
في تطور بارز على صعيد التشريع المغربي، أصدرت المحكمة الدستورية المغربية بتاريخ 4 أغسطس 2025 قرارًا هامًا رقم 255/25 قضى بعدم دستورية العديد من مواد مشروع القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي كان قد صادق عليه البرلمان مؤخراً. هذا القرار لم يأتِ اعتباطاً، بل استند إلى إحالة من رئيس مجلس النواب، حيث ركزت المحكمة في حكمها على مخالفة بعض المواد للدستور المغربي، وبالأخص ما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، واستقلال القضاء، وضمانات المحاكمة العادلة.
ومن بين المواد التي تم إبطال دستورية بعضها:
👈🏼المادة 17، التي منحت النيابة العامة سلطة طلب بطلان الأحكام دون تحديد دقيق، مما يشكل خرقًا لمبدأ الأمن القضائي.
👈🏼المادة 84، التي أجازت التسليم القضائي بناء على الظن أو التصريح، وهو ما يهدد مبدأ اليقين القضائي.
👈🏼المواد 408 و410، التي منحت وزير العدل صلاحيات تتعارض مع استقلال القضاء.
👈🏼المادة 90، التي لم تضمن حقوق الدفاع بشكل كاف خلال جلسات التقاضي عن بعد.
👈🏼المواد 624 و628، التي أسندت لوزارة العدل صلاحيات في تسيير النظام المعلوماتي القضائي، مما أدى إلى مساس باختصاصات السلطة القضائية.
وبالتالي ،يؤكد هذا القرار على دور المحكمة الدستورية كحامٍ لسمو الدستور، مشدداً على ضرورة تعديل أو حذف المقتضيات غير الدستورية قبل تطبيق القانون. وبهذا، يصبح القرار سابقة هامة في مسار تحديث التشريعات المتعلقة بالإجراءات القضائية في المغرب.
أما من حيث التأثير، فيُعتبر قرار المحكمة دليلاً واضحاً على أن التشريع المغربي لا يمكن أن يخرج عن إطار الدستور. إذ يمنع النص الدستوري تطبيق المواد التي تم إبطال دستوريتها إلى حين تصحيحها، ويجعل من قرار المحكمة حجية قطعية ونهائية موجهة لكافة السلطات القضائية والإدارية. ويسهم القرار في تعطيل النصوص غير الدستورية، ويفرض على البرلمان والحكومة مراجعة التشريعات لتتوافق مع المبادئ الدستورية، مع تعزيز استقلال السلطة القضائية وحماية الحقوق والحريات الأساسية.
كما يعزز القرار مبدأ الرقابة الدستورية الوقائية، ويؤكد الهيمنة الدستورية على القوانين والنظم الداخلية للمؤسسات، مما يحفز مراجعة تشريعية شاملة لتتواكب مع مبادئ القانون الدستوري وضمانات حقوق الإنسان.
وفي خلاصة القول، يمكن اعتبار قرار المحكمة الدستورية المغربية خطوة مفصلية في ترشيد المنظومة القانونية، فهو يرسخ مكانة الدستور كمرجعية عليا تحمي الحقوق والحريات، ويضمن تطور التشريعات بما يعكس روح العدالة وسيادة القانون داخل المملكة. وسيظل هذا القرار نقطة انطلاق لإصلاحات تشريعية عميقة تُسهم في تعزيز ثقة المواطنين في المنظومة القضائية والحكومية على حد سواء.