المؤسسات من بينها إطلاق إجراءات قانونية وتنظيمية تتضمن معالجة الشكايات وتنظيم إغلاق الحسابات وإصدار شهادات رفع اليد عن الضمانات وتعزيز الحركية البنكية إلى جانب إصدار دليل حماية المستهلك البنكي لرفع مستوى الشفافية وتوفير المعلومة مع فرض عقوبات مالية وتأديبية على المؤسسات التي تخالف القانون إضافة لدليل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وإصدار تحذيرات بشأن محاولات الاحتيال المنتحلة لصفة البنك لكن حتى الآن لا توجد معلومات محددة عن إجراءات مباشرة ضد شركة MEA Finance بشكل خاص وسط استمرار الأزمة والصمت الرسمي.
أما على صعيد السياسات النقدية فإن الأزمة المالية الكبيرة من هذا النوع تمثل تهديدًا غير مباشر لاستقرار النظام المالي الوطني دون أن تؤدي لتغييرات فورية في السياسات النقدية التي تركز عادة على التضخم واستقرار العملة والنمو الاقتصادي الكلي إذ لا يظهر تغير ملحوظ في السياسة النقدية لبنك المغرب كاستجابة مباشرة لهذه الفضيحة وإنما تبرز الحاجة إلى تعزيز الرقابة المالية وتنظيم مؤسسات الائتمان وحماية المستهلكين كأدوات استقرار داعمة للسياسة النقدية ولاسيما أن تلك الأزمات ترفع المخاطر المالية وتؤثر على ثقة الزبناء في النظام المالي مما قد يضعف النشاط الاقتصادي ويؤثر بدوره على التكاليف والأسعار ومن ثم على التضخم.
وبالنسبة لتداعيات الفضيحة على التضخم فهي تتسم بعدم المباشرة حيث يمكن لزيادة عدم الثقة في النظام المالي أن تؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي ما يحد من الضغوط التضخمية، بينما يمكن لارتفاع التكاليف المالية ومخاطر الائتمان أن تسهم في إبقاء التضخم مرتفعًا أو زيادته وسط تحذيرات من أن استمرار الأزمات المالية يعقد جهود خفض الأسعار على الرغم من التقدم الحاصل، ومع ذلك لا توجد مؤشرات على تأثير مباشر أو حاد على التضخم في السوق الوطنية المغربية التي تبقى بحاجة إلى ضبط مالي ورقابي استباقي يحمي الاقتصاد من مخاطر أكبر.
أما تأثير الفضيحة على استقرار النظام المالي الوطني فيعد جديًا حيث تهدد فقدان الثقة الملازم لتجميد الأموال واحتجاز التحويلات وغياب استجابة واضحة من الجهات التنظيمية استقرار النظام المالي مما قد يفاقم من مخاطر الائتمان والسيولة لكن تقدم المغرب في تعزيز صلابة نظامه المالي وتجاوزه مراحل صعبة مثل الخروج من لائحة المراقبة الدولية يوفر بعض المناعة، ومع ذلك تبقى الحاجة ماسة إلى تكثيف الجهود الرقابية وتنفيذ إصلاحات شاملة تعزز الشفافية والمساءلة لحماية النظام المالي والحفاظ على استقراره.
-
ولمواجهة هذا الواقع القائم، تبرز أهمية اقتراح تدابير جديدة لتعزيز شفافية البنك المركزي تتضمن إطلاق ميثاق شفافية رسمي يوضح مسؤوليات البنك وسياساته ويعزز الثقة لدى الجمهور إلى جانب التواصل الدائم والواضح مع الجمهور ووسائل الإعلام عبر نشر تقارير دورية وبيانات مبسطة تشرح السياسات النقدية وآليات اتخاذ القرار كما يشمل رفع مستوى الإفصاح عن البيانات المالية وتقارير المخاطر والاختبارات الاسترشادية التي تخضع لها المؤسسات المالية بالإضافة إلى تبني نظام قوي للإفصاح عن المخالفات والاحتيالات مع تفعيل آليات مستقلة للتحقيق في الشكاوى والرد السريع عليها، كما يُنصح بدمج آليات المشاركة المجتمعية لتشجيع الحوار بين البنك والمستفيدين وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في نشر المعلومات الفورية وزيادة سهولة الوصول إلى البيانات، إلى جانب تطوير إطار حكومي متكامل يضمن استقلالية البنك المركزي ويحدد معايير واضحة للحوكمة والأخلاقيات المهنية.
هذه التدابير مجتمعة تعزز من شفافية البنك المركزي وتعزز ثقته، وهو أمر ضروري في ظل مهمة البنك التي تشمل ضبط استقرار الأسعار وحماية النظام المالي ودعم التنمية الاقتصادية وسط تحديات تتطلب استجابة واضحة وحاسمة تعيد الطمأنينة للقطاع المالي ولكافة الأطراف المعنية.