أخبارفن وثقافة

قراءة في لوحة “لوحة الشاي” للفنان التشكيلي مصطفى بن عالية .

بقلم الفنان والناقد التشكيلي ذ. حستي محمد

لوحة الشاي التي أمامنا والموقعة بأسلوب واضح الانتماء للفنان مصطفى بنعالية تكشف عن عناصر تشخيصية وتشكيليّة عميقة تُحيل على عدد من الخصائص الجمالية والثقافية المغربيك التي تميز أعماله، والتي يمكن أن نقرأها على النحو التالي:
تحليل تشكيلي وجمالي لخاصيةأعمال الفنان التشكيلي المغربي مصطفى بنعالية:
1. الموضوع والهوية البصرية:
اللوحة تمثل مشهداً يومياً مألوفاً من الذاكرة الجماعية المغربية: رجل يسكب الشاي بأسلوب تقليدي.
الموضوع ليس فقط احتفاءً بعادة اجتماعية يومية، بل هو استدعاء للهُوية والحميمية الثقافيةالمغربية ، عبر رموز وتمثلات بصرية مغربية مثل البراد، الكؤوس، الطاولة المستديرة، الغلاية النحاسية.
يمثل ذلك وفاء الفنان للبيئة المحلية، وحرصه على تحويل العادي إلى استثنائي عبر العدسة التشكيلية.
2. التقنية والأسلوب:
استخدام الفنان للون البنفسجي في الخلفية وللأزرق في الثوب يظهر جرأة لونية وشجاعة في اللعب بالكتل الضوئية والظل، ما يُقربه من تيارات ما بعد الانطباعية والتعبيرية الحديثة.
الألوان الساطعة والصريحة تخلق تباينًا بصريًا عاليًا، مما يمنح العمل حيوية ديناميكية.
ضربات الفرشاة واضحة وحرة، ما يعكس حضورًا للّمسات اليدوية والتعبير المباشر، وينأى عن الواقعية التصويرية الدقيقة او المفرطة ، لصالح تعبير وجداني وفني حر.
3. البناء التركيبي:
تكوين اللوحة يوازن بين الخطوط العمودية والأفقية والمنحنيات، بذلك نجد استقرارًا بصريًا في توزيع العناصر التشكيلية في الفضاء.

تموضع البراد في اليد اليمنى، وسكب الشاي نحو نقطة ارتكاز في وسط اللوحة، يمنح المشهد حركة داخلية تستدرج العين بسلاسة صوفية وفي تناغم مع الحركة وصوت الشاي وبخاره ورائحته التي تجوب الروح .
عنصر الغلاية البخارية على اليمين يضفي بُعدًا حسيًا (البخار، الحرارة) ما يُغني اللوحة بصريًا في ديناميتها المثجذرة في تاريخ الكرم ويكسر بذلك جموديتها.
4. البعد السيميائي والثقافي:
تتجلى سيميائية “البراد” و”كؤوس الشاي” و”اللباس التقليدي” كرموز للكرم، التقاليد، والعلاقات الاجتماعية في الثقافة المغربية الاصيلة .
عبر هذه الرموز، يتحول العمل إلى توثيق بصري للذاكرة الشعبية، ويمنح صورة الآخر عن المغرب شرعية جمالية ومعرفية.
* مكانة مصطفى بنعالية في المشهد التشكيلي المغربي والعالمي:
* محليًا:
بنعالية يمثل جيل الفنانين الملتصقين بالأرض والهوية الشعبية، ويساهم من خلال لوحاته وكتبه التربوية والقصصية في ترسيخ الفن كوسيلة تعليم وتنشئة.
أعماله التشكيلية توازي نشاطه البيداغوجي، ما يجعل منه فنانًا مثقفًا ومربيًا بصريًا في آن، وهو ما يؤهله لتأطير أجيال ناشئة قادرة على قراءة الفن كثقافة.
عالميًا:
عبر مشاركته في القصص المصورة باللغة الفرنسية، وبالتعاون مع كتاب عالميين، كـ. Daniel Couturier، يصبح الفنان صوتًا بصريًا لمغرب متعدد في أبعاده: تراثي، حديث، عالمي.
أعماله قادرة على مخاطبة الذوق العالمي الباحث عن الأصالة والفرادة، خاصة في زمن يسعى فيه الفن الغربي لاستعادة الروح المحلية والبدائية بوصفها تعبيرًا عن النقاء.
خلاصة:
مصطفى بنعالية فنان تشكيلي يجمع بين التوثيق البصري والاحتفال بالهوية المغربية، بأسلوب لوني تعبيري حديث، ينقل اليومي إلى مشهد جمالي عميق. أعماله مؤهلة لأن تكون جزءًا من حوار بصري مع الفنون العالمية، خصوصًا تلك المهتمة بثقافة الجنوب والهويات الأصلية.

حُستي محمد.
الخميسات.
المغرب

8/7/2025

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!