
في مدينة كلميم، أوجدت ندرة الموارد المائية والحاجة إلى ترشيد استهلاك المياه الصالحة للشرب تحديات كبيرة على مستوى استدامة هذه الموارد الحيوية، مما دفع السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات صارمة من بينها توقيف تزويد النافورات بالماء، مما أثر مباشرة على الحيوانات والطيور التي كانت تعتمد على هذه المصادر لشرب الماء، وترافق ذلك مع إصدار قانون يمنع إطعام الحيوانات والطيور بالماء الصالح للشرب.
هذه الخطوة الجذرية تأتي ضمن سياسة شاملة لإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة لري المساحات الخضراء، وذلك حفاظاً على موارد الماء الثمينة وتوجيهها لأغراض أكثر استدامة. غير أن هذا القانون أثار جدلاً واسعاً بين السكان، حيث عبّرت بعض الأصوات عن استيائها من القرار، معتبرة أن هذا التدخل قد يتناقض مع المبادئ الإنسانية والرحمة التي يعززها الدين، بينما تؤكد الجهات الرسمية أن الهدف من هذه الإجراءات هو الحفاظ على الأمن المائي وتوفير الموارد للأجيال القادمة.
ويشكل هذا القانون جزءاً من مشروع أكبر لحماية الصحة العامة وتنظيم العلاقة بين الإنسان والحيوان، إذ يفرض غرامات مالية تصل إلى 3000 درهم على من يخالف قواعد منع إطعام الحيوانات الضالة في الأماكن العامة، كما يشدد على ضرورة إنشاء مراكز خاصة لرعاية هذه الحيوانات تحت إشراف بيطري يضمن رعاية منظمة وإنسانية بعيداً عن الممارسات العشوائية. ورغم أن هذا القانون يعتبر مهماً من منظور حماية الصحة والسلامة العامة والحد من انتشار الأمراض المعدية، إلا أنه يثير انتقادات من جماعات المدافعين عن حقوق الحيوان الذين يرون فيه تضييقاً على قيم الرحمة والتضامن التي يجب أن تشمل جميع الكائنات الحية.
العقوبات التي ينص عليها القانون لا تقتصر على الغرامات فقط، بل تتضمن أيضاً عقوبات حبسية في حالات إيذاء الحيوانات عمدًا، وهو ما يؤكد حرص التشريع على حماية هذه الكائنات من الإساءة، كما يُلزم القانون أصحاب الحيوانات الأليفة بتسجيلها إلكترونياً لضمان السيطرة عليها ومنع تحولها إلى حيوانات ضالة، مع فرض غرامات إضافية على المراكز غير المرخصة التي تتعامل مع الحيوانات دون احترام القوانين المعمول بها. هذه الإجراءات تصب في إطار تحديث قواعد التعايش بين الإنسان والحيوان وتحقيق توازن بين حماية الكائنات الحية وصون المصلحة العامة.
إلا أن تطبيق مثل هذا القانون يتطلب موارد مالية وبشرية ضخمة، تشمل إنشاء مراكز رعاية وعلاج متخصصة وتطوير منظومة رقابية فعالة لضمان تنفيذ الأحكام، إلى جانب التوعية المستمرة للمجتمع حول أهمية القوانين الجديدة. هذا القانون يحمل في طياته فوائد كبيرة كتحسين الصحة والسلامة العامة وتنظيم ظاهرة التشرد الحيواني، لكنه يواجه أيضاً تحديات مجتمعية بسبب اختلاف وجهات النظر حول التعامل مع الحيوانات وحقوقها.
وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز أهمية البدائل البيئية المستدامة التي يمكن الاعتماد عليها للحد من التشرد الحيواني، ومنها إنشاء ملاجئ ومراكز متخصصة توفر للحيوانات مأوى ورعاية صحية متكاملة مع تنفيذ برامج تعقيم وإخصاء للحد من تكاثر الحيوانات الضالة بطرق إنسانية وفعالة. كما تعتبر التوعية المجتمعية والتعليم من الأدوات المهمة لتوجيه التفاعل الإنساني مع الحيوانات بشكل مسؤول، مدعومة بالتعاون بين السلطات والجمعيات المحلية لضمان تغطية جميع جوانب الرعاية سواء على المستوى البيئي أو الاجتماعي.
منطقيا ،يساهم حظر إطعام الحيوانات البرية بدوره في الحفاظ على السلوك الطبيعي لهذه الكائنات، ومنع فقدان خوفها من الإنسان، والتقليل من تجمعها في الأماكن السكنية مما يحمي التوازن البيئي ويقلل من خطر انتقال الأمراض التي تهدد صحة البشر والحيوانات على حد سواء، بالإضافة إلى التقليل من الصراعات البشرية الحيوانية التي قد تنجم عن اقتراب الحيوانات من المدن والمناطق السكنية.
وفي النهاية، تعتبر هذه الخطوات نتاج رؤية شاملة وآمنة لإدارة الموارد الطبيعية وحماية الحياة البرية والبيئة، مع ضرورة مواصلة تطوير الحلول البيئية والاجتماعية والسياسات القانونية المرتبطة بها، بما يضمن استدامة هذه الموارد ويحفظ الحقوق والواجبات بين الإنسان والحيوان. فقط من خلال التوازن الدقيق بين حماية البيئة والرعاية الإنسانية يمكن تحقيق مستقبل أفضل يعكس احتراماً مشتركاً للطبيعة ولكافة الكائنات التي تعيش معها.